ايران والغرب

ايران والغرب
الجمعة ٠٨ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٥٠ بتوقيت غرينتش

بدا للوهلة الأولى أن الملاطفة الاميركية للإيرانيين تعود الى انسداد الوضع السوري وفشل الأميركي وحلفائه بتحقيق نصر كان قد أعلن عدة مرات في السابق. وجد الغرب نفسه ولا سيما بعد الإتفاق الكيميائي مع السوريين والروس في وضع يجبره بمعنى ما أن ينفتح على الدورالناشط الذي تقوم به الدولة الايرانية هناك من خلال أكثر من طريق.

لكن من يتطلع الى الدراسات التي تنشر في الغرب يقع على أسباب متعددة أخرى غير الحرب المستعرة في سوريا. فالنزاع بين الطرفين تمحور شكلاً حول الموضوع النووي في إيران وإن يكن الجميع يعرف ان هذا الموضوع لا يشكل إلا الظاهر من جبل الجليد. فأبعد من النووي هناك الصراع على النفوذ في الإقليم من دون أي شك. الى ذلك يضاف حتماً مسألة المثال والمثل التي استعملها الغرب طيلة عقود لكي يمنع نجاح أي دولة من التحرر مخافة أن تصبح سابقة تشجع دولاً أخرى في المنطقة أو في العالم.

سابقة التحرر من السطوة الغربية، ولا سيما في هذه المنطقة، مسألة لم يكن الغرب ليسمح بها لو لم يصل وضعه اليوم الى هذه الدرجة من التأزم الإقتصادي وصعود دول المنافسة في العالم.

التقارب بين الغرب وبين إيران صار ضرورة موضوعية للطرفين على ما يظهر إنطلاقا من صعوبات كلا منهما في تجاوز أزماته ومتابعة النزال العنفي. فغني عن البيان حاجة الولايات المتحدة الى استقرار العلاقة مع طهران لا سيما بعد انسحابها من العراق وقرب انسحابها من إفغانستان. بالمقابل فإن حاجة الإيراني لحل المسألة النووية بالتفاهم مع الغرب يعينه اليوم، في ظل أزمة اقتصادية ومالية حادة ناتجة عن سياسة الحصار والعقوبات، على تنمية اقتصاده وتعزيز قوته ونفوذه الإقليمي. ورب نافعة إيرانية غير ضارة أيضاً بالنسبة للأوروبيين الذين يتوقعون منافع اقتصادية متعددة من انفراج الأزمة النووية.

من المؤكد أولا أن سياسة الحصار الاقتصادي التي فرضها الغرب على طهران لم تستطع بالرغم من آثارها السلبية الأكيدة على الإقتصاد الوطني والمالية العامة لم تستطع أن تمنع النووي الإيراني من التطور على مختلف الأصعدة. فمع بداية سياسة تطبيق العقوبات في عان 2006 لم تكن تملك طهران الا 3000 جهاز طرد مركزي وكانت تخصب اليورانيوم بنسبة 3.5 بالمائة بينما لم يكن يتجاوز مخزونها منه المئات من الكيلوات المخصبة. بالمقابل فإنها اليوم وبالرغم من العقوبات صارت تمتلك 18000 جهاز طرد مركزي وهي قادرة على تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20 بالمائة. بالإضافة الى انتقال ما تملكه من مخزون خفيف التخصيب الى ما يزيد عن 8000 كيلوغرام زائد 300كلغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة.

إذا كانت سياسة العقوبات الإقتصادية تهدف فعلا الى التأثيرعلى النووي الإيراني وإيقافه فقد فشلت فشلاً ذريعاً الأمر الذي استدعي بذاته التفتيش عن مخرج سياسي للنزاع. لكن إخراج طهران من هذه العزلة سوف يزيد من الاختلالات الجيواستراتيجية الإقليمية بحسب عدد من مراكز القوى الغربية التي استثمرت بقوة في العقوبات على النووي الإيراني. لكنها بالمقابل تعين على حل المأزق السوري وتساهم في وضع حدٍ لتنامي عدد وعديد القوى المتطر فة الجهادية الاسلامية في المنطقة كالنصرة والقاعدة. وهنا وإذا صح ما يشاع عن قلق الغرب المتنامي من صعود هذه القوى السنّية المتطرفة وانتشارها السريع في عدة دول في المنطقة فإن ضرورة التعاون لمواجهة هذه الظاهرة المتطرفة هو من مصلحة الطرفين الغربي والايراني معاً.

ومن العناصر والموجبات التي تدفع باتجاه التقارب ايضا خروج الإيراني من محنة الربيع العربي أقوى بأشواط من السابق. على أي حال لقد خرج وبوضوح اقوى من أي طرف إقليمي آخر. تأثيره الكبير في سوريا لا يحتاج طبعا الى صورة. للدلالة على ذلك يكفي ما تم التوافق عليه بين روسيا والولايات المتحدة حول ضرورة دعوة طهران لحضور جنيف-2.

على الصعيد الأوروبي فإن تفاقم الأزمة المالية والإقتصادية يدفع هو ايضا باتجاه التقارب مع الإيراني ولأكثر من سبب. فالإتحاد الأوروبي يستورد اليوم أكثر من ربع حاجاته من المواد النفطية من مارد السوق الروسية غازبروم. شبه احتكار يدفع الى إيجاد مصادر أخرى للمحروقات تتيح إمكانية تخفيض فاتورة الاتحاد الاوروبي النفطية عبر اللعب على المنافسة. ناهيك عن أن عودة إيران إلى انتاج طاقتها التي يمكن ان تبلغ حوالي 3 إلى 4 ملايين برميل من النفط يوميا بدل المليون الذي تنتجه حالياً سوف يقود الى اختلال في السوق العالمية لجهة الفائض في العرض مما يقود طبعا إلى قيام ضغوط على الأسعار تمنح الاوروبيين جرعة من الاوكسيجين.

في هذا المجال أيضاً من المفيد ربما التذكير بأن عدم سقوط النظام السوري عقّد كثيراً من إمكان تصدير الغاز القطري الى أوروبا عبر البوابة الدمشقية الأمر الذي جعل من الغاز الإيراني عملة نادرة لا بد منها وبالتالي فهي تقود بدورها أيضا الى ضرورة إيجاد حل سلمي مع ايران للمسألة النووية. الأوروبيون يعوّلون كذلك الأمر على إعادة فتح الأسواق الإيرانية أمام سلعهم وشركاتهم مما يؤدي الى حلحلة ولو مؤقتة لأزماتهم الإقتصادية.

صحيح ان الأميركي ،هو، ليس بحاجة كالأوروبي للمحروقات الإيرانية والشرق أوسطية عامة إذ لا يتعدى حجم استيراده منها ال9 بالمائة من مجموع حاجاته لكن الأميركي حريص هنا على استقرار السوق النفطية سواء من حيث الأسعار أم من حيث الأحجام لا سيما وأنه وبحسب ما اُعلن سوف يخرج من المنطقة عسكرياً. من المؤكد أن الأميركي يحتاج بهذه الحالة الى تهدئة التوترات مع طرف إقليمي كبير بحجم طهران.

بعد فشل تركيا في استلام منطقة الشرق الأوسط وتأمين حاجات العالم من المنطقة ونظراً لمجـــــموعة من الإعتــــبارات السياسية والأمنية والإقتصادية والنفطية وجد الغرب وإيران أن محاولة التفاهم سوية على إيجاد حلول سلمية لملفات المنطقة ليس من سابع المستحيلات خصوصاً بعد وصول الرئيس حسن روحاني الى سدة المسؤولية.

القدس العربي-عناية جابر