مصر: سباق بين الحلول الأمنية والسياسية

مصر: سباق بين الحلول الأمنية والسياسية
الإثنين ٢٩ يوليو ٢٠١٣ - ٠٧:٠٤ بتوقيت غرينتش

بدت ثورة مصر، خلال اليومين الماضيين، كمن يسير في حقل ألغام سياسية وأمنية، في ظل رفض الإخوان المسلمين الانخراط في خريطة الطريق لمرحلة ما بعد محمد مرسي، ما انعكس أعمال عنف في الشارع أودت بحياة العشرات، من دون أن تتضح بعد الأهداف التي تسعى الجماعة لتحقيقها من خلال هذا التصعيد.

 في ظل التصريحات المعلنة من قبل قياداتها بضرورة عودة الرئيس المعزول، وهو العنوان العريض لـ«المبادرة» التي جرى طرحها من قبل أحد المقرّبين منهم وقوبلت بترحيب من قبل «حزب النور» السلفي، ووسط تقديرات بأنّ النظام «الإخواني» السابق يسعى لتحسين شروط التفاوض.
ومن غير الواضح كذلك، الطريقة التي سيتعامل بها «العهد الجديد» إزاء استمرار اعتصام مؤيدي مرسي أمام مسجد رابعة العدوية في مدينة نصر وميدان النهضة في الجيزة، والتجاوزات التي ترافقها، ومن بينها قطع الطرق والاعتداء على المواطنين، بين تأكيد مجلس الدفاع المصري على ضرورة فض الاعتصامات، مدفوعاً بـ«التفويض» الذي منحه الشعب المصري للجيش المصري بالتعامل مع «الإرهاب»، وبين تأكيد رئاسة الجمهورية على ضرورة المضي قدماً بـ«المصالحة الوطنية». حواجز اقامها مؤيدو «الإخوان» على طريق النصر في القاهرة، (ا ف ب).
أما الوفد الحقوقي، الذي زار مرسي للإطمئنان على أوضاعه الصحية والإنسانية بعد حبسه احتياطياً في قضية «التخابر»، فلم يسمع من خلف الباب الذي اعتصم فيه المعزول سوى عبارة «أنا الرئيس الشرعي»، ما يوحي بأنه لم يدرك بعد تطورات الاحداث، وما زال موقفه متحجراً في اللحظة السابقة على انقطاع الاتصال بينه وبين مكتب الإرشاد في الثالث من تموز الماضي.
وأما القيادات الوسطية في «الإخوان»، التي تحوّلت إلى ما يشبه «مجلس حرب» في ميدان رابعة العدوية، فبذلت جهدها يوم أمس لاستثمار «مذبحة المنصة»، التي أودت بحياة 75 متظاهراً «إخوانياً» (200 بحسب ما تقول الجماعة)، في اشتباكات عنيفة شهدها طريق النصر فجر أمس الأول، وما زالت ملابساتها غير معروفة، في ظل تبادل الاتهامات بشأنها بين وزارة الداخلية ومؤيدي الرئيس المعزول.
وسعى «الإخوان» لاستثمار المذبحة إلى أقصى حد، معتبرين أنها تشكل «نهاية شرعية النظام الانتقالي». وذهب القيادي «الإخواني» محمد البلتاجي إلى القول «بأننا في معركة استرداد أمة سرقت منذ 200 عام»، شاحناً الآلاف في رابعة العدوية بالقول: «الشهداء يطلون علينا من السماء السابعة... ويحملون رسائل من الله إليكم... انكم في الجنة».
وبدا ان توزيع «صكوك الجنة» هي الورقة الأخيرة في إطار تحويل الاعتصام الى «حرب أهلية» كاملة، لها ملمحها الطائفي (الهجوم على الكنائس في بورسعيد والمنيا)، والعسكري (حيث بنيت ستة اسوار حول الاعتصام)، للوصول الى صناعة «كارثة كبرى» لأن فض الاعتصام بالقوة لن يتم إلا بالمدرعات.. وربما الطوافات الحربية.
ومن ناحية اخرى، تتوالى مبادرات الحلول السياسية «التوفيقية» خلف تسارع إيقاعات المواجهات في الشوارع بين جماعة الإخوان المسلمين المصّرة على إنكار الواقع، وبين مواطنين يبدو أن معظمهم قد «ملّ» من ارتهان معاشهم اليومي للصراع السياسي، فيما تقاوم قوى سياسية ثنائية الإخوان ــ النظام الأمني، وتحاول التذكير بأنّ جوهر «ثورة 25 يناير» هو الحرية وحقوق الإنسان، في حين تعزز قوى «العهد الجديد» ترابطها بالمضي في «خريطة الطريق»، ومحاولة إبداع وسائل «غير عنيفة» لفض اعتصامات مؤيدي الرئيس المعزول، أو على الأقل وقف تمددها خارج مناطق الاعتصام.
ومن بين المبادرات السياسية، التي طرحت خلال اليومين الماضيين، مبادرة قدّمتها مجموعة من الشخصيات ذات التوجه «الإسلامي» برئاسة سليم العوا، وقد تضمنت اعتبار «الرئيس» معزولا، بشرط أن يفوض «الرئيس» كل اختصاصاته الدستورية لرئيس وزراء تتوافق على تسميته القوى السياسية المختلفة، على أن يعاد العمل بالدستور المعطل، وأن تجري الانتخابات البرلمانية خلال شهرين، تعقبها انتخابات رئاسية، ثم أخيراً يتم وعبر البرلمان المنتخب إقرار مشروع تعديلات على الدستور.
ورداً على سؤال بشأن موقف رئاسة الجمهورية من مبادرة سليم العوا، قال المستشار الرئاسي مصطفى حجازي «إننا نرحب بكل المبادرات الوطنية الحريصة على تحقيق سلم المجتمع، ولكن هذه المبادرات، مهما كانت من أي من الشخصيات الوطنية التي نقدرها، يجب ألا تتجاوز الواقع الجديد الذي تشكل في ٣٠ حزيران».
أما جماعة «الإخوان المسلمين» فقالت إنها لم تتوصل بعد إلى قرار في ما يتعلق بمبادرة العوا، مشيرة إلى أنها «تستمع إلى كل ما هو مطروح على الساحة من دون إبداء الرأي فيه إلا بعد النظر والمشورة مع كافة أطراف التحالف (المؤيد لمرسي)، وهو ما لم ننته منه حتى الآن من أجل ضمان إسقاط الانقلاب العسكري».
ومن غير المعروف بعد ما إذا كانت الزيارة المفاجئة التي حملت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إلى القاهرة، مساء أمس، تصب في إطار مسعى أوروبي لتحريك المفاوضات بين العهد القديم والعهد الجديد. ومعلوم أن آشتون قامت قبل أسبوعين بزيارة للقاهرة، كشف النقاب خلالها، عن وساطة قام بها الأوروبيون قبل أشهر لحل الأزمة السياسية، وقوبلت وقتها برفض من قبل مرسي وجماعته.
ونقلت وكالة «انباء الشرق الاوسط» عن مصادر ديبلوماسية ان آشتون ستلتقي المسؤولين المصريين وممثلين عن «الاخوان المسلمين». لكن المستشار الرئاسي مصطفى حجازي نفى أن تكون آشتون في مهمة وساطة بين السلطات والاسلاميين.
وعلى الجانب الآخر، وفي محاولة الدولة لتجسيد «تفويض» القوات المسلحة، أصدر الرئيس المؤقت عدلي منصور قراراً جمهورياً بمنح رئيس مجلس الوزراء حازم الببلاوي، صلاحياته في ثلاث مواد من قانون الطوارئ، تتيح إحداها للقوات المسلحة إصدار أوامر ضمن ما يسمى بـ«الضبطية القضائية».
وحذر مجلس الدفاع الوطني المصري، في بيان صدر مساء أمس، من انه سيتخذ «إجراءات حاسمة وحازمة» اذا تجاوز مؤيدو الرئيس المعزول «حقوقهم في التعبير السلمي عن الرأي».
وقال المجلس إنه «سيراقب بكل دقة» تطورات الاعتصامين والممارسات الصادرة عنهما، معرباً عن «قلق بالغ لتجاوز هذين الاعتصامين اعتبارات أساسية للأمن القومي المصري».

*المصدر: السفير