في ذكرى ميلاد عالم آل محمد (ص)

في ذكرى ميلاد عالم آل محمد (ص)
الإثنين ١٦ سبتمبر ٢٠١٣ - ١٢:٤٠ بتوقيت غرينتش

الامام الرضا عليه السلام، هو ثامن الائمة الاثنی عشر الذين نص عليهم النبي الاکرم صلی الله عليه واله وسلم وهو: علي بن موسی، بن جعفر، بن محمد، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين.

وکانت اشراقة مولده القدسية  11 ذي القعدة سنه 148 للهجرة النبوية الشريفة، اي نفس السنة التي استشهد فيها جده الامام الصادق عليه السلام علی قول اکثر العلماء والمؤرخين. وکان خير اهل الارض واعلمهم واعبدهم واتقاهم.
عاصر الامام علي بن موسی الرضا عليه السلام عهد الخليفة العباسة هارون الرشيد عشر سنوات ثم ابنه الامين ثم المامون وقد اتسمت تلك الفترة بالقسوة والظلم والارهاب وممارسة اشرس انواع التنکيل والتعذيب والقتل بحق ابناء أهل البيت عليه السلام.
عاش الامام الرضا (ع) المرحلة الصعبة التي مر بها والده الامام الکاظم (ع)، ولما استشهد ابوه عليه السلام وانتهت الامامة اليه، فقد جاء، ان الرشيد قال ليحيی بن خالد البرمکي، حين حرضه الاخير علی الامام الرضا (ع): (يکفينا ماصنعاه بأبيه).
ومع ذلك فان الامام الرضا (ع) لم يکن ليحيی بعيدا عن الصراع العلوي مع العباسيين دون ان يصيبه الاذی وتحل به الکروب والمحن.
وبرز الامام الرضا (ع) علی مسرح الحياة السياسية الاسلامية کألمع سياسي عرفه التاريخ الاسلامي في عصره.
ان تردي الاوضاع السياسية قد انعکس علی طبقات الامة کافة، فلم يسلم منه احد سواء العامة والجمهور او قادة الرأي وأقطاب المجتمع والعلماء، لذا کان الرأي العام قد اتجه بشکل قوي نحو اهل البيت عليهم السلام، حيث ان قادة اهل البيت وائمتهم أمثال الصادق والکاظم والرضا عليهم السلام کانوا هم المفزع للامة وملجأ الاستغاثة. وقد اشتد هذا الميل لاهل البيت والتعاطف معهم وبلغ شانه ايام الامام علي بن موسی الرضا عليه السلام فکانت الثورات العلوية تتفجر وجماهير الامة وبعض الوزراء يميلون لاهل البيت، والدولة العباسية تمر بمرحلة صراع داخلي حاد بين الامين والمأمون، وشخصية الامام الرضا(ع) تقوی وتترکز باعتباره الامام من اهل البيت والانظار تتجه نحوه والقلوب تهفو اليه.
بعد ان انتصر المأمون علی اخيه الامين وتسلم السلطة واجه ثورات متتالية قادها العلويون، فالسياسة العباسية وظروف المطاردة والاضطهاد کانت تدفعهم الی التحرك المسلح واعلان الثورة والدفاع عن الحق بقوة. وکان المامون يحمل نفس الرأي الذي يحمله آباؤه عن ائمة اهل البيت عليهم السلام، فقد عاش المأمون وضعا مضطربا، عاش صراعا مريرا بينه وبين اخيه الامين وعاش ثورات وانتفاضات علوية في طول البلاد وعرضها.
لم يجد المأمون من المناسب استعمال العنف والتصدي للامام الرضا عليه السلام بنفس الوسائل التي تصدی بها الرشيد للامام موسی الکاظم عليه السلام، فقد انتهی الی نتيجة سياسية لم يجد مناصا منها، وهي مهادنة العلويين والاعتراف لهم بحق الولاية لامتصاص النقمة واقناع الراي العام بالاعتدال وکسب الانصار.
فأخترع المأمون مشروعا سياسيا لتطويق الامام الرضا عليه السلام وهو المبايعة له بالخلافة وولاية العهد من بعد المأمون باعتباره الامام من اهل بيت النبوة عليهم السلام والقائد البارز والسيد العالم في عصره.
ونستطيع ان نوجز اهداف المامون وما کان يتوخاه من اخذ البيعة للرضا عليه السلام وولاية العهد بعد علی النحو التالي:
الهدف الاول: ان يأمن الخطر الذي کان يهدده من قبل تلك الشخصية الفذة، شخصية الامام الرضا عليه السلام الذي کانت کتبه تنفذ في المشرق والمغرب.
الهدف الثاني: ان يجعل هذه الشخصية تحت المراقبة الدقيقة والواعية من قرب من الداخل والخارج ليمهد الطريق من ثم القضاء عليه، ولهذا زوجه ابنته ليجعل عليه رقيبا داخليا موثوقا عنده هو.
ولم يکتف بذلك بل وضع علی الامام الرضا عليه السلام عيونا آخرين يخبرونه بکل حرکة من حرکاته وکل تصرف من تصرفاته ..
الهدف الثالث: ان يجعل الامام (ع) قريبا منه ليتمکن من عزله عن الحياة الاجتماعية وابعاده عن الناس، وابعاد الناس عنه، حتی لايؤثر عليهم بما يمتلکه من قوة الشخصية وبما منحه الله اياه من العلم والعقل والحکمة، ويريد ان يحد من ذلك النفوذ له الذي کان يتزايد باستمرار سواء في خراسان او في غيرها .. انه کان يريد عزل الامام عن شيعته ومواليه وقطع صلاتهم به وليقطع بذلك آمالهم ويشتت شملهم ويمنع الامام من ان يصدر اليهم من اوامره وماقد يکون له اثر کبير علی مستقبل المامون وخلافته. وبذلك يکون ايضا قد مهد الطريق للقضاء علی الامام الرضا عليه السلام نهائيا، والتخلص منه بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب ..
الهدف الرابع: إن المأمون في نفس الوقت الذي يريد فيه ان يتخذ من الامام درعا يتقي به سخط الناس علی بني العباس من نقمة الجمهور والشارع، ويريد ايضا ان يستغل عاطفة الناس ومحبتهم لاهل البيت - والتي زادت ونمت بعد الحالة التي خلفتها الحرب بينه وبين اخيه الامين -ويوظف ذلك في صالحه هو وصالح الحکم العباسي بشکل عام وان يحصل علی قاعدة شعبية واسعة وقوية.
الهدف الخامس: ان المامون کان يريد ان يقوي من دعائم حکمه حيث قد اصبح الحکم يمتلك شخصية تعنو لها الجباه بالرضا والتسليم.
الهدف السادس: ولعل من الاهمية بمکان بالنسبة اليه، ان يکون في تلك الفترة المليئة بالقلاقل والثورات قد اتی الامة بمفاجئة مثيرة، من شانها ان تصرف انظار الناس عن حقيقة مايجري حولهم ما يحدث وعن واقع المشاکل التي کان يعاني الحکم والامة منها وما اکثرها، کما هو متبع في الوقت الحاضرعلی مستوی السياسات العالمية.
الهدف السابع: اراد المأمون ان يخدع الناس بانه يريد الخير للامة من خطوته هذه، وان قتل اخاه لم يکن من اجل الحکم والرئاسة بقدر ماکان من اجل خير المسلمين والمصلحة العامة.
الهدف الثامن: لقد کان من نتائج اختياره الامام والبيعة له بولاية العهد - التي کان يتوقعها- ان اخمد ثورات العلويين في جميع الولايات والامصار.
الهدف التاسع: کما انه ببيعته للامام الرضا عليه السلام بولاية العهد، وقبول الامام (ع) بذلك .. يکون قد حصل علی اعتراف من العلويين علی اعلی مستوی بشرعية الخلافة العباسية.
الهدف العاشر: يضاف الی ذلك، انه يکون قد حصل علی اعتراف ضمني من الامام الرضا عليه السلام بشرعية تصرفاته طيلة فترة ولاية العهد وليعطي للناس - من ثم - الصورة التي يريدها عن الحکم والحاکم وليؤکد للملأ اجمع ان الحاکم هذا هو سلوکه وهذه هي تصرفاته من کان ومهما کان، واذن فليس لهم بعد حق في ان يتطلعوا الی حکومة احد علی ان بها شيئا جديدا ولا ان ينظروا الی جهة علی انها يمکن ان يکون بها المنقذ لهم والمخرج من الظلمات الی النور حتی ولو کانت تلك الجهة هي آل بيت نبيهم وان يکون سکوت الامام عليه السلام في فترة ولاية العهد عن تصرفات الهيئة الحاکمة دالا علی رضاه بها ويعتبر امضاء لها.
الهدف الحادي عشر: هذا ...وبعد ان يکون المأمون قد حصل علی کل قدمناه وحقن دماء العباسيين واستوثقت له الممالك ولم يعد هناك مايعکر صفو حياته وقوي مرکزه وارتفع من الحضيض المهين الذي اوصله اليه اسلافه الی اوج العظمة والتمکن والمجد .. ولتفرغ الی تنفيذ الجزء الثاني من مخططه الارهابي وهو الاهم الا وهو القضاء نهائيا علی الامام علي بن موسی الرضا عليه السلام.
وکان الامام الرضا عليه السلام يدرك الخطة السياسية للمامون واهدافه غير المعلنة، فرفض ماعرضه المأمون عدة مرات إلا انه اضطر لقبوله بعد أن هدده المأمون بشکل صريح وواضح بالقتل.
وکان الامام عليه السلام يعرف ماتؤول اليه الامور وينتهي اليه تفکير المأمون واوضح ذلك لخاصته. واضطر الامام عليه السلام تحت التهديد لقبول البيعة، ولکي لايتحمل شيئا من تبعات الحکم فانه اشترط القبول الرمزي دون التدخل في شيء .. او حتی تحمل اية مسؤولية في الدولة.
وحين قبل الامام الرضا عليه السلام ولاية العهد راح المامون يعلن هذا النبأ العظيم وينشره في ارجاء البلاد الاسلامية ودعا الناس الی بيعة الامام. وحين تمت البيعة واعلنت علی الناس في مجلس حافل طلب المأمون من الامام الرضا عليه السلام ان يخطب بالناس، فقام الامام وتحدث بکلمات وجيزة بليغة جامعة تحمل في طياتها طبيعة موقف الامام الرضا عليه السلام وعدم تجاوبه مع السلطة ان انسجامه معها فقد قال:
(بعد حمد الله والثناء عليه، إن عليکم حقا برسول الله صلی الله عليه واله وسلم ولکم علينا حق به، فاذا اديتم ذلك وجب علينا الحق لکم).  في رحاب اهل البيت (ع) السد محسن الامين /  ج2 / القسم الثاني.
ان خطبة الامام عليه السلام خير دليل علی موقفه وعدم قناعته بمستقبل البيعة لذا اورد في خطبته إشارة دقيقة: (فاذا اديتم ذلك وجب علينا الحق لکم).
وذکر الشيخ المفيد عن المدائني: (لما جلس الامام الرضا علي بن موسی عليه السلام في الخلع بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الالوية علی راسه فذکر عن بعض من حضر ممن کان يختص بالرضا عليه السلام انه قال: کنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر الي وانا مستبشر بما جری فأوما الی ان ادن، فدنوت منه فقال لي من حيث لايسمعه غيري لاتشغل قلبك بهذا الامر ولاتستبشر له فأنه شيء لايتم). الشيخ المفيد الارشاد.
فالمأمون ليس ذلك الشخص الذي کان زاهدا في الملك والسلطة، فقد قتل اخاه الامين من اجلها وقتل من خدموه وخدموا سلطة ابيه الرشيد امثال طاهر بن الحسين والفضل بن سهل واخرين ممن ساهموا في تنفيذ خطط المأمون وتثبيت دعائم وقواعد سلطته.
فکان طبيعيا ان يلقي الامام الرضا عليه السلام مثل هذه المعاملة وهو من اکثر الناس خطرا واشدهم فاعلية في مجری حوادث المرحلة السياسية التي عاشها يضاف الی ذلك ماکان للصراع والوشايات والوقيعة التي کانت تمارسها الحواشي وضغوط رجالات بني العباس ضد اهل البيت عليهم السلام.
لذلك فان التاريخ يحدثنا ان المأمون قد دسم السم الی بعض طعام الامام الرضا عليه السلام (في عنب او رمان) فاغتاله.
هذا واسفرت مدرسة الامام الرضا عليه السلام العلمية عن تخرج کوکبة من العلماء الذين کان عددهم يناهز الثلاثمائة.
وقد مدحه أبو نؤاس - الشاعر المشهور- الذي ترك مدحه إعظاما له، وقد أجاد فيما قال، حين عوتب علی عدم مدحه الامام الرضا عيله السلام بعد توليته لولاية العهد مجيبا:
قيل لي أنت أوحد الناس طرا   *** في فنون من المقال النبيه
لك من جوهر الکلام نظام   ***   يثمر الدر في يدي مجتنية
فلماذا ترکت مدح ابن موسی ***  والخصال التي تجمَعن فيه
قلت: لا أهتدي لمدح إمام  ***    کان جبريل خادما لأبيه
واخيرا .. قال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: ستدفن بضعة مني بارض خراسان مازارها مکروب إلا نفس الله کربته ولامذنب إلا غفر الله ذنوبه ..فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيَا .