تأرجح العلاقات التركية ـ الإسرائيلية

تأرجح العلاقات التركية ـ الإسرائيلية
الإثنين ١٦ ديسمبر ٢٠١٣ - ٠٣:٣٣ بتوقيت غرينتش

تتأرجح العلاقات التركية ــ الإسرائيلية في صعود وهبوط مؤخراً من دون حدوث الاستقرار، الذي رجته الإدارة الأميركية عندما أقدمت على عقد الصلح بين الحكومتين في أعقاب مجزرة سفينة «مرمرة». وكثيراً ما بدت الخيبة على وجوه الكثير من الساسة والاقتصاديين في الدولتين بسبب تزايد المصالح المشتركة الضاغطة على قيادتي الدولتين. وحالياً تقف على رأس المصالح الضاغطة قضية خط أنبوب الغاز من الحقول الغازية لإسرائيل وقبرص إلى تركيا، والذي أبدت شركة تركية استعدادها منفردة لإنشائه.

وفي مقابلة مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» أشار الرئيس التركي عبد الله غول إلى استمرار التوتر في العلاقات بين الدولتين. وقال «هناك تطلعات لنا من إسرائيل قبيل إنهاء النزاع والخلاف بيننا. لقد استجابت إسرائيل جزئياً لقسم من توقعاتنا عندما أبدت اعتذارها، ولكن الاعتذار تمّ بشكل متأخر جداً. وقسم من توقعاتنا لم يتحقق بعد».

ومعروف أن تركيا عرضت على إسرائيل ثلاثة مطالب لإنهاء الأزمة وتمت الاستجابة لشرط الاعتذار في شهر آذار الماضي. ولا يزال الخلاف قائماً حول مطلب التعويضات، فضلاً عن إصرار الحكومة التركية على شرطها الثالث بإزالة الحصار المفروض على قطاع غزة. ورفض الرئيس التركي الإفصاح عن التوقعات التي قصدها لتحقيق المصالحة التامة، ولكنه قال إنه «برغم الخلافات، ثمة أهمية لواقع أن اللقاءات تجري وأن العمل يتواصل». وأضاف أن «اللقاءات تجري بسرية بعيداً عن الأنظار، ويمكن القول أن تحققاً معيناً قد حدث وآمل أن تحقق المباحثات نتائج».

ومع ذلك فإن السياحة الإسرائيلية في تركيا عادت إلى طبيعتها وقد ارتفع عدد الإسرائيليين الداخلين إلى تركيا في شهر آب الماضي بنسبة 157 في المئة مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. وشركة الطيران التركية هي أكبر شركة أجنبية تعمل في إسرائيل، وحملت في الأشهر التسعة الماضية أكثر من 352 ألف مسافر على خط تل أبيب - اسطنبول. وتدير الشركة 46 رحلة أسبوعية منتظمة على هذا الخط. وتظهر معطيات دائرة الإحصاء التركية أن الربع الأول من العام الحالي شهد نمو التجارة المتبادلة بنسبة 26 في المئة، وبلغت 1,2 مليار دولار أكثر من نصفها من تركيا لإسرائيل.

غير أن كل ذلك لا يشكل شيئاً مقارنة مع التطورات التي تجري على صعيد التعاون في قطاع الغاز، والذي تحثه الولايات المتحدة ضمن استراتيجية إقليمية شاملة. ويرى كثيرون أن أشدّ ما يعرقل هذه الاستراتيجية المواقف العدائية التي يبديها رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان تجاه إسرائيل، والتي كان آخرها اتهامها بالوقوف خلف الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي. وليس صدفة أن الإدارة الأميركية، أكثر من إسرائيل، كانت من ردّ على هذه التصريحات وندّد بها.

ويشدّد المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل على أن ثلاث محطات حكمت تدهور العلاقات مع إسرائيل، وهي عملية «الرصاص المسكوب» على قطاع غزة، وإهانة السفير التركي في إسرائيل، والأهم قتل الأتراك على سفينة «مرمرة». وكما سلف حاولت الإدارة الأميركية وجهات دولية أخرى إقامة الصلح بين الحكومتين فنجحت جزئياً، وتمّ التجسير على بعض الخلافات. ولكن، كما سبق بقيت مسائل التعويضات وتحمّل المسؤولية عن مقتل الأتراك، وهو ما ترفض إسرائيل التقدم فيه خشية تشكيل سابقة قانونية، وكذلك أمر الحصار المفروض على قطاع غزة. وتتحجّج إسرائيل حالياً بأنه منذ إسقاط حكم محمد مرسي في القاهرة تمارس مصر حصاراً أشد على قطاع غزة، فيما تحاول إسرائيل تخفيف الحصار البحري وزيادة حركة شاحنات البضائع لمنع نشوء أزمة إنسانية.

ويؤكد هارئيل أن المشكلة بين إسرائيل وتركيا تكمن في انعدام الثقة الجارف بين القيادتين، حيث لا شأن لأردوغان في إتمام المصالحة قبل الانتخابات الرئاسية التي سيخوضها الصيف المقبل. ولكن الأمور لا تسير تماماً وفق ما يريد أردوغان الذي بات يواجه مشاكل داخلية على خلفية سياسات تجاه قطاعات في المجتمع التركي وعسكريين سابقين. وهذا ما يدفعه نحو مساومة الأكراد، وإلغاء الحظر على الحجاب في الدوائر الرسمية.
ويشير هارئيل إلى العواقب الاقتصادية لتدهور العلاقات مع تركيا، حيث تراجعت السياحة من أكثر من نصف مليون إلى حوالي مئة ألف فقط. وتقريباً تمّ تجميد التجارة العسكرية بين الدولتين برغم أن الميزان التجاري ظل مهماً للدولتين تصديراً واستيراداً. ويضيف هارئيل أن هناك «ضوءاً في نهاية النفق يتعلق بقطاع الغاز الإسرائيلي. وللأتراك مصلحة كبيرة في صفقة غاز كبرى مع إسرائيل، عبر استغلال الحقول الإسرائيلية التي اكتشفت في البحر المتوسط. وحاجة الاقتصاد التركي للغاز تزداد وأنقرة تخشى الاعتماد الزائد على مزوّديها الرئيسيين: روسيا وإيران، اللتين تجبيان منها أثماناً باهظة. وهكذا فإن قرارات يجب أن تتخذ. وإسرائيل حدّدت 2014 عام الحسم بشأن وجهة تصدير الغاز، الذي ستستخرجه وفي الخلفية أيضاً احتمالات أخرى كالصفقة مع قبرص».

ويشدّد هارئيل على أن إسرائيل وتركيا تجريان اتصالات مكثفة، ولكن الأمور في النهاية تعتمد على القرار السياسي. ونظرياً فإن صفقة الغاز تفتح آفاقاً لتحسّن كبير في العلاقات بين الدولتين، وتنير مسارب في العلاقات المشحونة بينهما. ومع ذلك ليس في إسرائيل وتركيا مَن يوهم نفسه بأن الغرام الجارف، الذي كان بين الدولتين في التسعينيات سوف يعود.

*حلمي موسى