في ذكرى رحيل كوثر الرسالة فاطمة الزهراء (ع)

في ذكرى رحيل كوثر الرسالة فاطمة الزهراء (ع)
السبت ١٣ أبريل ٢٠١٣ - ٠٣:١١ بتوقيت غرينتش

الزهراء فاطمة هي بنت محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله سلم، وخديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

الزهراء فاطمة ابنة أعظم نبيَ وزوجة اوَل إمام وبطل، وأم أينع بزغتين في تأريخ الإمامة، إنها الوجه المشرق الوضَاء للرسالة الخاتمة، وإنها سيَدة نساء العالمين، وهي الوعاء الطاهر للسلالة الزكية والمنبت الطيَب لعترة رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين.

لقد اقترن تأريخها بتأريخ الرسالة، إذ ولدت قبل الهجرة بثمان سنوات ورحلت بعد الرسول الاكرم (ص) بعدَة اشهر. وقد أشاد الرسول الكريم بعظيم منزلة الزهراء الطاهرة، وبما بلغته من موقع رياديَ في خط الرسالة محتذيا خُطى القرآن المجيد، فيما صرح به من فضائل ومكرمات لاهل بيت الوحي (ع) بشكل عام وللزهراء (ع) بشكل خاص.              

ولقد مدح الله تعالى في محكم كتابه الكريم اُناسا خلَدهم بآيات أناء الليل واطراف النهار، إكبارا لمواقفهم ولتفانيهم في سبيل الحقَ. وممن خصهم الله تعالى بالذكر الجلي واشاد بمواقفهم وفضائلهم أهل بيت النبي(ص) وقد روى المؤرخون والمفسرون نزول آيات كثيرة في مدحهم كم خصَهم بالثناء في سور شتى تقديرا لسلوكهم الرسالي واعترافا بحسن سمتهم ودعوة للاقتداء بهم. ويستطيع من يشاء ان يقف على هذا الامر ان يقرأ كتب التفاسير للقرآن الكريم ويراجع اسباب نزول الايات التالية ( سورة الكوثر وسورة الدهر وآية التطهير وآية المباهلة بالاضافة الى الايآت التي نزلت عن اجر الرسالة المحمدية و... ) ليقف على حقيقة منزلة اهل البيت عليهم السلام وفاطمة سيدة نساء العالمين سلام الله عليها.

كما تواترت شهادات عدة في كتب الحديث والسيرة عن رسول الله محمد (ص) الذي لاينطق عن الهوى ولايتأثر بنسب او سبب ولاتاخذه في الله لومة لائم. كما ان هناك احاديث كثيرة عن ائمة اهل بيت الوحي في حق جدتهم الطاهرة سلام الله عليها، وبيان منزلتها العظيمة عند الله تعالى.. وحقا انها اوسمة من خاتم الرسل ومن الائمة الاطهار على صدر سيدة النساء البتول تزداد تألقا كلما مر الزمن ولكما تطورت المجتمعات.

لقد حازت فاطمة الزهراء (ع) على كمال العقل وجمال الروح وطيب الصفاء وكرم الاخلاق، وعاشت في جو شعت عليه وامتدَت به وعبَرت عنه فكرا وعملا وغدت خطا في الرسالة التي انطلقت ثورة، فكانت هي ركنا من اركانها التي لايمكن فهم تاريخ الرسالة من دون فهم تاريخها. وقد مثلت الزهراء عليها السلام أشرف مافي المرأة من انسانية وصيانة وكرامة وقداسة ورعاية وعناية، وكفاها فخرا انها تربت في مدرسة النبوة وتخرجت من معهد الرسالة وتلقت عن ابيها الرسول الامين(ص) ماتلقاه عن رب العالمين.

ولقد سمعت القرآن الكريم من النبي المصطفى وسمعته من علي المرتضى، ونشأت نشأة ايمان وفاء واخلاص وزهد، انها سليلة شرف لامنازع لها فيه من واحدة من بنات حواء، لقد نشأت الزهراء وهي تحذو حذو ابيها في كل كمال، حتى قالت عنها عائشة: "ما رأيت أحدا من خلق الله أشبه حديثا وكلاما برسول الله (ص) من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه اخذ بيدها فقبلها ورحَب بها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت اليه ورحَبت به وأخذت بيده فقبلها"- اهل البيت لتوفيق او علم.

لقد شاركت الزهراء أباها وبعلها علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم، في احرج اللحظات وفي انواع الازمات فنصرت الاسلام بجهودها وجهادها وبيانها وتربيتها لاهل بيت الرسالة الذين استودعهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مهمة نصرة الاسلام بعد رحيلة، فكانت اول اهل بيته لحوقا به بعد جهاد مرير توزَع  في سوح الجهاد مع المشركين والقضاء على خطط ومؤامرات المنافقين، وتجلى في تثقيف نساء المسلمين كما تجلى في الوقوف امام المنحرفين، فكانت بحق رمز البطولة والجهاد والصبر والشهادة والتضحية والايثار حيت فاقت في كل هذه المعاني سادات الاولين والآخرين في اقصر فترة زمنية يمكن ان يقطعها الانسان نحو قمم الكمال الراسية.

وكان رحيل الزهراء سلام الله عليها في السنة الحادية عشرة من الهجرة لان الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم حجَ حجَة الوداع في السنة العاشرة ورحيل في أوائل السنة الحادية عشرة، واتفق المؤرخون على ان السيدة فاطمة الزهراء (ع) قد عاشت بعد ابيها اقل من سنه علما انها كانت في ريعان شبابها كما كانت في اتم الصحة في حياة ابيها، نعم واختلفوا في يوم وشهر وفاتها سلام الله عليها.  

وروي ان عليا عليه السلام حين انزل فاطمة في مضجعها هاجت به الاحزان وازدحمت في نفسه الهموم وعظم عليه الفراق وکبر عليه الموقف، فحوَل وجهه الی قبر رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ليبثه الشکوی معبرا عما في نفسه من حبَ  لها ووفاء لابيها رسول الله (ص) وحزن لفراقها ولوعة مما جری عليه وعليها

وقد قال الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: لمّا قبضت فاطمة ( عليها السلام ) دفنها امير المؤمنين عليه السلام سرّاً، وعفى على موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ثمّ قال:

(السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسّي لي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري. بلى، وفي كتاب الله لي أنعم القبول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأُخذت الرهينة، واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء.

يا رسول الله، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهمّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيّح، وهمّ مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبّئك ابنتك بتظافر أُمّتك على هضمها، فاحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله، وهو خير الحاكمين.

والسلام عليكما سلام مودّع، لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، واهاً واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.

فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، ويمنع إرثها، ولم يتباعد العهد، ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يارسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان) - بحار الانوار.

وهكذا طوت الزهراء فاطمة سلام الله عليها صفحة الحياة لتبدأ مرحلة الخلود في عالم الفردوس ولتحيا ابدا في ضمير التاريخ ودنيا الاسلام مثلا اعلی وقدوة حسنة شامخة تتطلع اليها الانظار وتسمو في رحابها النفوس.    

تصنيف :