مفاجأة جسر بغداد الجوي

مفاجأة جسر بغداد الجوي
الإثنين ١٠ أكتوبر ٢٠١١ - ٠٢:٥٨ بتوقيت غرينتش

استردت السلطات العراقية اجواءها من القوات الاميركية المحتلة... انه الخبر الابرز والاهم، الذي حدث في الايام القليلة الماضية من دون ان ينتبه اليه احد، لكنه الخبر الذي قد يغير ميزان القوى المتخاصمة على سورية ويكسر طوق العزلة والمقاطعة التي تسعى واشنطن من خلالها الى كسر ظهر دمشق ولي ذراع ايران التي ما زالت ممتدة الى بشار الاسد.

حصول توافقات ايرانية كويتية مهمة خلال زيارة رئيس مجلس الامة الكويتي الى طهران على طريق حل الملفات العالقة بين الجانبين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الخلاف المزمن حول الجرف القاري، وكذلك فك المنازعات بين الكويت والعراق حول الممر المائي المشترك، سواء من خلال مشاورات اللجنة المشتركة بين البلدين او دخول ايران على خط التهدئة، قد يقلب موازن القوى الخليجية لغير صالح المتصيدين في الماء العكر من القوى الاقليمية الطامعة باستعادة نفوذها المتهافت، بسبب الصحوات العربية والاسلامية، وكذلك ما قد يقطع الطريق على لعب الاجنبي المستمر على ورقة ايران فوبيا الشهيرة.

خبر آخر لم ينتبه اليه احد كثيرا وهو تصريح رئيس الموساد الاسرائيلي السابق مائير داغان، الذي قال فيه: ان تل ابيب تمر في اسوأ حقبة من تاريخها وان كل شيء في المنطقة يسير لمصلحة ايران وبالتالي لم يعد عمليا ابدا ضرب ايران اذا لم يكن ذلك من المستحيلات.

في هذه الاثناء يعمل الامام السيد علي خامنئي صباح مساء على ما يبدو على تجهيز ايران لان تكون مكتفية ذاتيا في اساسيات المعاش اليومي، عندما امر الرئيس نجاد - ايضا في خبر لم يتوقف عنده الكثيرون - بان يطلب بوقف استيراد كل ما يوجد شبيه له من المنتجات الوطنية بشكل فوري، في اطار تعزيز ما يسميه اقتصاد المقاومة.

من جهتها فان وزارة الدفاع الايرانية تعمل 24 ساعة على 24 ساعة لتقوية وتعزيز دفاعاتها الصاروخية والجوية من جهة لردع اي هجوم اجنبي والرادارية والحرب الالكترونية لردع اي تحرش او احتكاك او هجوم اسرائيلي او اميركي مفاجئ، وهو ايضا ما لم يلحظه الكثير من المتابعين.

من جهة اخرى فانه ورغم اجواء الاستقطابات السياسية الايرانية الداخلية القائمة على خلفية الصراع مع تيار احمدي نجاد لمنعه من اكتساح البرلمان في اوائل آذار (مارس) المقبل، فان اجتماعات الامام السيد علي خامنئي شبه اليومية مع قطاعات واطياف المجتمع والدولة الايرانية ودخوله على خط الادارة التنفيذية لكل قطاعات السلطة من حيث الاشراف والتوجيه والمراقبة، ربما هو الآخر يعني في ما يعني الامساك الحازم بالقرار الايراني الموحد في حال حدوث اي طارئ، لاسيما الصدام غير المتوقع او غير المحسوب مع اي جهة اجنبية معادية.

قد يكون امر الدرع الصاروخية التي قررت تركيا السماح لحلف الناتو ان تنصبها فوق اراضيها، ومجموع السلوك التركي تجاه سورية تحديدا والمنطقة عموما، هو جرس الانذار الذي يقف وراء كل تلك الاخبار، وقد يكون خبر طلب قائد القوات الاميركية في المنطقة من الايرانيين الموافقة على اقامة خط تهاتف عسكري ساخن بين الجانبين قد زاد في جدية انتظار مفاجأة ما ينبغي الاستعداد لها.

ولكن يبقى الخبر الاول ربما هو الخبر الاهم والاول، لان استعادة السلطات العراقية لفضائها الجوي من المحتل الاميركي سيعني في ما يعني ما يلي:

اولا: حالة الوهن واليأس التي وصلت اليها الادارة الاميركية من امكانية تمديد احتلالها للعراق ووصول حالة نفوذها العام في المنطقة الى ادنى درجاته بسبب الاستنزاف الشامل الذي تعيشه على كل المستويات.

ثانيا: تبلور تحالف ايراني عراقي سوري من نوع جديد باستطاعته الالتفاف على الاتراك من خلال الاستغناء عن فضائها الجوي مدنيا ـ سيكون خط الطيران الايراني المدني الى بيروت عبر بغداد وليس الاجواء التركية - وهو ما سيفيد في امور كثيرة منها مواجهة العقوبات الاقتصادية على سورية، وعسكريا اذا ما لزمت الحاجة لردع اي عدوان صهيوني او اميركي محتمل، ما يؤمن جسرا جويا مطمئنا لسورية ولبنان في الحرب ايضا.

ثالثا: ارسال اشارة ايجابية للبنان بانه بات لديه عمق استراتيجي من نوع جديد يمكن الاعتماد عليه من دون الحاجة للمرور بالكوريدور التركي، في حال اقدمت الولايات المتحدة او الاتحاد الاوروبي على اي قرار احمق بمحاصرة او مقاطعة لبنان بسبب الخلاف حول المحكمة الدولية الصهيونية الاميركية.

هذه الامور مجتمعة تفسر لنا سبب حالة الاضطراب والتخبط التي تمر بها كل من تل ابيب وواشنطن تجاه مشروع ايران الفلسطيني ، المشروع الذي استطاع ان يعيد ترتيب اوراق تحالف قوى المقاومة والممانعة العربية الاسلامية بما يقوي اوراق فصائل المقاومة الفلسطينية في مشروع التصدي لمشروع تصفية قضية فلسطين، وبما يجعل سورية تتجاوز نفق الحصار وبما يعيد لايران زمام المبادرة في لعبة القط والفأر، التي طالما حاولت واشنطن من خلالها الايقاع بايران من خلال استفزازها او توريطها في مواجهات او حرب قبل اوانها.

وحدها ادارة اوباما ومعها عصابة نتنياهو ـ ليبرمان تقف اليوم امام الحائط فلا هي قادرة على التقدم كما اعتادت دوما هجوما على الخصم، ولا هي قادرة على التراجع المنظم، بسبب حقول الالغام العراقية والافغانية التي تنتظرها باستمرار، ولا هي قادرة على المراوحة طويلا مكانها بعد سقوط الحليف التركي الجديد في ورطة المستنقعات الاميركية.

*محمد صادق الحسيني – القدس العربي