إنه والله غدر فيهم قديم

إنه والله غدر فيهم قديم
الإثنين ٢٨ سبتمبر ٢٠١٥ - ٠٧:٢٢ بتوقيت غرينتش

التكابر السعودي في التعامل مع مجزرة منى التي ذهب ضحيتها نحو 800 قتيل ، ونحو 1000 جريح ، ورفض السعودية السماح لوفد ايراني من التوجه الى مكة لمتابعة امور اكثر من 169 قتيلا ايرانيا ، واكثر من 300 مفقود ، يؤكد حقيقة واحدة ؛ ان هناك امرا مريبا قد حدث ، يحاول المسؤولون السعوديون بشتى السبل التغطية عليه ، كي لا يفتضح امرهم.

تصرف السعودية ، بدءا من خطاب ملكها حول مجزرة منى ، مرورا بتبرير مفتيها المجزرة ، وانتهاء بسلوكيات اصغر عامل في الاغاثة السعودية وتعامله الفج وغير الانساني مع جثث وجرحى الحجيج المتكدسة ، التي تركت لساعات تحت الشمس الملتهبة دون ان يقترب منها ، كل ذلك يكشف عن نواياها وموقفها من الحج وضيوف الرحمن.

الصلف والعناد والعنجهية السعودية ، والتي تعود الى الطبيعة البدوية لحكامها و رجال مذهبها الوهابي ، والتي وصلت الى اقصى مدياتها هذه الايام ، دون ان تؤثر فيها صور جثث نحو الف حاج ازهقت ارواحهم في دقائق معدودة ، بل على العكس تماما ، اخذتهم العزة بالاثم ، واخذوا يلقون مسؤولية مجزرة منى ، على الحجاج انفسهم ، دون ادنى خجل ، او شعور بالذنب ، او المسؤولية.

لو كان مسرح جريمة منى ، لم تكن السعودية ، بل في دولة اخرى ، لسقطت الحكومة فورا ، وتم تقديم المسؤولين عن المجزرة الى القضاء فورا لينالوا العقاب الذي يستحقون ، ولكن للاسف الشديد ، تعود السعوديون على ان يمر المسلمون من امام جرائمهم بحق الحجيج مرور الكرام ، بل ان البعض يفسرون ما يحدث ، خطأ ، بانه قضاء وقدر ، وان من حسن عاقبة هؤلاء انهم قتلوا في مكة.

ان العقد النفسية التي تعشعش في امراء ال سعود ، تظهر عادة بتجلياتها الاستعلائية الفارغة ، في تعاملهم مع الاخر ، عربيا كان ام اسلاميا ، وهذه التجليات تظهر بابشع صورها ، عندما يكون هذا الاخر ايرانيا ، فهنا تستثار كل نوازع الشر المتأصلة في شخصة امراء ال سعود ، ومنها الحقد الاعمى ، والثأر البدوي ، والشعور بالدونية ، والانتقام لمجرد الانتقام.

فبعد مرور نحو خمسة ايام على مجزرة منى ، مازال هناك اكثر من 300 مفقود من الحجاج الايرانيين ، الامر الذي يؤكد ان هناك ارادة سعودية لاخفاء شيء ما ، والا ما معنى ان يكون مثل هذا العدد الكبير من الناس مفقودا ؟، وتتزامن هذه الحالة المريبة مع اصرار سعودي ، في غاية الصلافة ، على رفض منح تاشيرات دخول لوفد ايراني برئاسة وزير الثقافة والارشاد الاسلامي للسفر الى مكة لمتابعة قضية المفقودين المريبة ، فلو كانت السلطات السعودية لديها ادنى القيم الاخلاقية والانسانية والاسلامية ، لكانت سمحت وعلى الفور للوفد الايراني بالتوجه الى مكة ، والاطلاع على ما جرى ويجري للحجاج الايرانيين ، وخاصة المفقودين منهم ، ولكن ماذا يمكن ان تنفع المشاعر الانسانية والقيم الاسلامية ، مع اناس يفتقدون الى الاثنين معا.

لا ادري كيف قفز الى ذهني ، وانا ارى مشهد جثث الحجاج متكدسة بعضها فوق بعض في منى ، بينما رجال الامن وعمال الاغاثة السعوديين ، ينظرون اليها دون ادنى تعاطف ، مشهد ال البيت (ص) واصحاب الحسين (ع) ،وهم مضرجون بدمائهم على ارض كربلاء ، تحيط بهم عصابة مجرمة لا تعرف الرحمة الى قلوبهم سبيلا.

لم اجد مقالة يمكن ان تصف حال رجال الامن السعودي ، والكثير منهم كان ينظر بشماتة الحاقد الى الحجاج الذي كانوا يجودون بانفسهم من الالم ، الا مقولة سيد الشهداء (ع) ، وهو يخاطب اتعس خلق الله ، بقوله : “تبا لكم أيتها الجماعة وترحا ! .. فهلا لكم الويلات .. فسحقا لكم يا عبيد الأمة ! وشذاذ الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثم ونفثة الشيطان ، ومطفئي السنن ، ويحكم ! أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون أجل والله غدر فيكم قديم ، وشجت عليه أصولكم ، تأزرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر ، شجى للناظر وأكلة للغاصب !”.

صدق حفيد رسول الله (ص) ، فلا يمكن فهم موقف ال سعود من الحجاج الايرانيين وغير الايرانيين ، الا من خلال فهم شخصية ال سعود المجبولة على الغدر والثأر الجاهلي والحقد والخيانة ، فوالله انه غدر فيهم قديم ، وشجت عليه اصولهم ، وتأزرت فروعهم ، فكانوا اخبث ثمر ..، الرحمة والرضوان لشهداء منى، والخزي والعار لال سعود.

وقبل ان اختم مقالي ، اود ان نقل قصيدة الشاعر العراقي احمد مطر، قالها بعد ان هزته صور ضحايا مجزرة منى :
ألفُ رُوحٍ أُزهِقَتْ
ذابوا … فلا مَن یُخبِرُ القِصّةَ
أوْ یسمعُ أقوالَ الشّهودْ
ربّما کانوا بقایا قومِ عادٍ
أُهلِکوا بِالرّیحِ
أوْ قومِ ثمودْ
وَ لأجلِ المَوکبِ المَلعونِ
فَلیسقطْ أبی فی زَحمةِ الحَجِّ قَتیلا
ولْتَعُدْ اُمّی إلى لطمِ الخُدود
اسْمعُوها جُملةً اَقومُ قِیلا:
اتْرُکوا إِبلِیسَ یَرتاحُ قَلیلا
وارْجُموا آلَ سَعُودْ !!

* جمال كامل / شفقنا