الخلافات الخليجية ترسخ هزال القمة العربية

الخلافات الخليجية ترسخ هزال القمة العربية
الخميس ٢٧ مارس ٢٠١٤ - ٠٦:٢٦ بتوقيت غرينتش

لم تكن وقائع المشهد العربي بحاجة إلى انعقاد قمة جامعة الدول العربية الـ25 في دولة خليجية ليثبت مرة إضافية أن الثقل السياسي للقرار الرسمي العربي لا زال، ومنذ العقدين الاخيرين، يتركز في العواصم الخليجية. ولم يكن الواقع ذاته بحاجة كذلك إلى أن يشهد على بحث الأزمة في سوريا والأوضاع في مصر وغيرها على وقع خلافات خليجية داخلية، خصوصا بين السعودية والامارات والبحرين من جهة، وبين قطر من جهة اخرى.

وفي ظل هذه الخلافات لم ترق القرارات الصادرة عن قمة الكويت إلى مستوى التحديات العربية الراهنة، بل لعل أبرز ما جاء فيها التمسك بالتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية على أساس بيان مؤتمر "جنيف 1"، الأمر الذي ترافق مع "التأكيد على قرار قمة الدوحة (2013)... وقرار المجلس الوزاري (2013)، بشأن الترحيب بشغل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية مقعد سوريا في جامعة الدول العربية والاعتراف به ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري". وتحفظ كل من العراق والجزائر على هذه الفقرة، فيما قرر لبنان النأي بالنفس. وجدير بالذكر أنه إلى جانب القرارات النهائية الصادرة عن القمة، فقد تم تبني كذلك، أمس، "إعلان الكويت" الذي أشار إلى شرعية تمثيل "الائتلاف" للسوريين، لكن دون حصر ذلك به وحده.

وكان مقعد سوريا شاغرا في القمة بالرغم من تسليمه لـ"الائتلاف" في القمة الماضية في العاصمة القطرية الدوحة. وتعليقا على ذلك، قال المتحدث باسم "الائتلاف" لؤي صافي إن "القرار العربي كان إعادة تأكيد على القرار السابق (في الدوحة) لكن ما عطل تنفيذه هو وجود مماحكات وشد وجذب داخل أروقة اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب" الذي سبق القمة.

وكان ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز قال، في كلمته في الكويت أمس الأول، "إننا نستغرب كيف لا نرى وفد الائتلاف يحتل مكانه الطبيعي في مقعد سوريا... وخاصة قد منح هذا الحق في قمة الدوحة من قبل القمة العربية"، معتبرا كذلك في سياق كلمته أن "الخروج من المأزق السوري يتطلب تحقيق تغيير ميزان القوى على الأرض ومنح الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية ما يستحقون من دعم ومساندة".

من جهتها، علقت وكالة الأنباء الرسمية السورية "سانا" على قرار القادة العرب باعتبار الائتلاف "ممثلا شرعيا" للسوريين، بالقول إن ذلك يمثل "ترضية لمال مشيخات الخليج (الفارسي) المسيطرة على قرار الجامعة المنتهك ميثاقها ممن كان من واجبه الحفاظ عليها".

ولم يعد التجاذب على مقعد دمشق في جامعة الدول العربية يؤثر على المشهد السوري العام، الذي طبعه أمس، كما في الأيام الأخيرة، الواقع المشتعل في الريف الشمالي لمحافظة اللاذقية. واستمرت المعارك، أمس، لليوم الخامس على التوالي، بين القوات السورية والمسلحين في التلال والقرى المحيطة ببلدة كسب الحدودية مع تركيا في ريف اللاذقية الشمالي، لاسيما في قرية السمرا والنبعين وجبل النسر، من دون أن تتضح صورة سيطرة كل فريق على المنطقة، حيث اتسمت المعارك بالكر والفر، لدرجة أن السيطرة في بعض المناطق كانت تنتقل من المسلحين إلى الجيش أو بالعكس خلال ساعات معدودة فقط.

بدوره، لم يكن لبنان مغيبا عن قمة الكويت، حيث أشادت الدول العربية "بالدور الوطني الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية في صون الاستقرار والسلم الأهلي"، مرحبة "بالمساعدة الاستثنائية للجيش اللبناني التي قدمها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بقيمة 3 مليارات دولار أميركي". كما وجه نص القرارات الصادر عن القمة "التحية لصمود لبنان في مقاومته العدوان الإسرائيلي المستمر عليه وعلى وجه الخصوص عدوان تموز العام 2006... واعتبار تماسك ووحدة الشعب اللبناني في مواجهة ومقاومة العدوان الإسرائيلي عليه، ضمانا لمستقبل لبنان وأمنه واستقراره". وجرى التأكيد كذلك على "حق لبنان واللبنانيين، في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، ومقاومة أي اعتداء أو احتلال إسرائيلي، بالوسائل المشروعة والمتاحة كافة... والتأكيد على حق لبنان في ثروته النفطية والغازية".

في سياق آخر، كان ملف تطورات الصراع العربي الإسرائيلي، الذي بات تقليديا، وربطا به ملف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائييل، حاضرين في مقررات الجامعة العربية. وجرى التأكيد على "الرفض القاطع والمطلق للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية"، وهو مبدأ يشترطه الكيان لاستكمال المفاوضات الراهنة. كما دعا القادة العرب "مجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته والتحرك لاتخاذ الخطوات والآليات اللازمة لحل الصراع العربي ـ الإسرائيلي بكافة جوانبه وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة على أساس حل الدولتين وفقا لحدود 1967".

وعلى صعيد آخر، أكد "إعلان الكويت" على ضرورة مكافحة "الإرهاب"، إلا أن ذلك يأتي في ظل غموض في تعريف هذا المصطلح، خصوصا بعد إعلان مصر والسعودية جماعة "الاخوان المسلمين" منظمة إرهابية.

وفي ظل الخلافات الخليجية، لم تبد القمة العربية، التي ستنعقد دورتها المقبلة في القاهرة، أي علامة تذكر على تحقيق تقدم خليجي عند اختتامها. وأبلغ دبلوماسي غربي وكالة "رويترز"، أمس، بأن "القمة لم تكن متوافقة برغم محاولات الكويت الصادقة". وقال الديبلوماسي إن "السعوديين لم يريدوا التوافق بل أرادوا اعتماد الحزم الشديد مع قطر. وكان هناك مشاكل بخصوص الإخوان المسلمين ومستقبل مصر وسوريا. وقد فعلت الكويت كل ما بوسعها لتحقيق توافق لكن السعوديين كانوا حازمين للغاية". واكتفى بيان تلاه وكيل وزارة الخارجية الكويتية خالد الجار الله، في ختام القمة أمس، بالقول إن الدول العربية تتعهد "بالعمل بعزم لوضع حد نهائي للانقسام".

وصافح ولي العهد السعودي الأمير سلمان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لدى وصولهما، أمس الأول، إلى قاعة القمة، فيما توسطهما أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح لدى دخولهما إلى القمة ممسكا بيديهما.

وقمة الكويت هي الاجتماع العربي الأول على مستوى رفيع منذ إقدام السعودية والإمارات والبحرين في مطلع الشهر الحالي، في خطوة غير مسبوقة، على سحب سفرائها من الدوحة متهمة قطر بعدم الالتزام باتفاق خليجي حول عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

السفير