الإمام الباقر (ع) رائد النهضة الإسلامية والفكر الاصيل

الإمام الباقر (ع) رائد النهضة الإسلامية والفكر الاصيل
الأربعاء ٣٠ أبريل ٢٠١٤ - ٠٧:٥٦ بتوقيت غرينتش

الامام محمد الباقر عليه السلام هو خامس أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو المعصوم السابع من أعلام الهداية الذي جسّد الكمالات النبوية في العلم والهداية والعمل والتربية وتوسّعت بجهوده العلمية الجبارة مدرسة أهل البيت عليم السلام واتّضحت معالمها وأينعت ثمارها ولازلنا نتفيّأ ظلالها حتى عصرنا هذا.

ولد الامام محمد الباقر عليه السلام في يثرب وفي غرة رجب يوم الجمعة، في سنة (57) للهجرة النبوية الشريفة من أبوين علويين طاهرين زكيين، ابوه هو الامام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام وامه الزكية الطاهرة فاطمة بنت الامام الحسن بن علي عليه السلام سيد شباب اهل الجنة  والتي قال في حقها الامام الصادق عليه السلام ( کانت صديقة لم تدرك في آل الحسن مثلها)، فاجتمعت فيه خصال جدّيه الحسن والحسين عليهما السلام وعاش في ظّل جدّه الحسين عليه السلام بضع سنوات وترعرع في ظل أبيه علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام حتى شبّ ونما وبلغ ذروة الكمال وهو ملازم له حتى استشهاده في النصف الاول من العقد العاشر بعد الهجرة النبوية الشريفة.

إن اقصاه أهل البيت عليهم السلام عن موقع القيادة وإمامة المسلمين أدى الى الانحراف في جميع مجالات الحياة وترك تأثيره السلبي على جميع مقومات الشخصية، في الفكر والعاطفة والسلوك، فعمّ انحراف الدولة والامة معا، كما عمّ التصورات والمبادىْ والموازين والقيم والاوضاع والتقاليد والعلاقات والممارسات العملية جميعا.

نعم لقد تغلغل الانحراف في ميدان النفس وميدان الحياة الاجتماعية وتحوّل الاسلام الى طقوس ميتة لاتمت إلى الواقع بصلة، خلافا لاهداف الإسلام الذي جاء من اجل تقرير المنهج الالهي في الحياة فانحسر عن الكثير من تلك المجالات ليصبح علاقة فردية بين الانسان وخالقه فحسب.

ولهذا انتشر الانحراف الفكري والعقائدي في المجتمع ابان تصدي الامام محمد الباقر لامامة  الامة كما انتشر الانحراف السياسي والاخلاقي عصره امامته عليه السلام فضلا عن انتشار الانحراف في الميدان الاقتصادي، حيث تصرف الحكام الامويين بالاموال العامة وكأنها ملك شخصي لهم، فكانوا ينفقونها حسب رغباتهم واهوائهم على ملذاتهم وشهواتهم وكان للجواري والمغنيين نصيب كبير في بيت المال.

على الرغم من انحراف الحكام واجهزتهم الادارية والسياسية عن المبادىء الثابتة التي أرسى دعائمها القرآن الكريم والسنّة النبوية، إلا ان القاعدة الفكرية والتشريعية للدولة بقيت متبناة من قبل الحاكم واجهزته في مظاهرها العامة، وعلى ضوء ذلك فان دور الامام محمد الباقر عليه السلام كان دورا اصلاحيا لاعادة الحاكم واجهزته واعادة الامة الى الاستقامة في العقيدة والشريعة، وجعل الاسلام بمفاهيمة وقيمه هو الحاكم على الافكار والعواطف والمواقف.

وكان اسلوب الامام الباقر عليه السلام الاصلاحي متفاوتا تبعا لتفاوت الظروف التي كانت تحيط به، وبالحكم القائم، وبالامة المسلمة.
ولقد كان الإمام عليه السلام مقصد العلماء من كل بلاد العالم الاسلامي، ومازار المدينة احد، إلا عرّج على بيته يأخذ من فضائله وعلومه، وكان يقصده كبار رجالات الفقه الاسلامي، كسفيان الثوري وسفيان بن عيينه، وأبي حنيفة.

وكان دور الإمام محمد الباقر عليه السلام في الاصلاح يتركّز على اتجاهين متزامنين:
الاتجاه الاول: التحرك في اوساط الامة وعموم الناس بما فيهم المسلمون واصحاب الديانات الاخرى فضلا عن التحرك على الحاكم واجهزتهم لاعادتهم الى خط الاستقامة او الحدّ من انحرافاتهم وحصرها في نطاق محدود.

الاتجاه الثاني: بناء الجماعة الصالحة لتقوم بدورها في اصلاح الاوضاع العامة للامة وللدولة طبقا للاسس والقواعد الثابتة التي أرسى دعائمها أهل البيت عليهم السلام بما ينسجم مع القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

وتركز محاور الحركة الاصلاحية العامة للإمام الباقر عليه السلام، على الاصلاح الفكري والعقائدي والرد على الافكار والعقائد الهدامة والمذاهب المنحرفة والحوار مع المذاهب والرموز المنحرفة وإدانة فقهاء البلاط والدعوة الى اخد الفكر من مصادره النقية ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام.

اما في مجال الاصلاح السياسي، فلقد استثمر الامام الباقر عليه السلام، الانفراج السياسي النسبي من اجل بناء وتوسعة القاعدة الشعبية وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت عليهم السلام وتبعئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم تنطلق اي ثورة علوية في عهده، لعدم اكتمال شروطها من حيث العدة والعدد.

وكان الإمام محمد الباقر عليه السلام، يقدّم للامة المفاهيم والافكار السياسية الاساسية مع الحيطة والحذر، وكانت له مواقف سياسية صريحة من بعض الحكام لاعادتهم الى جادة الصواب.

لقد عانى الامام الباقر عليه السلام، من ظلم الامويين منذ ان ولد وحتى استشهد ماعدا فترة قصيرة جدا هي مدة خلافة عمر بن عبدالعزيز التي ناهزت السنتين والنصف. فعاصر أشد ادوار الظلم الاموي كما اشرف على افول هذا التيار الجاهلي وتجرع من غصص اللآلام ماينفرد به مثله وعيا وعظمة وكمالا، ولكنه استطاع ان يربي اعداد كثيرة من الفقهاء والعلماء والمفسرين حيث كان المسلمون يقصدونه من شتى بقاع العالم الاسلامي وقد دانوا له بالفضل بشكل لانظير له، ولم يعش منعزلا عن احداث الساحة الاسلامية، وانما ساهم بشكل ايجابي في توعية الجماهير وتحريك ضمائرها وسعى لرفع شانها واحياء كرامتها بالبذل المادي والعطاء المعنوي كآبائه الكرام واجداده العظام ولم يقصر عنهم عبادة وتقوى وصبرا واخلاصا وجهادا فكان قدوة شامخة للجيل الذي عاصره ولكل الاجيال التي تلته، وكان حقا رائد النهضة الاسلامية والفكر الاسلامي الاصيل.

ولم يمت الإمام أبو جعفر عليه السلام حتف أنفه، وإنما اغتالته بالسم أيد اموية أثيمة لاتؤمن بالله ولا باليوم الاخر، ونص الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام على الإمام من بعده قبيل شهادته فعّين الإمام الصادق عليه السلام مفخرة هذه الدنيا ورائد الفكر والعلم في الاسلام وجعله مرجعا عاما للامة الاسلامية من بعده، واوصى شيعته بلزوم اتباعه وطاعته.       
**

تصنيف :