وماذا عن تسليح الشعب الفلسطيني ؟!

وماذا عن تسليح الشعب الفلسطيني ؟!
السبت ٠٣ مارس ٢٠١٢ - ١١:٣١ بتوقيت غرينتش

3/3/2012 فارس عبد الله gazapal2@gmail.com

بغض النظر عن الموقف من الأحداث الجارية في سوريا , ولن نقف كثيراً أمام توصيفها بالثورة أو المؤامرة , لانه وبإعتقادي أن الأمور أصبحت واضحة كقرص الشمس , ولا تحتاج الى مزيد من توضيح أوتفسير أمام كل ذي عقل سليم  .

ولكم المثير للإهتمام أن تتصدر دولة عربية , مشهود لها بالتعبية للمشروع الأمريكي في المنطقة , الدعوة للحرية ودعم التحركات الشعبية , وتمنح لنفسها الحق في تصنيفها من قبيل (ثورة أو فتنة) , ولديها من طوابير رجال الدين من يوصف لها الحالات الشعبية ,  فما يحدث يميناً هو الثورة , ويصف ما يحدث شمالاً بالفتنة , حتى أصبحت بعض الأنظمة العربية الوكيل الحصري والداعم الأساسي لـ " الثورات"  العربية الحديثة .

تلك الأنظمة لها من الرصيد الكافي في الوقوف ضد طلعات شعوبها , نحو الإستقلال والحرية السياسية بكل أساليب القمع والترهيب , بل تمارس العبث بالمقدرات والثروات العربية التى تنهب في كل إتجاه بلا حرص على مسقبل الأجيال , ويغيب أثر تلك الثروات عن عملية التنمية والنهوض , والتى يخلوا منها برامج تلك الانظمة المستبدة , حتى أصبحت أكبر البلاد المصدرة للنفط , من أكبر البلاد أيضا المستوردة  , فلا صناعة ناجحة ولا عقول مبدعة , وتقف تلك الانظمة عاجزة أمام ثورة التصنيع التى شهدها العالم من حولها , بل وضعت تلك الانظمة نفسها في ذيل القافلة في حركة الشعوب  نحو التقدم العلمي .

أعجب من دعوات بعض الزعامات العربية الرسمية , التى تطالب بتسليح المعارضة السورية , بعد قرابة العام من الإحتجاجات ضد النظام السوري , وفشل كل خيارات التدخل العسكري لصالح المعارضة لوجود موزاين قوى لا تسمح به , وبدل أن تستحضر الجامعة العربية  لغة الحوار وجمع المعارضة والنظام على طاولة واحدة , للخروج  بالوطن السوري موحدا ومعافى , من هذه الحركة العنيفة والتى شارك فيها الجميع بلا فرق , نراها تتبنى كل الخيارات التى تقود نحو الهاوية لا الإستقرار والحد من الخسائر ,  لذا ترى العقلاء من المعارضين السوريين أمثال الدكتور خالص الجلبي , يحذر في أكثر من مناسبة من خطورة عسكرة الإحتجاجات الشعبية , ويركز على ضروة الإلتزام بسلميتها حتى ولو إستمرار قمع السلطة لها .

ما أريد ان أعلق عليه في موضوع طلب التسليح , والذي صدر من وزير خارجية المملكة العربية السعودية , ومن وزير خارجية قطر وكذلك من الأمين العام للجامعة العربية , كانت الجرأة فيه كبيرة , والتصريح به غير مسبوق في العلاقات العربية الرسمية , وهو بكل تأكيد ليس من باب الحرص على الشعب السوري , لأن هذا الأمر دعوة صريحة لحرب أهلية لا تبقي ولا تذر, واللافت أن تلك تلك الأنظمة وجامعتها قد جعلت نفسها في حالة عداء من النظام السوري , علماً أن تلك الأنظمة ليس بأحسن حال من النظام السوري ...

وإذا كان هذا الإقتراح العربي الرسمي نابع من حالة عداء , نسأل هنا أليس الجامعة العربية في حالة عداء وحرب مع الكيان الصهيوني , والذي يقتل شعبا عربيا منذ أكثر من 64 عاما , ويسلبه حريته وأرضه ويدنس مقدساته , ويمارسه بحقه كل  جرائم التطهير العرقي  , ويسطو على مقدسات المسلمين ويمارس بحقها التهويد بشكل مفضوح .

فلماذا لا تطالب الجامعة العربية ودولها , بتسليح المقاومة والشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه , في مواجهة هذا العدوان الصهيوني المتواصل , والذي يستهدف وجوده ويعمل على إقتلاعه من أرضه, وهل تستطيع تلك الدول البوح بذلك الطلب أو حتى الإسرار به ؟! , الإجابة بكل تأكيد بــ لا , لأن ذلك خط أحمر لا يمكن لتلك الأنظمة تجاوزه , والإ فإن الادارة الأمريكية تغضب منهم , وقد يقودها الى فتح ملفات لهم حول إنتهاكات حقوق الإنسان وكبت الحريات وقمعها في ممالكهم ودولهم .

 فهل تمارس تلك الدول ومعها الجامعة العربية , الكيل بمكيالين في دعم الشعوب العربية الطامحة " للحرية "  لو إفترضنا أنها تقوم بذلك فعلاً  ؟! فتدعم هناك بالسلاح والأموال والمؤتمرات , وتتخاذل عن فلسطين وأقصاها مع سابق إصرار , وهى ترى الهجمة الشرسة للعدو الصهيوني على قبلة المسلمين الأولى , حيث يدنسها الرعاع الصهاينة ممن تدافع عنهم حليفتهم أمريكا في مجلس الأمن بأكثر من 60 فيتو !! .

لقد مورس بحق قطاع غزة حرباً ضروس , إستخدم فيها العدو الصهيوني السلاح المحرم دوليا والفسفور الأبيض الحارق للأجساد , ولم يتحرك أحد من العرب بدافع من شهامته وغيرته , أو الغرب بدافع من قيمه المزيفة التى تدعي الدفاع عن المظلومين , حيث خيم الصمت على عواصم العرب وقادتها , وإستمر الحصار الظالم على  غزة ولا يزال , وعقدت الإجتماعات العاجلة بعد توقف الحرب العدوانية على غزة , في لندن وشرم الشيخ وشارك فيها العرب الرسميين , فهل كان هدفها معاقبة العدو الصهيوني على حربه وقتل الأطفال ؟ !! أم كانت لدعم الشعب الفلسطيني وسعيه نحو الحرية !! , بل كانت لمنع وصول السلاح لقطاع غزة , ولتنفيذ ذلك بشكل فوري أرسلت "فرنسا" الراعية لبعض المجموعات السورية المسلحة , القطع البحرية الحربية قبالة قطاع غزة , لمنع وصول السلاح حماية للكيان الصهيوني الغاصب والظالم , والذي يمثل حالة عنصرية غير مسبوقة في العالم بأسره .

كل ذلك وغزة ومقاومتها تمارس حقا مشروعا , في الدفاع عن النفس ومقاومة الإحتلال , وهذا الحق كفلته كل المواثيق الدولية وميثاق الأمم المتحدة , فلم يتقدم أحد من أنظمة العرب لمساندتها والوقوف الى جانبها , او المطالبة بمدها بالسلاح لكي تدافع عن شعبها , حتى ان  الجامعة العربية لم تجرأ على كسر الحصار الجائر , بعد شلال الدماء الذي سال في شوارع غزة , ولم يطالب أحد بفتح المسالك الإنسانية لتقديم العون للشعب الفلسطيني , وبقيت المعابر مغلقة والحدود مع غزة مقفلة , ولازالت غزة تعاني من جراء الحرب الصهيونية , ولم تزل بيوتها وشوارعها شاهدة على تلك الحرب البشعة , والتى وقف فيها العرب الرسميين موقف المتفرج , بل والمساندة للخلاص من روح المقاومة , التى تسري في  جسد غزة المنهك من طعنات العدو وبني الجلدة معاً.

ألا تحتاج فلسطين المحتلة والمضطهدة لقرار عربي بتسليح شعبها ومقاومته ؟ , ولماذا يتأخر العرب والمسلمين عن نصرة المسجد الأقصى , الذي يئن تحت معاول التهويد والهدم الصهيونية ؟ ! , وهل يتوقف هذا الأمر على موافقة أمريكية حتى نطالب به ؟! وهل سمع العرب بتصريح أوباما بأن التزامه بأمن " إسرائيل" مهمة مقدسة !! .

ألا يحتاج شعب فلسطين للسلاح , هذا سؤال برسم الأنظمة العربية الرسمية وجامعتها , مع يقيننا المطلق بعجزهم عن الإجابة أو التلبية , لأن الإلتزام بفلسطين أكبر من طاقة تحملهم وصبرهم , ومداها أوسع وأرحب من حدود تفكيرهم التأمري , لأن فلسطين بكل صراحة تحتاج الأمة قاطبة من جاكرتا الى الدار البيضاء , لأن وحدة الأمة هو الطريق نحو الإنتصار , وما يرسم للأمة تحت مسمى " ربيع الهلع والتفتيت " يضع فلسطين في دائرة الإستهداف , فالمشهد الذي لا تكون فيه فلسطين المحتلة واضحة المعالم , هو مشهد مخزي لا نقترب منه ولا نتقارب معه .

أمنياتي للشعب السوري الشقيق بالإستقرار والوحدة في الوطن الجميل , وأن ينال كافة حقوقه السياسية والإجتماعية بعيداً عن نار الفتن والحروب الأهلية .

كاتب وباحث فلسطيني


 

كلمات دليلية :