ليبيا ، قطر ، الناتو ، الحمل الفاسد

ليبيا ، قطر ، الناتو ، الحمل الفاسد
الجمعة ٢٩ نوفمبر ٢٠١٣ - ٠٢:٣١ بتوقيت غرينتش

بالتأكيد ، جماهيرية العقيد القذافى لم تكن دولة و لا مؤسسات ، و بالتأكيد حكم العقيد كان حكما فاشلا على جميع الأصعدة و بكل المقاييس ، و بالتأكيد أيضا كانت هناك حالة استرخاء مادية شعبية جعلت البعض يصمت و يجارى و لا ينتفض ،

 لكن كان هناك من يريد أن يرى انجازات ليبية في كل المجالات خاصة في البنية التحتية ، في المرافق العامة ، في مؤسسات حقيقية تضاهى دول الجوار على الأقل ، لكن العقيد كان بعيدا عن واقع الشعب يسبح في نظرياته الهلامية الفضفاضة و لم سيتفق إلا على وقع ما سمي بانتفاضة بنغازي التي تحولت لاحقا إلى ثورة دموية بفعل تداخل أطراف عربية خليجية و غربية صهيونية بعد أن صمت عمرو موسى “أمين” الجامعة العربية على تمرير المؤامرة القطرية الرامية لإعطاء شرعية لتدخل حلف الناتو لقصف قوات العقيد .

في ليبيا ارتكب الجميع نحو الجميع كل المجازر و الفضاعات و الانتهاكات ، و في أحداث ليبيا كانت هناك علامات استفهام كثيرة حول تدخل المخابرات القطرية لفرض “قيادة” موالية لها في ما سمي بثورة 17 فيفرى ، و عندما يجتمع المال القطري مع نظريات برنار هنري ليفي الصهيوني ، وعندما يجتمع نيكولا ساركوزى مع باراك أوباما و سليلة هتلر أنجيلا ميركل ، فبالتأكيد لا يمكن الحديث عن ثورة بمقاييس ثورية نعرفها و شاهدنا تفاصيلها في كتب التاريخ و مجريات الأمور في الماضي ، فالثورة الليبية ، أو ما سمي كذلك ، قد اختارت من البداية أن تتحالف مع قطر ، هذا في حد ذاته خطأ و خطيئة كبرى ، لان الثورات السليمة لا تتحالف أبدا مع الديكتاتوريات و الأنظمة الشمولية الفاسدة ، و اختارت أن تستظل بمظلة الجامعة العربية مع أن هذه “الجامعة” هي مؤسسة تجمع كل التناقضات العربية و هي متهمة بالأساس بكونها فرع من أفرع المخابرات الأمريكية الصهيونية ، و أختارت أخيرا و ليس آخرا أن تسقط النظام بالقوة بواسطة المنظومة العسكرية الصهيونية التابعة لحلف الناتو .

من أنتم ؟ هكذا تساءل العقيد القذافى ، و تساءل الجميع معه ، فالأمر من البداية كان غامضا مشوشا و عليه كثير من علامات الاستفهام ، و من البداية كانت قطر و من وراء قطر يطلون بأصابع المؤامرة ، و من البداية كان لافتا أن السيد عمرو موسى منخرط في لعبة قذرة تعود عليها النظام المصري السابق ، و من البداية كانت هناك رائحة خيانة غربية لنظام العقيد بعد أن نزع كل “ثيابه” الكيمائية و بات مستعدا لكل التنازلات المذلة التي فرضها الغرب بعد حادثة لوكربى الشهيرة ، و من البداية كان واضحا أن النظام السابق يتصرف خارج سياق الأحداث ، و فاقد للوعي السياسي بما يحصل و بك ل جوانب المؤامرة ، لذلك حصل ما حصل ، و بعد أن كان هناك من ينتظر حملا يحمل اسم الثورة الليبية تبين من سياق الأحداث المروعة اللاحقة أنه مجرد حمل كاذب.

الجميع اليوم في ليبيا و في العالم يؤكد أنها ورطة بكل المقاييس ، و أن ما يحصل قد خرج تماما عن المنطق و السيطرة ، و بعد عامين من رحيل القذافى لم يتم تحقيق أي تقدم في مجال تركيز مؤسسات الدولة ، بالعكس أصبح الجميع يتحدثون عن دول و ليس دولة ليبية بحيث صار الحكم لتنظيم القاعدة و بعض الجماعات الإرهابية القادمة من دول الجوار التي تستغل حالة الفراغ الأمني للسيطرة على مخازن السلاح و تهريبها ، لكن اللافت للنظر أن الدول الغربية لم تقدم أي دعم ملموس لما يسمى بالقيادة الليبية الجديدة لتمكينها من فرض هيبة الدولة و بناء المؤسسات ، و أن قطر التي تزعم تحري ر الشعب الليبي من قبضة النظام السابق قد انشغلت بالثروات الطبيعية الليبية رغم عديد التصريحات الليبية التي تندد بالسلوك القطري و تتحدث عن مؤامرة قطرية على ليبيا.

من المعلوم أن حلف الشمال الأطلسي أو ما يسمى بالناتو هو ذراع عسكرية غربية استعمارية ، و من المعلوم أيضا أن هذه المنظومة العسكرية الغربية قد أنشأت لمواجهة القوة السوفيتية لكن المعلوم أيضا أن هذه القوة قد شاركت في ضرب يوغسلافيا السابقة بعد أن ارتكب الرئيس الصربي صلوبودان ميلوزيفيتش جرائم حرب مروعة ضد المسلمين في البوسنة و الهرسك لكنها لم تقدم الدعم اللازم للمسلمين في الوقت المناسب و كان يها من تواطىء ضدهم في أقذر تصرف عرفه التاريخ ، اليوم ، التاريخ يعيد نفسه ، و بعد أن دمر الحلف قوات العقيد القذافى و قتل الآلاف من الأبرياء و مكن الجماعات الإ رهابية من موطئ قدم على الساحة الليبية ، يخلى الحلف الساحة للفوضى و القتل و الإرهاب في تصرف مشين ليس غريبا تماما عن “أخلاق” الغرب و عن “ديمقراطية” الغرب ، و بالتالي فان ما يحدث الآن في ليبيا هو صراع دموي بين فئات المجتمع الليبي تركها الغرب على تلك الحالة حتى تعم الفوضى ويصبح من السهل على الغرب تفتيت المنطقة قطعة قطعة تطبيقا للمخطط المعد سلفا منذ عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر .

السياسة القطرية ، هذا إذا سلمنا أن لقطر سياسة من الأصل ، هدفها الوحيد ، و هو هدف صهيوني في الأصل ، هو نشر الفوضى في الوطن العربي و إعطاء الجماعات السلفية الإرهابية مكانا في الخريطة العربية ، حتى يسهل نشر الفكر السلفي ، ولان الإخوان قد سقطوا في مصر بالشكل المريع الذي نعرف ، فقد بات وجود الجماعات المتطرفة في ليبيا أكثر من مطلوب في هذه الفترة بالذات على اعتبار أنه يوفر السلاح و المال و الأشلاء الآدمية لنشر الفوضى على الساحة المصرية ، لكن الشعب الليبي هو الذي يدفع ثمن المراهقة السياسية القطرية ، و هو من يعبث الجميع مصيره ، و هو من أصبح الجنة المو عودة و أرض الميعاد لكل “قبائل” الإرهاب في العالم بما يحمل على الاعتقاد أن هناك حملة استعمارية مقنعة لكن معالمها بدأت تتضح للمتابعين تهدف إلى إنشاء إمارة سلفية إرهابية في ليبيا يمكن أن تكون “عاصمة” الإرهاب القادمة ، بحيث يصبح بوسع قوات التحالف الدولي الغربي الصهيوني الخليجي المتآمر ضد العرب و ضد الإسلام و القومية العربية أن يزرع “إسرائيل” عربية أخرى في قلب الأمة العربية ، بمواصفات سلفية تكفيرية ، مهمتها الأساسية الاشتغال على عامل الفتنة و الصراع الطائفي في المنطقة بشكل يحرر إسرائيل من كل الضغوط المعنوية قبل العسكرية ، حتى يمكن القول أن وعد بلفور قد “أعطى” فلسطين للصهيونية و وعد عمرو موسى و حمد بن خليفة قد “أعطى” ليبيا لمشروع الفوضى الخلاقة الأمريكية.


*أحمد الحباسى تونس - بانوراما الشرق الاوسط