وهذه التقنية المتطورة تزيح الستار عن أحد أعمق ألغاز علم الصيدلة: أين يذهب الدواء حقا بعد تناوله، وأي الخلايا يستهدفها بالضبط داخل أعضائنا المختلفة.
ويقف البروفيسور لي ييه، الباحث البارز في معهد سكريبس للأبحاث ومعهد هوارد هيوز الطبي، أمام هذا الإنجاز التاريخي موضحا: "لطالما عشنا في ظلمة علمية في ما يتعلق بمصير الأدوية داخل الأجسام الحية. وحتى اليوم، كنا نعتمد على تخمينات مستنيرة عند محاولة فهم كيفية تفاعل الدواء مع أهدافه البيولوجية. وكان الأمر أشبه بمحاولة فهم قصة معقدة من خلال النظر إلى غلاف الكتاب فقط".
وتتمثل النقلة النوعية في تقنية vCATCH الجديدة في قدرتها على الدخول إلى مستوى الخلية الفردية، حيث تعتمد على مبدأ ذكي يجمع بين كيمياء الأدوية المتطورة وعلامات التتبع الفلورية.
وتعمل التقنية بشكل خاص مع فئة "الأدوية التساهمية" التي تشكل روابط كيميائية دائمة مع أهدافها البيولوجية. ويشرح الفريق البحثي آلية العمل الدقيقة، حيث يتم أولا تزويد جزيئات الدواء بعلامة كيميائية صغيرة تشبه "الخطاف" قبل حقنها في الجسم. بينما ينتقل الدواء المعدل في مساره الطبيعي، وتبدأ عملية التتبع الحقيقية بعد جمع الأنسجة، حيث يتم معالجتها بعلامات فلورية متخصصة وجزيئات نحاسية محفزة.
وما يجعل هذا النظام فريدا هو الاعتماد على تقنية "كيمياء النقر" الحائزة على جائزة نوبل 2022، والتي تتميز بانتقائية كيميائية عالية تمنع أي تفاعلات جانبية قد تشوش على النتائج.
ويقودنا هذا الإنجاز إلى عتبة جديدة في فهمنا للعلاجات الدوائية. فالتقنية لا تكتفي بكشف أسرار الأدوية الحالية، بل تفتح آفاقا واسعة لتطوير جيل جديد من العلاجات. ويخطط فريق البروفيسور ييه حاليا لاستخدام vCATCH في دراسات متنوعة تتراوح بين اختبار انتقائية أدوية السرطان للخلايا الورمية مقارنة بالخلايا السليمة، وتحليل الأنماط الخلوية التي تستهدفها الأدوية النفسية في الدماغ البشري.