الامام الخامنئي ومشروع القوة الاسلامية الدولية

الامام الخامنئي ومشروع القوة الاسلامية الدولية
الأحد ٠٦ نوفمبر ٢٠١١ - ١٠:٢٨ بتوقيت غرينتش

عبر الشهور العشرة الماضية توالت مراحل التحولات التعبوية والسياسية والفكرية والاجتماعية لشعوب الثورات العربية، ومكاسب الصحوة الاسلامية المباركة، في مسارات غيرت الكثير من المعادلات والحسابات السابقة، على خلفية التصاقها باجندة الاستكبار العالمي، وانقيادها لإملاءات التحالف الاميركي ـ الاوروبي ـ الاسرائيلي، وهو تحالف عمل، و ما يزال ، على تطويع الاوضاع والمواقف والسياسات في العالم الاسلامي لفائدة مصالح اباطرة القوة والمال وتجار الحروب في الغرب المتصهين ومؤسساته المختلفة كالامم المتحدة ومجلس الامن وحلف الناتو وصندوق النقد الدولي وغيرها.

 بكلمة واحدة  يمكن  القول  ان الصحوة الاسلامية المعاصرة، عطلت تماما جميع المشاريع والاطروحات والمخططات الاستكبارية الرامية الى تطبيع الامة على التراخي والخضوع والتساكن مع الوجود الصهيوني  الغاصب لفلسطين والقدس الشريف، والانتقال من ثم الى المرحلة الاخرى وهي ضرب قوى المقاومة والتصدي والجهاد الصامدة بوجه الانتشار العسكري الاحتلالي لجيوش اميركا والناتو واسرائيل، ابتغاء القضاء على دورها المعرقل والممانع  لاستراتيجيات التحالف الغربي السلطوية  في منطقة الشرق الاوسط والخليج الفارسي.

   لقد اسهمت الثورات الشعبية الاسلامية في تونس ومصر والبحرين و اليمن والسعودية والاردن وليبيا، في فقدان منظومة الاستكبار والرأسمالية الدولية، مواقعها القيادية ومراكز نفوذها في العالم الاسلامي، وازاء ذلك يمكن فهم  ووعي الحالة الهستيرية المسيطرة على زعماء الادارة الاميركية والحكومات الاوروبية واسرائيل، وهم يطلقون الاتهامات  و الافتراءات  و الاكاذيب يمينا وشمالا، ويصعدون من لهجاتهم وتصريحاتهم التهديدية.

  و اضح انهم يحرضون على المزيد من الفتن والتوترات والازمات ولاسيما في ايران وسورية ولبنان المقاومة وفلسطين الانتفاضة، توخيا لتعويض هزائمهم المرة في زمن الصحوة المعاصرة، وهروبا من مشاكلهم الاقتصادية والمتفاقمة جراء ثورة ابناء الشعوب الغربية من (نيويورك) الى (كان) احتجاجا على الرأسمالية الظالمة ودورها الاساسي  في سيطرة البؤس والشقاء والعوز على حياتهم  ومعائشهم الآيلتين  نحو التدهور والضياع يوما بعد آخر.

وفي قراءتنا لنداء قائد الثورة الاسلامية الامام السيد علي خامنئي الى حجاج بيت الله الحرام للعام  (1432 هـ)  نجد ان سماحته اعطى عرضا جامعا شاملا لواقع الامة والمجتمع البشري في ظل الموازنات الاقليمية والدولية الجديدة. فقد حذر السيد القائد من الارتدادات العنيفة  لتحركات قوى الثورة المضادة في مناطق النهضات الشعبية، سيما وان ابناءها لايقبلون بغير الاسلام نظاما لحكوماتهم القادمة، وهو ما سيدفع التحالف الاميركي  ـ الاوروبي ـ الاسرائيلي، الى اتخاذ سلوكيات وممارسات وسياسات اكثر ضراوة وحقدا، والقتال بكل شراسة لمنع الامة من  تحقيق تطلعاتها العادلة والمشروعة عبر هذه الثورة  الاسلامية الايمانية الشاملة .

ففي ندائه للحجيج قال قائد الثورة: " لقد تكشفت الماهية الديماغوجية والمزيفة للقوى الغربية امام شعوب المنطقة. ومع ان اميركا واوروبا سعتا ـ بكل شكل ـ الى ابقاء الانظمة المتواطئة معهما في كل من مصر وتونس وليبيا، الا ان هذه المساعي باءت بالفشل  الذريع  جراء  اصرار  الامة على  اطاحة  الحكام الفاسدين،   وعندئذ عمد هذا الثنائي المعادي  الى مسايرة الثوار المنتصرين والتودد اليهم  ومقابلتهم بابتسامات عريضة يختبئ وراءها  الزيف والنفاق ".

وفي جانب آخر من هذا النداء التاريخي  شدد الامام خامنئي على وجوب اغتنام فرصة الحج لتطهير الارواح و الانفس من الادران الدنيوية، استعدادا لتحولات واحداث مرتقبة يمكن ان تؤدي ا لى انعطافة مصيرية حاسمة موضحا  ذلك

بالقول "ان بشائر كبرى تنتظر الامة الاسلامية وخاصة في بلدان الثورات الجديدة." كما دعا سماحته الى استثمار الفرص التعبوية والمعنوية التي تولدت بفضل  صحوة الامة  في سبيل  "اقامة القوة الاسلامية الدولية".

 لقد وضع القائد خامنئي  (دامت بركاته)  الامة من خلال ندائه لضيوف الرحمن في صعيد عرفة، وجها لوجه امام التحديات الاستكبارية ومخاطرها من جهة  ،والمسؤوليات الدينية والجهادية والاخلاقية لمسلمي العالم من جهة اخرى، في رسالة مفادها ان ساعة الفرج والخلاص باتت وشيكة، ولاجل هذا  فإن التحولات المصيرية القادمة  تدعو الامة الاسلامية  كافة الى الاستعداد للثورة الاصلاحية الكبرى التي يعول عليها المستضعفون في سبيل  تحكيم موازين القسط والانصاف والمساواة  في ربوع الارض. فما دامت الغاية هي ان يكون العدل الالهي هو الفيصل في العلاقات  بين بني البشر، فعندئذ  لن يكون ثمة مجال لزعماء القوة والمال حتى يعبثوا بمقدرات الشعوب، لان عليهم ان يذوقوا وبال امرهم  و يواجهوا الانهيار و السقوط مثلما حل بالاتحاد السوفييتي السابق .  

   صفوة القول ان  الدلائل و المؤشرات الراهنة  باتت كلها تظهر بدء العد التنازلي  لتصدع قواعد النظام الرأسمالي الربوي و الاحتكاري ، وافتضاح  مؤامرات قادة اميركا و اوروبا  ، و اقتراب علامات زوال اسرائيل الغاصبة من  قلب العالم الاسلامي ، و هو ما يبشر  باندحار الاستكبار الغربي الصهيوني الذي لن يبقى له أي ذكر الا في صفحات التاريخ السوداء.

حميد حلمي زادة