الجولاني، الذي دخل إلى دمشق تحت صفة “رئيس انتقالي”، لم يكتفِ بالتحصن في قصر الشعب على النقيض مع كل سابقيه من رؤساء سوريا الذين سكنوا في منازل وسط دمشق، بل إنه أيضا أعاد تشكيل المشهد داخل القصر ليكون منصة لاستعراض ملامح القوة الشخصية بعد أن كان قصر الشعب مجموعة مكاتب تمثل مؤسسة الرئاسة السورية ومكانا لاستقبال الضيوف وإجراء المراسم ولم يكن يوما مكانا لإقامة الرئيس. خلف هذه المظاهر يقف شعور بالنقص السياسي والشرعي، يحاول صاحبه تعويضه برموز القوة المادية، من العروش الضخمة إلى الزخارف المبالغ فيها.
التحولات الرمزية في الهوية والخطاب
لم يقتصر تغيير الجولاني على العرش، بل شمل هويته الرمزية بالكامل: الاسم، المظهر الخارجي، والخطاب السياسي. من دعوة لتحرير القدس وتحفيز الانتحاريين السوريين ( ليس فقط دمشق بل سنصل القدس)، إلى خطاب سياسي “واقعي” يسعى للقبول الخارجي، يمكن قراءة هذا التحول على أنه اضطراب في الهوية الرمزية، بين “المجاهد المقدس” و”الرئيس الانتقالي الواقعي”، يعكس صراعًا داخليًا بين القوة الذاتية المفترضة والواقع السياسي.
استغلال الجولاني سابقا للخطاب الديني والدعائي لتحفيز الانتحاريين يظهر انفصالًا نفسيًا وظيفيًا: القدرة على دفع الآخرين للتضحية بأنفسهم بينما يحافظ على ذاته، ما يكشف عن نرجسية تعويضية تستخدم الآخرين لتحقيق أهداف شخصية، مع تغطية شعور بالنقص الداخلي بالرموز والمظاهر، يكمل تلك الصورة تقرير وكالة رويترز الذي تحدث عن تفاصيل الفساد وعن تعيين الإخوة في مناصب رسمية وغير رسمية تساوم رجال الأعمال على نسب من ثرواتهم تذهب ليس لخزينة الدولة بل إلى صناديق غير رسمية .
الانبطاح الخارجي مقابل القمع الداخلي
مع وصوله إلى السلطة، ظهر تحول واضح في السلوك السياسي: تخفيف الخطاب الأيديولوجي المتشدد، وفتح قنوات التواصل العلنية مع إسرائيل باعتبارها شريكًا محتملًا ضد أعداء مشتركين كما صرح الجولاني لمجلة يهودية أميركية. هذا التحول يعكس ميلًا للانبطاح الاستراتيجي مقابل البقاء الشخصي، وهو مؤشر على نقص الثقة بالشرعية الذاتية والدعم الجماهيري والقدرة على مواجهة الواقع السياسي دون تحالفات خارجية.
في المقابل، داخليًا، يستمر القمع ضد السوريين، ما يعكس استراتيجية مزدوجة: الداخل مقهور، والعدو الخارجي بلا رادع. السلطة هنا تتحول إلى أداة لتغطية عقدة النقص والحفاظ على السيطرة، وليس لتحقيق مصلحة وطنية.
العرش كمرآة نفسية وسياسية
صورة الجولاني على العرش الفاخر ليست مجرد تفصيل بروتوكولي؛ بل هي انعكاس مباشر لبنية نفسية معقدة. كل ما يحيط به من زخارف وفخامة هو محاولة لتعويض شعور بالنقص والافتقار إلى الشرعية، بينما كل تحول في الخطاب أو المظهر يعكس صراعًا داخليًا مستمرًا بين الطموح الشخصي والمبررات السياسية.
في النهاية، العرش، القاعة الفارهة، الرموز، والخطاب المتغير هي أدوات نفسية وسياسية للتحكم في الداخل عبر الهيمنة الرمزية، وللتفاوض مع الخارج عبر الانبطاح، ليصبح الجولاني نموذجًا صارخًا لصراع القوة الشخصية مقابل الشرعية الوطنية، حيث يتحول البذخ والمظاهر والساعة الفاخرة إلى تعويض عن ضعف حقيقي، والانبطاح الخارجي إلى وسيلة للبقاء على السلطة، ولو على أنقاض الوطن.
بقلم : منير الشامي