مشروع "قناة البحرين" بين اسرائيل واردن وقلق مصري

الإثنين ٢٦ أبريل ٢٠١٠ - ٠٤:٠٩ بتوقيت غرينتش

خيوط المؤامرة اكتملت وهي ذات شقين: الشق الأول «قناة البحرين» (وهو مشروع أردني – إسرائيلي) يقضي بنقل 9 مليارات متر مكعب سنوياً من مياه خليج العقبة الى البحر الميت لإعادته إلى مستواه وحمايته من... الموت. والشق الثاني «إعادة توزيع مياه النيل» بصورة «اكثر عدالة» في ما يعني نسف الاتفاقات التي عقدها البريطانيون (في العام 1929) وحرمان مصر من حاجاتها المائية الحيوية.

خيوط المؤامرة اكتملت وهي ذات شقين: الشق الأول «قناة البحرين» (وهو مشروع أردني – إسرائيلي) يقضي بنقل 9 مليارات متر مكعب سنوياً من مياه خليج العقبة الى البحر الميت لإعادته إلى مستواه وحمايته من... الموت. والشق الثاني «إعادة توزيع مياه النيل» بصورة «اكثر عدالة» في ما يعني نسف الاتفاقات التي عقدها البريطانيون (في العام 1929) وحرمان مصر من حاجاتها المائية الحيوية. وشقا المؤامرة في النهاية متلازمان، والدور الاسرائيلي فيهما واضح جداً. 

80 عالماً وباحثاً وخبيراً مصرياً في علوم البحار والبيئة أعدوا، بتكليف من هيئة قناة السويس دراسة حول «قناة البحرين»، تسلمها رئيس الحكومة المصري الدكتور أحمد نظيف في 20 آذار (مارس) الفائت. الدراسة تجيب عن سؤالين: الأول ما هو حجم المخاطر الحقيقي لهذا المشروع على مستقبل الملاحة في قناة السويس، والثاني ما هي الأضرار البيئية الحقيقية التي ترتبها القناة على مصر ودول الجوار؟ 

النص الكامل للدراسة لم ينشر بعد، والتخوف المصري ناجم في الأساس عن أن يكون هدف المشروع إيجار قناة بديلة تضرب قناة السويس وتستأثر بالنقل البحري في منطقة تعتبر ملتقى قارات العالم. إلا أنه تبين أن هذا التخوف ليس مبرراً (حتى الآن) لأن اجزاء من قناة البحرين ستكون في شكل أنابيب تمر في مناطق وعرة للغاية، واسرائيل لا تنوي بالتالي استعمالها كممر ربط بحري، وإنما ترغب في الاستفادة من فارق المنسوب بين البحرين (400 متر تقريباً) لتتمكن من توليد الكهرباء وتحلية المياه ورفع منسوب البحر الميت. 

ومن أجل إيضاح حجم المخاطر البيئية المترتبة على مصر والأردن والمنطقة لا بد من التوقف عند بعض جوانب المشروع. يقول وزير المياه الأسبق (عضو الوفد الأردني المفاوض في واشنطن) الدكتور منذر الحدادين أن أول من فكر بمشروع ناقل البحرين ( الميت والأحمر) هو المهندس البريطاني ويليام آلين في العام 1855، كبديل لقناة السويس دون ان يعلم ان البحر الميت يقع تحت  مستوى سطح البحرالأبيض المتوسط، مضيفا ان مهندسين، يهودا اهتموا به منذ العام 1870 وتمخض عن تفكيرهم مشروع يربط البحرين من حيفا الى بيسان حيث يتم توليد الطاقة الكهربائية في بيسان ومن ثم يتم انزال المياه في نهر الأردن. 
|
المهندس اليهودي كتب الى قس انغليكاني في بلاط الملك البريطاني في شباط (فبراير) من العام 1902 يقول: لماذا لا تقنع الملك بشراء الأراضي الجرداء في تلك المنطقة بثمن بخس ونقوم نحن اليهود بتعميرها وبعد ذلك يستطيع الملك بيعها بأسعار خيالية ليتمكن من تعويض خسارته في “حرب البور” بجنوب افريقيا، اضافة الى انه بذلك يساعد اليهود على العودة الى “أرض الميعاد”. وارجوك ان لا يتم اطلاع السلطان العثماني على هذه الخطة، مشيرا الى انهم رغبوا في زراعة احياء مائية وتنمية رياضات بحرية وخلق سياحة بحرية توطئة لانشاء وطن قومي لليهود لأن مؤتمر بازل الصهيوني الأول في العام 1897 أرسى العطاء على فلسطين. 

يعزز هذه الفكرة، كما يقول حدادين، ان المنظمة الصهيونية العالمية اهتمت بالمشروع واجرت عليه دراسات جدوى جديدة في العام 1919 ودراسة اخرى في العام 1944 من قبل المهندس اليهودي كلاي رودر الذي اوصى بربط البحر الميت بالبحر الأبيض المتوسط  كما ان المهندس سافيج كرر التوصيات نفسها في العام 1947، في حين قام المهندس الاسرائيلي غور بإحياء المشروع منتصف السبعينيات ومن ثم بدأت الدراسات الاسرائيلية الجادة للمسارات الأصلية والبديلة للمشروع ومنها المسار الجنوبي الذي يمر من غزة بهدف تبريد مفاعل ديمونا النووي في النقب . 

من جهته يؤكد الدكتور سفيان التل المستشار الدولي في شؤون البيئة أن اسرائيل أنهت تصاميم المشروع وبدأت تنفيذه، وكلفته في التقديرات الاولية تصل الى عشرين مليار دولار. ومن الواضح أنها استبدلت المشروع الأساسي بالمشروع الجديد الذي يربط بين الأحمر والميت. ويبدو أن الأردن تبنى المشروع وهويشارك في تسويقه تحت عنوان كبير هو “انقاذ البيئة” خلافاً للمشروع الأساسي (المتوسط – الميت) الذي يدمر البحر الميت. 

ويضيف سفياني ان جميع التأثيرات الفنية التي ورد ذكرها في مشروع المتوسط - الميت والتي تبناها الاردن في الاروقة الدولية والناتجة عن رفع منسوب البحر الميت سوف ترتب تأثيرات سلبية على مشروع الاحمر- الميت ايضا. وهذه التأثيرات هي: اغراق اراض اردنية، غمر منشآت ومواقع سياحية واثرية، اغراق اجزاء من طريق غور الصافي العقبة، اغراق منشآت البوتاس، التأثير سلبا على مشاريع سلطة المصادر الطبيعية، احتمال تزايد النشاط الزلزالي، بالاضافة الى الاضرار البيئية كتحويل البحر الميت الى بحر حي، واختلال التركيز الكيميائي، وانخفاض تركيز الاملاح، واستغلال الصخر الزيتي، والتأثير على المياه الجوفية العذبة شرقي البحر الميت ودفعها بمعدل 484 مليون متر مكعب سنويا الى السطح. 

وبالاضافة الى كل ما سبق سوف يضاف عنصر جديد هو احتمال انفجار القناة، لأسباب طبيعية أو تخريبية، وتسرب المياه المالحة الى المياه الجوفية وتلويثها والقضاء على المياه العذبة والمشاريع الزراعية في وادي عربة والمنطقة.
 وبالاضافة الى الاسباب الفنية هناك مجموعة من الأسباب السياسية التي يمكن تلخيصها كالآتي: 

1- سيتم تنفيذ القناة باعتبار انها مشروع اسرائيلي - اميركي سيقام على ارض اردنية ليخدم السياسة الاميركية في دعم اسرائيل وتوسيع رقعتها على حساب الاردن بالاجتياح السلمي الذي بدأ باتفاقية وادي عربة. 
 2- بعدما اصبحت اسرائيل دولة معترفاً بها من الاردن ستحصل بموجب هذا المشروع وما يترتب عليه من اتفاقيات على حقوق دولية جديدة في الشاطئ الشرقي للبحر الميت ووادي عربة وجباله الشرقية حيث يمر خط المياه وفي خليج العقبة حيث يبدأ ضخ المياه. 
 3- اسرائيل ستكون شريكة في المشروع ولها حصة في المياه المالحة والمحلاة والطاقة المولدة، اي اننا سنجعل جزءا من مصادر المياه والطاقة الاسرائيلية في ارض اردنية. 
 4- سيكون لاسرائيل الحق في ادعاء حماية القناة من “الارهابيين” او اي اعمال تخريبية متوقعة، والتي يمكن ان تصطنعها اسرائيل في اي وقت لتبرير خطة لاحتلال الشاطئ الشرقي للبحر الميت والجبال الشرقية لوادي عربة(كما احتلت الجولان). 
 5- عندما وقعت اتفاقية وادي عربة تسرب الينا ان الاتفاقية تنص على اقامة مطار مشترك في العقبة لخدمة الطرفين، وعلى الطريقة الصهيونية التي تقرض قرص الجبنة بالتدريج، وعلى مهل، لكنها تقرضه كاملا، تحول مطارنا في العقبة الى المطار الذي يخدم اسرائيل واختفت قصة المطار المشترك. 
وما ينطبق على الأردن ينطبق في جزء كبير منه على مصر، بسبب احتمالات تأثير المشروع على الحياة البحرية في منطقة منفذ القناة في البحر الأحمر، وتعزيز القوة الاسرائيلية عن طريق رفد اسرائيل بقدرات مائية إضافية، رغم أنه سوف يؤدي في النهاية الى فقدان البحر الميت هويته البيئية المميزة. 
لكن الأخطار المحتملة لا تزال بعيدة نسبياً لأن مساهمة البنك الدولي في تمويل المشروع اقتصرت حتى الآن على دراسة الجدوى بكلفة بلغت 1.25 مليار دولار، والتنفيذ لم يبدأ بعد. ثم ان هذا التنفيذ، متى بدأ، سوف يستغرق 6 إلى 10 سنين على ثلاث مراحل، والمرحلة الأولى تقضي بمد أنبوب أو أنابيب لنقل المياه من عمق البحر الأحمر الى البحر الميت (1900 مليون متر مكعب) لتعويض المياه المفقودة في الميت. أما الضخ فوق سطح الأرض، الذي يفترض أن تستفيد منه فلسطين المحتلة والأردن، فهو منوط بالمرحلتين الثانية والثالثة. 

مياه النيل
 
نصل الى مياه النيل، وهي بيت القصيد، لأنها تمس مباشرة الأمن القومي المصري ومن أكثر من جانب واحد. وفي الجولة التفاوضية التي عقدت في شرم الشيخ وانتهت يوم الأربعاء من الأسبوع الفائت، كان واضحا أن دول حوض النيل السبع (المنبع) تكتلت ضد مصر والسودان (دولتا المصب)، إذ رفضت المقترحات المصرية - السودانية لاتفاقية التعاون فيما بينهما، خصوصا ثلاثة بنود أصر عليها البلدان تقضي بما يلي: ضرورة قيام دول منابع النيل بإخطار الدولتين مسبقا قبل تنفيذ مشاريع على أعالي النهر قد تؤثر في حصصهما في المياه ــ استمرار العمل بالاتفاقيات السابقة  التي توزع حصص المياه باعتبارها حقوقا تاريخية ــ في حال إنشاء مفوضية لدول حوض النيل، فإن التصويت فيها إما أن يتم بالاجماع وإما بالأغلبية التي يشترط فيها موافقة دولتي المصب. 

ومؤتمر شرم الشيخ كان بمثابة الجولة الثالثة للمناقشات مع دول حوض النيل، الأولى كانت في كينشاسا في الكونغو (ايار/ مايو 2009) والثانية كانت في الإسكندرية (تموز/ يوليو 2009) ــ وحسب البيان الذي أصدرته دول الحوض السبع منفردة فإن لقاء الإسكندرية هو آخر اجتماع لبحث الموضوع، وإذا سارت الأمور على النحو الذي حدده البيان ولم يتدخل الرؤساء لتغيير موقف الوزراء، فإن تلك الدول ستوقع الاتفاقية خلال عام، من  دون أن تشارك فيها مصر أو السودان، وهذه الخطوة إذا تمت فإنها ستكون بمثابة أول شقاق علنى بين دول حوض النيل؛ منبعه ومصبه، والمرة الأولى  التي تتحدى فيها تلك الدول مصر وتتصرف على نحو يفتح الباب لاحتمال المساس مستقبلا بحصتها في المياه، ومن ثم الإضرار بأمنها القومى، كما أن هذا الشقاق سوف يكرس المواجهة بين الدول العربية في القارة والدول الأفريقية غير العربية. 

بكلام آخر، ان مصر تدفع الآن ثمن غيابها عن أفريقيا. هذه المقولة لم يختلف عليها أحد من الخبراء الذين تحدثوا في الموضوع. ذلك أن أفريقيا حين كانت إحدى دوائر الانتماء في المرحلة الناصرية، كان لها شأن مختلف تماما، فقد كان هناك مكتب يعنى بأمرها في رئاسة الجمهورية، تولى المسئولية عنه السيد محمد فايق، إلى جانب المكاتب الأخرى  التي خصصت لمتابعة الشئون العربية والآسيوية والأوروبية، وكانت القاهرة مفتوحة الذراعين لحركات التحرر في مختلف الدول الأفريقية. 

فى حين كانت شركة النصر للتصدير والاستيراد هى غطاء أنشطة المخابرات المصرية في دول القارة إلى جانب أنشطتها الأخرى. كما كانت مدينة البعوث الإسلامية والجامعات المصرية تستقبل باستمرار أعدادا كبيرة من أبناء تلك الدول. وفى التركيز على دول منابع النيل فإن الرئيس عبدالناصر أقام علاقة خاصة مع الإمبراطور هيلاسلاسى وكان يحضر اجتماعاتهما في القاهرة الأنبا كيرلس بطريرك الأقباط الأرثوذكس،  الذي  كانت تتبعه كنيسة الحبشة. لكن هذه الصفحة طويت بمضى الوقت بعد رحيل عبدالناصر، وجرى تفكيك كل الجسور التي تم بناؤها مع مختلف دول القارة. حتى الكنيسة الإثيوبية انفصلت عن الكنيسة المصرية. وتعزز وتعمق التباعد حين جرت محاولة اغتيال الرئيس مبارك أثناء توجهه للمشاركة في القمة الأفريقية في أديس أبابا في العام 1995. وهو العام  الذي  لم تنتكس فيه علاقة مصر بالدول الأفريقية فحسب، ولكن بدا أيضا أن التراجع تحول إلى ما يشبه الخصومة  التي سقطت بمقتضاها أفريقيا من أولويات أجندة السياسة الخارجية المصرية. 

وفي اقتناع العارفين أنه حين كانت مصر تخرج بصورة تدريجية من أفريقيا، كانت إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها من الدول صاحبة المصلحة تزحف على القارة وتثبت أقدامها في أرجائها. ومن المفارقات ذات الدلالة أن مطالبة دون المنبع بإعادة النظر في حصص مياه النيل بدأت في العام 1995، كما سبقت الإشارة. وهو العام  الذي  وقعت فيه محاولة الاعتداء على الرئيس مبارك، وأحدثت ما يشبه القطيعة في العلاقات المصرية الأفريقية، وهو ما تجلى في غياب مصر عن مؤتمرات القمة الأفريقية، الأمر الذي هيأ الفرصة المواتية للآخرين ليس فقط لكي يتمددوا ويتمكنوا، ولكن أيضا لكي يكيدوا لمصر ويسمموا العلاقات معها. 

من الملاحظات المهمة في هذا السياق أن الدول التي تزعمت تلك الدعوة، هي أكثر دول القارة ارتباطا بإسرائيل وانفتاحا عليها (إثيوبيا وكينيا وأوغندا)، وهو ما يعزز الشكوك في دوافع إطلاق ما سمى بالاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض وادي النيل. 

وخلال مفاوضات شرم الشيخ الاخيرة تمسكت مصر والسودان بموقفيهما القائم على 3 محاور رئيسية، الاول ضرورة قيام دول منابع النيل بالإخطار المسبق للدولتين قبل تنفيذ مشاريع في اعالي النهر، بالاضافة الى استمرار العمل بالاتفاقيات القديمة التي تنظم موارد النهر، وبالتالي التمسك بما يعتبر انه «حصتهما التاريخية» في النهر، وان يكون نظام التصويت في حالة اقرار انشاء مفوضية لدول حوض النيل بنظام الاغلبية المشروطة بمشاركة دولتي المصب. 

واسفر استمرار الخلافات داخل الاجتماع الختامي، عن بيان صحفي اصدرته دول منابع النيل السبع من دون الرجوع لمصر والسودان، ذكرت فيه انها في طريقها الى الاعلان عن تبني انشاء مفوضية خاصة من دون القاهرة والخرطوم، يتم الاعلان عنها خلال عام، ويكون دورها الاستفادة من الموارد المائية للنهر. 
وفيما رأت مصر والسودان ان توقيع الدول السبع على اتفاقية منفردة يعكس وجهة نظر هذه الدول فقط، تضمن البيان الصحفي ان اجتماعات شرم الشيخ تعد آخر سلسلة من المفاوضات حول الاتفاقية الاطارية للتعاون منذ بدء اطلاق المفاوضات في العام 1995، وسط تأكيدات الخبراء المشاركين مفادها انه لن تكون هناك مفاوضات اخرى في أديس ابابا في تموز (يوليو) المقبل. 

ماذا يعني هذا كله؟
 
انه يعني ان مصر التي كانت تطمح منذ عام فقط الى زيادة حصتها بـ11 مليار متر مكعب، اصبحت تحارب الآن من اجل بقاء الوضع على ما هو عليه وعدم تضرر حصتها بفعل تزايد احتمالات اقامة دول حوض النيل الـ7 الاخرى- بخلاف السودان- لاتفاقية منفصلة بعيدا عن مصر. ورغم ان مصر تعد من ضمن الدول الفقيرة مائيا في الوقت الحالي، اذ وصل نصيب الفرد من المياه الى 700 متر مكعب، مما يقل عن خط الفقر المائي بـ300 متر مكعب للفرد، الا ان مصر لم تصل بعد الى حد الخطورة الشديدة وان اقتربت بشدة منه. 
وتتوقع الدراسات ان تقل حصة مصر الى 530 مترا مكعبا مع حلول العام 2015، وهو الحد الذي لا يكفي المتطلبات الاساسية لبقاء الانسان، وتكون مصر في حاجة الى 17 مليار متر مكعب اضافية بحلول هذا التاريخ لمواجهة الزيادة السكانية والتوسع المأمول في الرقعة الزراعية، فضلا عن دخول مصر خط الفقر المائي الشديد بحلول العام 2017. 

والمبادرات المصرية كانت دائما تتمحور دائما حول فكرة ان دول حوض النيل تهدر 95% من المياه التي تتاح لها من خلال النهر، لان حوض النيل يسقط عليه سنويا 1660 مليار متر مكعب من المياه، تستفيد دول الحوض بـ5% فقط منها، والباقي يهدر دون ان يستفيد منه احد، مما دفع القاهرة للتركيز الدائم على فكرة اقامة المشاريع التي تعاظم من الاستفادة من مياه نهر النيل وتقلل المهدر منها، خصوصا مع قيام اوغندا واثيوبيا باقامة المساقط المائية وتجفيف المستنقعات. 

ويبرز العديد من العقبات التي تعترض المنهج المصري، لعل ابرزها اقامة دول الحوض مشاريع مائية بالتعاون مع العديد من الدول الاجنبية، ولعل آخرها اقامة اثيوبيا سداً يحجز 9 مليارات متر مكعب سنويا بالتعاون مع الصين، فضلا عن تعاون غالبية تلك الدول مع اسرائيل في المجالات الزراعية والمتعلقة بالري. كما ان بعض دول حوض النيل، مثل اثيوبيا وبوروندي، تسعى الى زيادة استغلالها لمياه النيل، اذ تعتمد تلك الدول على مياه الامطار والآبار بما يحول دون تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة، بما يزيد من رغبتها في زيادة نصيبها من المياه على حساب الحصة المصرية والسودانية. 

وفي مواجهة هذا تستند مصر دائما الى عدم جواز المساس بـ»حصتها التاريخية» في مياه النيل، التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويا، رغم اهمية هذا في المرحلة الماضية فإن هذا الهدف لن يبدو كافيا خلال 10 الى 20 عاماً على الاثكر، بما يحتم على الحكومة المصرية ضرورة البحث عن هدف اكثر طموحا في هذا المجال. 
* جاد بعلبكي