عام ليس كسائر الأعوام...

عام ليس كسائر الأعوام...
الأحد ٢٥ ديسمبر ٢٠١١ - ٠٦:١٦ بتوقيت غرينتش

اذ نحن على اعتاب عام جديد،و يُأمل ان يؤسس لعهد يجعلنا الاقرب لنيل الاهداف و تحقيق الآمال والتغلب على التحديات والمصاعب ..سيمضي عام ولكن سيبقى خالداً في ذاكرة الشعوب لما حصلت فيه من تطوراتٍ شأنها أن تترك بصماتٍ واضحة على الخريطة السياسية و الجغرافية للمنطقة ..

عام2011م هو لا شك عام العرب ،عامٌ تخللته مفاجئات كبرى قل نظيرها في تاريخنا المعاصر،فقد كسرت ارادة الشعوب حاجز الخوف والظلام وانطلقت نحو ميادين العزة والكرامة معبرين في ذلك عن رغبتهم وحرصهم في تقرير مصيرٍ  قد تم سلبه من قبل انظمة همجية و عصابات دخيلة ابتعدت كل البعد عن قيم وتطلعات الامة فما فتأت حتى سعت في اوطاننا جوراً وفسادا..

واستعراضاً لأهم محطاته، فهذا العام  بالرغم من مشاهد القتل والملاحقة والتنكيل والترويع المنظم الذي مورس ضد المدنيين والابرياء العزل من المواطنين لا لذنبٍ ارتكبوه ولا لجريمةٍ اقترفوها لا لشيء ٍسوى أنهم أرادوا الحياة  بعزٍ وكرامة موجهين صرخة غاضبة بوجه معاناة شديدة وآلامٍ طويلة تمتد الى عهود ماضية من ظلم واستبداد، استغلالٍ واستعمار حيث بلغ ذلك مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الأمم عبر الأزمان..، وقد تضمن فيما تضمن –هذا العام- مشاهد لانجازات عظيمة تجسدت فيه ثورات عربية وبدءاً من الثورة التونسية الرائدة في اطلاق شرارة الاحتجاجات فهي تقطف اليوم ثمار نضالها بكل نجاح،  ففي خضم الذكرى الاولى لانطلاق الثورة توجّت الثورة التونسية باختيار رئيس لها  لم يفرض عليها لا عبر دبابات الاحتلال ولا من خلال الانقلابات العسكرية التي عهدناها من قبل في العهود الماضية ،و انما جاء عبر صناديق الاقتراع و الانتخابات الحرة النـزيهة لتؤسس بذلك بداية لعهد تحتذى به سائر الثورات العربية.، اما الثورة الليبية الصامدة تلك التي رسمت أروع صور التضحية والايثار في مقارعتها أعتى نظام شهده التاريخ، فها هي اليوم تضمد جراحها وتنطلق نحو تأسيس مستقبل تجتمع فيه كافة القوى السياسية فهم يدركون ان المتربصين بهم و بمكتسباتهم من دول غربية و حتى عربية لا يكترثوا باستقرار ليبيا ومستقبلها بقدر ما يهمهم استغلالها و الهيمنة على قرارها وسلب ثرواتها..

و ثمة انجازات أخرى سيؤرخها هذا العام لتحسب على حساب المصريين فقد أثبت هذا الشعب بكل طوائفه وانتماءاته الفكرية والسياسية و من خلال ذلك الحراك المستمر والمتواصل أن زمن الوصاية مهما كانت اجنبية او داخلية  قد ولّى أمرها  فها هو المجلس العسكري بالرغم من تعنته ومحاولاته البائسة للانقضاض على الثورة والاستحقاقات الانتخابية التي شكل الاسلاميون فيها اصعب رقم على صعيد كسب الاصوات البرلمانية الامر الذي لايمكن تجاهله او انحساره ببساطة عبر محاولات التشويه والصاق التهم وغيرها..، فبالرغم من كل  ذلك الاّ انه من جديد – المجلس العسكري - يتقهقر في مواجهة الميدان ويُرغم بالسير نحو ما يريده الشعب وفق السقوف التي حددها والاهداف التي آمن بها و انطلق وضحّى  من أجلها، والاّ فمصير المجلس العسكري اذا ظل عقبة امام تحقيق ارادة الجماهير مصير من سبقه في الحكم حين اراد الشعب الحياة  فسرعان ما تحقق ما أراد...

لا شك ان الثورات العربية  قد انطلقت في وقت متقارب وقد حملت اجندات مشتركة رافعة بذلك شعار التغيير والاصلاح ،الاّ انها من الواضح لا تسير على وتيرة واحدة  فهي تختلف من ثورة الى ثورة ومن بلدٍ الى بلد  وذلك بسبب اختلاف طبيعة تعاطي الانظمة مع مطالب الثوار وتعنتها في عملية  قبول او رفض تلك الأستحقاقات و مدى ثباتها وصمودها امام تيار الثورة الجارف وكذلك مدى مواصلة الثوار الكفاح والنضال والصمود امام تحدي القمع المنظم للأنظمة ،فمع كل تلك العوامل لا يمكن تجاهل العاملان الدولي والاقليمي حيث دخلا بقوة على حراك الشعوب،فركبا الموجة في موقع وتحيزا للحاكم الظالم في موقع آخر ووظفا هذا الحراك لصالح اجنداتهما في مواقع أخرى وما يزالا يلعبان دوراً تخريبياً وتشويهياً واجهاضياً في بعض الاحيان .،فستؤرخ ذاكرة عام 2011م بان الثورة البحرينية تحولت الى مأساة كبرى وباتت قضيتها خاضعة للصفقات السياسية بسبب منظومة المصالح المشتركة بين العالم الغربي وحلفاءه في المنطقة فهنا يتغاضى ويتآمر"الضمير الحي"  للعالم  "الحر"  ويتناغم مع شركاءه الاقليميين الذين ما انفكوا  يسعون جاهدين لاضفاء صفة الطائفية على ثورةٍ مسالمة  ليتسنى لهم اخماد نارها الملتهب.،كذلك الثورة اليمنية الصامدة سيسجل لها هذا العام صمودها ونضالها امام جبروت حكامها وحلفاءهم من دول غربية واقليمية ،فقد أثبت هذا الشعب بأنه لازال حيّاً يؤمن بقضيته ولا يقبل الرضوخ لمحاولات تمييع قضيته لا عبر المبادرات الفاشلة ولا من خلال المفاوضات البائسة و سيبقى حاضراَ في ساحات التحرير مهما كلفه الامر.

اما في الايام المتبقية من هذا العام يبدو ان الازمة السورية قد دخلت منعطفاً مهماً، فالتوقيع على المبادرة العربية يعني ان امكانية حلحلة الازمة عبر المفاوضات والحوار لا تزال قائمة وهذا ما سيقطع الطريق امام تدويل الازمة  ومن ثم قطع الطريق على محاولات بعض الاطراف الدولية والاقليمية لتوظيف مطالب الشعب السوري التي ينظر لها الكثير على انها محقة، وبدا حتى النظام السوري يعترف بها ويعد بتلبيتها عبر خطوات أعلنها طالت حتى المادة الثامنة من الدستور التي تنص على قيادة الحزب الواحد،لكن يبقى ان كلا النظام والمعارضة يتحملان المسؤولية في انقاذ البلد من هذه الأزمة باستثمار ما هو مطروح من مبادرات و وساطات جادة ومحايدة.

ولعل عام 2011م سيغادر والعراقيون يحتفلون بجلاء القوات المحتلة من أراضيهم ،فخروج الاحتلال يشكل انجازاً كبيراً حيث لم يكن يتوقع أحد أن محتلاً أعلن انه سبقى لعشرات السنين، سيخرج خلال اقل من عقد من الزمن،صحيح ان الاحتلال خلّف صواعق أزمات وخلافات سياسية وطائفية وعرقية،و تسبب من دمار مادي ومعنوي الاّ انه سيبقى التفاؤل والأمل بهمة العراقيين واستعدادهم في تجاوز هذه العقبات والانطلاق نحو البناء والاستقرار والاعمار.

و القضية الفلسطينية ستبقى حية في ذاكرة الوجدان والتاريخ في كل الاعوام طالما هناك احتلال جاثم على صدره وطالما هناك ارادة تؤمن بان الارض والكرامة لن تعود إلاّ بفضل مقاومة ابناءه...ِ

 د.ياسر عبدالزهراء عثمان