محنة سود أميركا في عهد أوباما

محنة سود أميركا في عهد أوباما
الجمعة ١٤ أكتوبر ٢٠١١ - ٠٣:٢٢ بتوقيت غرينتش

وقع، في الأسبوعين الأخيرين، حدثان أكدا مجددا فساد المقولة التي تم الترويج لها حين تولى أوباما الرئاسة، والتي زعمت أن أميركا بوصوله للحكم، دخلت مرحلة (ما بعد العنصرية). ففي أواخر الشهر الماضي، تم في ولاية جورجيا تنفيذ حكم الإعدام في شاب أسود يدعى تروي ديفيز، أدين بقتل ضابط شرطة. وبعد تنفيذ الإعدام بأسبوع واحد، التقى أوباما بالأعضاء السود في مجلس النواب الأميركي، فإذا به يطلب منهم (الكف عن الشكوى).

وقصة إعدام تروي ديفيز قصة مريرة، نكأت جراحا غائرة. والحكاية باختصار؛ أن ديفيز (42 عاما) كان قد تم القبض عليه في حادث مقتل ضابط شرطة عام 1989. وقد صدر قرار الإدانة في حقه، وحكم عليه بالإعدام، رغم عدم وجود أية أدلة مادية على الإطلاق. فلم يتم العثور على أداة الجريمة، ولا كانت هناك آثار من أي نوع تربطه بالحادث، بما في ذلك تحليلات الحامض النووي.

لكن ديفيز أدين بناء على شهادات تسعة أفراد قالوا إنه القاتل، غير أن سبعة من هؤلاء تراجعوا لاحقاً عن تلك الشهادات، ووقع خمسة منهم على وثائق رسمية، يؤكدون فيها أن البوليس أجبرهم وقتها على الشهادة ضد ديفيز. لكن تراجع سبعة من أصل تسعة شهود كانت شهاداتهم هي وحدها أساس الإدانة، لم يغير في الأمر شيئاً، حيث فشلت كل المحاولات، حتى تلك التي طالبت بالتحقيق مع رجل آخر شهد آخرون بأنه اعترف لهم بارتكابه الجريمة.

لكن ديفيز قبل إعدامه بيوم واحد، التقى بمحبيه والمدافعين عنه، وطالبهم (بالمضي في كفاحهم من أجل إنقاذ كل ديفيز بعده يتعرض لنفس محنته).

والحقيقة أن المحنة التي تعرض لها ديفيز، هي محنة مجتمع السود ككل في الولايات المتحدة. فحوالي نصف الرجال السود ملقون في السجون، أو خارجون لتوهم منها. ووفقا لوزارة العدل الأميركية، فإن واحدا من كل ثلاثة من السود الذكور معرض للسجن، مقابل واحد من كل 17 من البيض.

لكن إلقاء كل هؤلاء السود في السجون، ليس سببه أنهم يرتكبون جرائم أكثر من البيض، كما يروج العنصريون في أميركا، وإنما سببه العنصرية المؤسسية الموجودة حتى الآن في النظام الجنائي والقضائي الأميركي. فعلى سبيل المثال، تحت شعار مكافحة المخدرات، يتم السماح للشرطة بتوقيف السيارات والناس لتفتيشهم. لكن ذلك التفتيش ليس محايدا، ولا يتم إجراؤه بشكل عشوائي.

فلا يوجد توقيف للسيارات في مناطق البيض والأغنياء، بينما يتركز في الأماكن الفقيرة، ومن بينها مناطق السود. أما على الطرق السريعة، فقد أثبتت عشرات الدراسات أن النسبة الأعلى ممن يتم توقيفهم، من الذكور السود.

أكثر من ذلك، فإن العقوبات المفروضة على حيازة المخدرات، تختلف حسب نوعها. فالأنواع التي غالبا ما تكون في حيازة السود، تكون عقوبتها أشد وأطول من تلك التي يميل البيض لتعاطيها والاتجار فيها.

وتلك كلها مجرد أمثلة من واقع مرير، مسكوت عنه في الخطاب السياسي والإعلامي الأميركي، ويمثل كارثة إنسانية لأنه يدمر النسيج الأسري والاجتماعي للجماعة السوداء. فالذين يخرجون من السجون، يواجهون حياة شديدة البؤس.

لكن الأسوأ من ذلك، هو ما قاله أوباما لأعضاء الكونغرس السود، حين طالبهم بالكف عن الشكوى لأن هناك (عملا لا بد من إنجازه). ولعل أبلغ تعليق على ما قاله أوباما، هو ذلك الذي نطقت به النائبة السوداء المفوهة ماكسين ووترز.

فهي قالت (أنا لا أعرف بالضبط إلى من كان يتحدث الرئيس، فاللغة التي استخدمها تثير التأمل. فالرئيس تحدث للأميركيين من أصل لاتيني، ولم يقل لهم أن (يكفوا عن الشكوى). وهو لا يستطيع بالتأكيد أن يقول ذلك للمثليين الذين مارسوا بالفعل ضغوطا عليه، وهو بالقطع لا يمكنه أبدا أن يقول لليهود توقفوا عن الشكوى بخصوص إسرائيل)!.

وتعليق ووترز الذي يعبر عن مرارة لا تخطئها العين، يؤكد أن زمن أوباما ليس (زمن ما بعد العنصرية)، وإنما قد يكون بداية عصر يتم فيه تجاهل حقوق السود بالمطلق، وهو أمر لم يكن من الممكن إلا لرئيس أسود أن يدشنه.

*د. منار الشوربجي