المالكي والبارزاني ومسؤولية سقوط الموصل

المالكي والبارزاني ومسؤولية سقوط الموصل
الخميس ٢٠ أغسطس ٢٠١٥ - ٠٣:٣١ بتوقيت غرينتش

هذه السطور اكتبها للقارىء العراقي تحديدا وليس العربي، فالعرب تحكمهم نظرة متكلسة للعراق والعراقيين، ولن تتغير ابدا، الا بعودة حكم “القائد الضرورة” و“حامي البوابة الشرقية للامة”، لذلك فإن كل من يحكم العراق اليوم من وجهة نظر العرب، هو “عميل ايراني” و“شيعي رافضي و” فارسي مجوسي ” و“كردي عميل ”، وستبقى هذا الصفة قائمة، حتى يعترف العراقيون بـ”خيانتهم لبطل العروبة والقائد المغوار” إبن العوجة، وان يذهبوا الى الاردن لتقبيل يد ابنته، لتتفضل عليهم بالعودة الى العراق وتنصيب ابناءها، احفاد “الشهيد القديس”، قادة على العراق.

ارى ان من العبث ان يخاطب الكتاب والاعلاميون والسياسيون العراقيون ، العرب ، فهؤلاء لن يرضوا عنهم مهما فعلوا ، وخاصة اذا كان الكلام عن شخصية مثل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ، الذي وقع على حكم اعدام “طاغية العراق” و “بطل العرب المغوار” ، واشار في اكثر من مرة الى السعودية وقطر وتركيا ، بالاسم ، بانهم وراء كل مآسي العراق ، ورفض ان يعادي الجمهورية الاسلامية في ايران ، لكي يثبت عروبته ووطنيته ، كما رفض ان يعترف لانظمة متخلفة مثل السعودية وقطر بقيادة العرب في هذا الزمن التعس.

لذلك سنخاطب العراقيين فقط ونقول:

-على العراقيين وخاصة الشيعة والاكراد ان يكونوا على حذر فهناك اياد تحاول زرع الفتنة والشقاق والعدواة بينهما ، وللاسف سقط الكثير من الجانبين في الفخ الذي نصب لهم ، فيما لا زالت تُكتشف حتى اليوم في ارض العراق مقابر جماعية للشيعة والاكراد فقط.

-المراقب لما يحدث اليوم في العراق ، وخاصة بعد احتلال الموصل من قبل “البعثية الدواعش” ، ان حدة العداء والبغضاء بين ضحايا البعثية (الاكراد والشيعة) ، اخذت تتصاعد وتستعر فيما الجهات التي كانت مسؤولة عن قتلهم ، تضحك ملء شدقيها.

-بعد صدور تقرير اللجنة النيابية الخاص بالتحقيق بسقوط الموصل ، فرح بعض الاكراد ، للاسف ، لذكر اسم نوري المالكي بين المسؤولين الذين يتحملون مسؤولية سقوط الموصل ، فيما بعض الشيعة ما انفكوا يؤكدون ، للاسف على ضرورة ان يذكر اسم مسعود البارزاني الى جانب المالكي.

-ما معنى كل هذا العداء غير المبرر وغير المفهوم بين الشيعة والاكراد ، الذين من المفترض ان يشكلوا وحدة واحدة في العملية السياسية ، رغم بعض الخلافات الطبيعية بينهما ، فالتجربة التاريخية ، وهي لا تخطىء، اثبتت وبشكل قاطع ان مصير الاكراد والشيعة في العراق واحد ، وان هناك من يتمنى ان تذهب ريحهم ، ويعودون كما كانوا مواطنين من درجة الثانية ، يُقتلون لاتفه الاسباب ، كما لو كانوا من غير البشر.

-ليس هناك ، بين العرب من يتعاطف مع قتلى الاكراد والشيعة ، حتى لو وصل عددهم الى الملايين ، كما هو الحال عندما كانوا في ظل دكتاتورية البعث الشوفيني الطائفي ، فالشيعة والاكراد غير مرحب بهم في المنطقة ، والكل يتمنى زوالهم ، ويكفي ان يلقوا نظرة الى ما حولهم حتى يشاهدوا الابتسامات العريضة على وجوه “الاشقاء في الدين والقومية” ، على تناحرهم وعدواتهم ، فلا حرمة للمالكي ولا للعبادي ولا للبارزاني ولا للطالباني ولا للحشد الشعبي ولا للبيشمركه ، عند هؤلاء "الاشقاء".

-اذا ما نظرنا الى خارطة التحالفات السياسية نسمع الان وبدقة اصوات تشقق البيتين الشيعي والكردي ، وانقلاب حلفاء الامس الى اعداء ، وهو مشهد لا يفرح الا العدو المشترك ، الذي يعمل ليل نهار لهدم هذين البيتين..

نعود الى تقرير حاكم الزاملي ونقول:

- اذا كان الفساد هو عنوان المشهد السياسي في العراق، وان كل ما جرى ويجري في هذا البلد قائم على المحسوبية، فلماذا كل هذه القدسية التي القيت على التقرير؟

- لنفرض ان التقرير كان استثناء، ولم يمسه الفساد، فهل هو حجة على القضاء؟.

- التقرير كتبه سياسيون، بينما القضاء يتولاه اناس، يفترض الا يكونوا سياسيين.

- مثل هذه التقارير يمكن ان يعتد بها لو كان صادرة في بلد مثل مصر او تونس او اي بلد اخر غير العراق، حيث يمكن تحميل رئيس الحكومة المسؤولية عن كارثة وطنية، كالتي حصلت في الموصل، فالرئيس هو الذي يؤلف الحكومة وهو الذي يختار الوزراء وهو الذي يضع البرامج، وهو الذي يعطي الاوامر، والتي يجب ان تنفذ، فهل حال المالكي كان كذلك؟!!.

- في حال مثل حال العراق وانطلاقا من نظام المحاصصة الطائفية، الجميع يتحمل مسوولية سقوط الموصل، المالكي والبارزاني والنجيفي والشيعة والسنة والاكراد، وحتى من كتبوا التقرير، وكذلك ممولي وداعمي "الدواعش البعثيين" من الخليجيين وتركيا وايتام صدام في الاردن. 

- المالكي، وهنا كان الخطا الذي وقع فيه، انه قبِل ان يكون مسؤولا عن كل شيء، فيما اوامره لا تجد طريقها للتنفيذ بسبب نظام المحاصصة الطائفية، بل ان اغلب وزرائه كانوا يعملون كمعارضة لاسقاطه، وهذا شيء شاذ بمعنى الكلمة.

- قوى اقليمية ناصبت المالكي العداء كالسعودية وتركيا وقطر والامارات، وانفقوا اموالا طائلة لضرب الامن في العراق عبر تحريض طوابيرهم حتى داخل العملية السياسية، بهدف اسقاطه، فالرجل وقع على حكم اعدام “شهيد العرب”، واراد ان يعيد شيئا بسيطا من الحق الضائع لضحايا “بطل القادسية”، ورفض ان يكون تابعا مثلهم للسيد الاميركي، ووقف الى جانب المقاومة ومحورها ضد الصهيونية والرجعية والطائفية، وقبل كل هذا وذاك حاول ان يقف امام عودة البعث الفاشي الى المشهد العراقي تحت عناوين جديدة، كل هذه الاسباب دفعت هؤلاء الى ان يشكلوا تحالفا غير مقدس، كان احد نتائجه سقوط الموصل في قبضة "البعثيين الدواعش".

- في العراق حالة شاذة غير موجودة في اي بلد في العالم، وهي ان رئيس الوزراء لايملك سلطة تغيير محافظ من محافظيه، فالمالكي الذي حُمل مسؤولية سقوط الموصل لم يكن قادرا على تغيير اثيل النجيفي محافظ نينوى، بل ان الاخير كان لا ينفذ اوامر المالكي فحسب، بل انه كان يعارض المالكي، ويحرض اهل الموصل على المالكي والجيش العراقي، وكان يصف الجيش بانه جيش المالكي!.

- بارزاني قد يكون استفاد من سقوط الموصل وفرض سيطرته على بعض المناطق المتنازع عليها مع بغداد، ولكن لا اعتقد انه كان وراء ما حدث، فهناك فرق كبير بين الحالتين، فعندما تصل الاوضاع في العراق الى الحد الذي يقوم بعض شركاء العملية السياسة بخيانة الوطن من خلال العمل مع “مجرمي صدام من الدواعش” لاسقاط المالكي عبر فتح ابواب العراق امامهم، فعلينا  ان نتوقع كل شيء.

ان ما قيل عن وجود دوافع سياسية وراء تحميل المالكي المسؤولية في التقرير الخاص بالموصل، هو قول فيه الكثير من الصواب، فالاصرار على تحميل المالكي مسؤولية ما حدث لمجرد انه رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وفي ظل الظروف التي يعيشها العراق والتي عرجنا على جانب منها، سيجعل من السهل جدا تحميل شخصيات اسلامية كبرى في تاريخنا الاسلامي، مسؤولية انتكاسات واحداث مهمة شهدها هذا، لمجرد ان هذه الشخصيات كانت على جيوش وجماعات من المسلمين، بينما العصبية والاحقاد الجاهلية لعبت بعقولهم وقلوبهم، وباعوا انفسهم ودينهم بحطام الدنيا، فانقلبوا على اعقابهم، وخذلوا قادتهم.

من المؤكد ان المالكي ليس المستهدف، بل المستهدف هو الشعب العراقي وعمليته السياسية برمتها منذ عام 2003 ، فالهدف هو الانتقام من هذا الشعب، وخاصة الشيعة والاكراد، الذين فرحوا بازالة كابوس البعث عن صدر العراق، فاذا ما تمكنوا من المالكي اليوم، فمن المؤكد سياتي دور الحشد الشعبي، كما سيأتي دور بارزاني ومن ثم البيشمركة، فالعدو هو هو، لذلك اخشى ان يأتي اليوم الذي يكرر فيه الشيعة والاكراد المثل القائل "اُكلت يوم اُكل الثور الابيض".

نبيل لطيف - شفقنا