لم يفاجئنا الإعلان عن مشاركة السفير السابق سيمون كرم في اجتماع اللجنة التقنية العسكرية للبنان، المسماة “ميكانيزم” صباح الأربعاء في 3 كانون الأول الجاري، بوصفه مدنيا، في حضور طرف “مدني” إسرائيلي هو المدير الأعلى للسياسة الخارجية في "مجلس الأمن القومي الاسرائيلي". رضخ لبنان للمطلب الأميركي، باسم السيادة والمصلحة الوطنية العليا، فكان هذا الاجتماع سابقة لم تحصل منذ عقود، وليس مستبعدا أن يكون مرسوما لها تكبيل لبنان باتفاقيات التطبيع.
يقول ممثلو لبنان إنهم يجلسون إلى طاولة المفاوضات للمطالبة بوقف الاعتداءات، وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي، وإطلاق الأسرى، فيجيب مكتب رئيس وزراء العدو أن نزع السلاح إلزامي، بغض النظر عن تعزيز التعاون الاقتصادي، وتستمر الاعتداءات اليومية، والخروق، والضربات الإجرامية، كأن شيئا لم يكن. عدونا، في نشوة تفوقه العسكري، والدرك الأسفل من الإجرام، لا يريد أن يقدم شيئا، وهو الذي لا يفهم إلا لغة القوة، فقدموا له تنازلا في نقطة، كي ينتقل للتي تليها، يا أصحاب السيادة والمصلحة العليا، والقضايا الكبرى. امضوا في تنازلكم للعدو الذي أباد، واحتل، ودمر، وهجر، واستوطن، من دون أي رادع قانوني أو إنساني، وساعدوه على نزع السلاح الذي ما زال يحسب له كل حساب، هنيئا لكم.
لماذا يجلسون إلى طاولة المفاوضات؟ كي يبعث السفير كرم برسائل التطمين للجانب الإسرائيلي أنه حريص مثلهم وربما أكثر على نزع سلاح حزب الله؟ أم تناغما مع المطلب الأميركي بإنشاء منطقة اقتصادية على الحدود، على تراب آلاف الشهداء الذين لم تجف دماؤهم بعد؟ أم ربطا بمشاريع استعمارية جديدة، تتخطى حدود لبنان؟ أم فقط لإسكات الأميركي، وكسب بعض الوقت بين تنازلين؟
يذهبون إلى طاولة المفاوضات من دون تفويض شعبي، وما الذي يملكون من أوراق التفاوض؟ يملكون الوسيط الأميركي المنحاز كليا للعدو؟ ويملكون التنازل تلو التنازل؟ وهوسهم بنزع السلاح، وإسقاطه حتى كورقة تفاوضية قوية؟ ثم ما هو سقف التفاوض، وما هي أهدافه، كي نحكم عليه بالنجاح أو الفشل؟
يهرولون للتفاوض، ولكن ألا يتعظون؟ أليس هو العدو عينه الذي لم يلتزم اتفاق وقف إطلاق النار؟ أليس هو العدو الذي ألغى اتفاقية الهدنة من طرف واحد منذ عقود؟ والذي استغل وما زال، تبدل الأحوال في سوريا، كي يقصف ويتوغل ويحتل، رغم استعداد الحكم السوري الجديد للتفاوض، وانخراطه في بعض جولاتها؟
هذه الخطوة المشؤومة، تضعنا جميعا أمام مسؤولياتنا التاريخية: كيف يتفق الرؤساء الثلاثة على مثل هذا الرضوخ؟ وما موقف القوى الوطنية، والقومية، والإسلامية، واليسارية؟ كلنا أمام الامتحان الأصعب منذ عقود، فليكن المسؤولون على قدر مسؤولياتهم، أما شعبنا فطالما عرف أن يكون على قدرها.
دفاعا عن سيادتنا الوطنية والشعبية، نحن ندين هذه الخطوة التنازلية، كما ندعو كل الأحرار في لبنان من القوى الوطنية والشعبية إلى التمسك بالمقاومة المسلحة كحق وممارسة، والعمل معا وكلا من موقعه على إسقاط المشاريع الإسرائيلية في لبنان بما فيها رفض كل أشكال التطبيع، ومواجهة الهجمة الصهيونية والإمبريالية على منطقتنا”.