التكفير والقتل

التكفير والقتل
الأحد ١٢ يناير ٢٠١٤ - ٠٣:٠٢ بتوقيت غرينتش

الطبيب السوري حسين سليمان، قائد قوات «أحرار الشام» في الرقة ومسؤول سابق عن معبر تل أبيض الحدودي، ذهب منتدباً من قبل «الجبهة الإسلامية» للتفاوض مع «داعش»، فتم قتله بوحشية. هذه الأخيرة رفضت تسليم جثته إلا في إطار صفقة أجبرت «الجبهة» بموجبها على إطلاق سراح داعشيين معتقلين لديها. أعيدت جثة سليمان (أبو ريان) مشوّهة، حيث قطعت أذنه وأطلق الرصاص على كفيه وقدميه، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام عن مصادر مقربة من «أحرار الشام».

ما تقدم ليس مفارقة في مسار عمل التكفيريين، بل هو عينة من سياق منتظم يقوم على الإرهاب والعنف. فعلى الاجندة التكفيرية، «الأقربون أولى بالقتل» وليس بالمعروف. وطريقتهم المثلى بالدعوة تقوم على قتل، وليس إنذار، «العشيرة الأقربين». والنتيجة هي أن عدم اصطدام هؤلاء، أينما حلوا، مع كل من عداهم، أمر يقارب المستحيل. فالخروج عن الهدف المعلن سمة غالبة على اداء جماعات التكفير. فهم ما بدأوا بشيء يوماً الا وانتهوا بشيء آخر.
 

فمع العمل «الجهادي» في افغانستان لتحريرها من الاحتلال السوفياتي ولدت نواة التكفيرية المعاصرة لدى بعض الفصائل «الجهادية». هذه النواة تبلورت في ما بعد في حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة». هؤلاء ما لبثوا ان تحولوا الى أدوات قتل لشرائح المجتمع الافغاني، إضافة الى رفاق الأمس من «المجاهدين» في قوات التحالف الشمالي. في العام 2003 انتقل التكفيريون الى العراق للعمل على تحريره من الاحتلال الاميركي فاذا بهم يتحولون الى قتل المدنيين انتحاراً في الاسواق والمساجد والطرقات. وخلال السنوات الثلاث الماضية دخلوا الى سوريا، بذريعة مؤازرة المعارضة على اسقاط النظام، لكنهم سرعان ما انتقلوا بلا تردد الى قتل الناس و الانخراط في حرب ضارية مع فصائل المعارضة كلها وتكفيريين آخرين. لبنان كذلك هو عرضة اليوم للخطر التكفيري، على خلفية استهداف المقاومة وبيئتها. من المؤكد أن الأمر لن يقف عند هذا الحد، بل لن يطول الأمر قبل ان يتحول التكفيريون الى استهداف مختلف الشرائح اللبنانية، لأن أول ما سيسعى اليه هؤلاء هو السيطرة على بقعة من الأرض من أجل إقامة إمارة عليها.
 

«داعش» و«النصرة» و«جيش الصحابة» هم آخر ما أنتجه العقل التكفيري في دول المنطقة، علماً أن إقامة نسبة ما بين العقل والممارسة التكفيرية أمر لا يخلو من خطأ. الممارسة هذه ناشئة من اضطراب في النفس أكثر مما تعكس انحرافات في الفكر. فالدافع الى الفعل العنفي لدى التكفيريين غريزي ولا يخضع لأي معايير عقلانية. فهؤلاء منغمسون بالفهم الحروفي للنص الديني، حيث يتخذونه معياراً في تعيين الحق والباطل. تعاملهم مع الوقائع لا يخرج من ثنائية الايمان/الكفر على قاعدة أن كل من هو منهم فهو مؤمن وكل من هو دونهم فكافر. فرحلة البحث عن الكفار بغية قتلهم تبدأ عندهم امتثالاً لقول الله «واقتلوهم حيث ثقفتموهم». وهم «مأمورون» بإقامة الدولة الإسلامية عملاً بالآية «ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون». غير أن القتل في ممارساتهم ليس مجرد فعل للقضاء على الكفر بل هو أيضا «شعيرة» لتزكية النفس وتحصينها من الكفر، إذ الإحجام عن القتل يصبح في عقيدتهم منقصة ايمانية من باب التخلف عن القيام بالواجب والارتداد عن الجهاد. هذا يعني ان قتل الآخر على خلفية تكفيره يصبح ضرورة منعاً من سقوط الذات في فخ الكفر.


تحدث عالم الاجتماع الديني دوركهايم عن امكانية ان تصاب الجماعة بما يصيب الحالة الفردية من جنون. «داعش» و«التكفيريون» ليسوا سوى ظاهرة جماعية مجنونة لا شيء يردعها عن فعل القتل.

 

حبيب فياض/ السفير