هذا الشخص، الذي قُدِّم على أنه متزعم لمجموعات عشائرية محلية في جنوب قطاع غزة، وشريك أمني من الطراز الرفيع ومن الصف الأول للاحتلال الإسرائيلي، مُسح من الخارطة في لحظة واحدة.
ومعه سقطت هندسة أمنية كاملة كانت تعمل عليها الاستخبارات الإسرائيلية لأشهر طويلة.
هذه الخطة كانت خطيرة للغاية، لأنها صُممت لاستبدال الحكم المدني لحماس بمجموعات عشائرية محلية، تحرسها مجموعات أخرى تعمل بغطاء مباشر من الاحتلال.
مقتل أبو شباب يعني إنهاء عقيدة إسرائيلية متكاملة، قائمة على ثلاث مراحل:
1. تقسيم غزة إلى عدة أقسام، وبالتالي إلى كانتونات منفصلة: شمال ووسط وجنوب، بحيث تحكم كلّ منطقة إدارة مستقلة ومعزولة عن الأخرى.
2. الاعتماد على الحكم العشائري، أي رفع الانتماء العشائري على حساب الانتماء الوطني الفلسطيني، بما يؤدي إلى ضربة مزدوجة لحركتي فتح وحماس معاً.
3. إحلال الأمن بالوكالة، والاعتماد على مجموعات منفلتة من القانون تمارس المهام القذرة نيابة عن الكيان الإسرائيلي، وبذلك تنخفض فاتورة الاحتلال العسكرية والاقتصادية.
لم تكن تصفية ياسر أبو شباب حدثاً عابراً، بل كانت نتيجة لموقع العملية الدقيقة التي جرت في شرق رفح، قرب معبر كرم أبو سالم ومعبر صلاح الدين.
هذه المنطقة بالكامل تخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وأفادت التقارير أن سماءها مغطاة تماماً بسلاح الطيران الإسرائيلي.
وعندما نتحدث عن أن عملية التصفية جرت في منطقة محمية بالكامل إسرائيلياً، فإن لذلك معنيين أساسيين:
أولاً: أنها ضربة قاسية للاستخبارات الإسرائيلية والمنظومة الأمنية بكاملها.
ثانياً: أنها تعطي قوة إضافية لحركة حماس – بغض النظر عمّن نفّذ العملية فعلياً، سواء كان تابعاً لحماس أو كما روّج الإعلام العبري بأنه شخص من مجموعة أخرى.
في كلتا الحالتين، فإن اغتيال أبو شباب يمثل تفوقاً استخبارياً للمقاومة الفلسطينية، حتى في المناطق التي يسيطر عليها الاحتلال.
ولا شك أن ياسر أبو شباب ليس الوحيد، ولن يكون الأخير من وكلاء الأمن والاستخبارات الإسرائيلية في غزة، لكنه ربما كان الأبرز بينهم.
لذلك، فإن اغتياله اليوم يوجّه رسالة واضحة لكل العملاء بأن مصيرهم محتوم، وأن الشرعية الحقيقية هي المنتصرة في معادلة الحق والباطل، والاحتلال والفلسطينيين.
الروايات المتضاربة حول مقتل أبو شباب تكشف أنه رجل يمتلك قدرات عسكرية وثقلاً ميدانياً، لكنه أيضاً ذو خلفية جنائية استغلها الاحتلال كنقطة ضعف لتمرير مخططاته في قطاع غزة.
لذلك فإن مقتله يعني تبخر الخطة الأمنية التي كانت "إسرائيل" تريد تنفيذها في غزة، خصوصاً في اليوم التالي لانتهاء العدوان، بما يشمل اتفاقاً ثلاثي المراحل تم الإعداد له مسبقاً.
عموماً، أبو شباب كان أحد أهم الوكلاء الإسرائيليين في القطاع، وعندما يُقتل بهذه الطريقة وفي المنطقة الأمنية الحساسة التي ذُكرت، فإنها رسالة مزدوجة:
أولاً، أن هذا هو المصير الحتمي لكل المتعاونين، وثانياً، أن الرواية الإسرائيلية عن مقتله بسبب خلافات عشائرية ليست إلا محاولة للتغطية على فشل أمني كبير.
الوقائع الميدانية تشير إلى أن العملية كانت مرتبة بشكل منظم، وأن هناك رصداً دقيقاً لهؤلاء العملاء، وتقديم معلومات استخبارية متناسقة.
وهذا يعني وجود خلايا مقاومة فاعلة على الأرض – سواء من حماس أو من فصائل أخرى – تؤكد أن الفلسطيني لا يبيع وطنه.
قد يكون هناك خارجون عن القانون في كل مكان، لكن أن يتصدر أحدهم مشهداً بهذا الحجم، ثم يُقتل بهذه الطريقة، فذلك إسقاط لمسرحية الاحتلال بالكامل.
كما ذكرت وسائل الإعلام، قناتا “12” و“14” العبريتان حاولتا التقليل من حجم الخسائر الإسرائيلية عبر الحديث عن "خلاف عشائري"، لكن تقارير سكاي نيوز ومصادر أخرى أكدت أن التصفية تمت بناءً على كمين محكم.
وهذا بحد ذاته دليل عسكري واضح على وجود رصد استخباري، وتنسيق ميداني، وخلايا مقاومة فعالة داخل القطاع.
وفي النهاية، وبغضّ النظر عن كل السيناريوهات، فإن الخاتمة واحدة: النصر سيكون لأبناء غزة.