ينبغي الحديث عن النكبة الآن

ينبغي الحديث عن النكبة الآن
الخميس ٢٤ مايو ٢٠١٢ - ٠٣:٣١ بتوقيت غرينتش

من الامور المشهورة ان نهضة الشعب اليهودي القومية صاحبها الخراب القومي للشعب الفلسطيني. هذا الى ان تحول يهود ارض "اسرائيل" بعد المحرقة من أقلية غير كبيرة الى أكثرية حاكمة غالبة كان في نظر الشعب اليهودي معجزة غير متوقعة، ومن المؤكد أنه لم يتم التخطيط له مسبقا، وكان تحول الشعب الفلسطيني بين عشية وضحاها من أكثرية غالبة الى أقلية ولاجىء في وطنه وخارجه بمنزلة كارثة غير متوقعة. ويبدو انه لا توجد شعوب كثيرة في العالم كانت تستطيع ان تنعش نفسها من هذه الصدمة سريعا أو تُسلم بآثارها تسليما سهلا.

وها هم هؤلاء الفلسطينيون من مواطني اسرائيل في العقد السابع لخرابهم القومي يريدون تذكر ذكرى خرابهم في الفضاء العام للدولة الصهيونية. وهذه بالمعنى العميق للاشياء علامة واضحة على التسليم لنتائج النكبة. لأن طلاب الجامعات العرب حينما يأتون لتذكر يوم النكبة في جامعة عامة اسرائيلية تقع في حي رمات أفيف يُسلمون وإن لم يكن ذلك عن علم لتحول الشيخ مؤنس الى رمات أفيف.
فالحديث اذا عن بدء خطاب يختلف تمام الاختلاف عن خطاب حق العودة: ان مراسم ذكرى القرى التي مُحيت والعائلات التي اقتُلعت والتي يقوم بها مواطنو الدولة التي كان انشاؤها مصحوبا بمحو تلك القرى واقتلاع تلك العائلات، وإن صعب على أبناء الجيل الشاب من مواطني اسرائيل الفلسطينيين الاعتراف بذلك علنا، فيها شيء من تخليد حقيقة المحو والاقتلاع، أي الاعتراف بعدم القدرة على رد الخراب ونتائجه. وهذا مثلا هو معنى المقارنة التي أجراها عضو الكنيست احمد الطيبي بين مراسم يوم النكبة وتذكر كارثة سكان استراليا القدماء والهنود الحمر في كندا الذين لا يسعون الى جعل استراليا دولة للأبروجينيين ولا جعل كندا دولة هندية، لكنها تُصادق على وجود استراليا وكندا على أنقاض الماضيين الأبروجيني والهندي.
يمكن لذلك في ظاهر الامر ان نندهش من معارضة وزير التربية جدعون ساعر اقامة مراسم يوم النكبة في جامعة تل ابيب ومجرد وجود 'قانون النكبة' ايضا الذي لا يُمكّن مؤسسات الدولة من تأييد اقامة مراسم تذكر يوم النكبة. في حين ان أحد كوابيس يهود اسرائيليين كثيرين هو العودة الجماعية للاجئين الفلسطينيين مع مفاتيح بيوتهم في أيديهم، فان جعل مراسم يوم النكبة شيئا مؤسسيا في اسرائيل كان سيحول مفتاح البيت الفلسطيني من 1948 من رمز مهدد الى شيء متحفي.
لكن في ضوء السياسة الاسرائيلية المتعاقبة في الماضي والحاضر، ينبغي ان نعترف ان جدعون ساعر في انقضاضه على من أقاموا المراسم في جامعة تل ابيب فيه شيء من المنطق واستقامة داخلية ملحوظة. لأن اسرائيل طوال سني وجودها وعلى عهد الحكومة الحالية بصورة سافرة، غير مستعدة للاكتفاء بالخراب القومي الفلسطيني في سنة 1948 بل تتوسع بسلب اراض فلسطينية خاصة وتوسيع مشروع الاستيطان وتأبيد واقع اللجوء في الضفة وغزة وتزيد بذلك أبعاد النكبة كل يوم. وهكذا في حين يلاحظ بين مواطني اسرائيل الفلسطينيين استعداد حذر لجعل النكبة من ذكرى الماضي الفلسطيني، يلاحظ عند القيادة الاسرائيلية تصميم لا يكل على إبقاء النكبة واقعا حيا قائما.

دمتري شومسكي

هآرتس

23/5/2012

تصنيف :
كلمات دليلية :