ضحايا بيروت وضحايا باريس

ضحايا بيروت وضحايا باريس
الثلاثاء ١٧ نوفمبر ٢٠١٥ - ١٠:٤٥ بتوقيت غرينتش

ساعات قليلة فصلت بين انفجارات بيروت وانفجارات باريس وتدفقت الدماء هنا وهناك وسقط الضحايا الغارقون فى دمائهم ولكن الاختلاف كان كبيرا جدا فى ردود الأفعال على مستوى العالم حتى جيران لبنان والأشقاء منهم..

اجتاحت أخبار باريس العالم كله، الفضائيات والصحف ووكالات الأنباء واهتزت الحكومات واجتمع مجلس الأمن وصدرت البيانات وتسابق رؤساء الدول فى الشجب والإدانة ولم يخرج بيان واحد أو يظهر رئيس واحد يدين ما حدث للشعب اللبناني..إن هذا يؤكد أن الدماء الأوروبية مازالت شيئا مختلفا عن الدماء العربية ورغم أن لبنان يحتل مكانة خاصة على خريطة العالم فهو دولة متحضرة ثقافيا وفكريا وفنيا وحتى طبيعة لبنان كانت دائما تضعه فى مصاف الدول المميزة وتاريخ لبنان فى تلاحم البشر كان صورة حية للتراحم الإنسانى ما بين الأديان والأجناس والأقليات، كل هذا لم يشفع للشعب اللبنانى لكى يأخذ اهتمام صحيفة أو فضائية أو حكومة من الحكومات ولكن باريس اهتزت لها أركان العالم لأن الضحايا غير الضحايا والدماء غير الدماء ولأن ضحايا باريس عيونهم زرقاء شفعت لهم، أما عيون لبنان فلا مكان لها فى دنيا الزيف والكذب..
ان الشىء الغريب أن العالم العربى تعامل مع الحدثين بتناقض شديد، خرج المسئولون العرب يدينون أحداث باريس ولم نسمع أحدا منهم أدان أحداث بيروت واتجهت كاميرات الإعلام العربى إلى شوارع مدينة النور وبقيت بيروت مدينة مظلمة أمام الإهمال وغياب الرؤي..مادام العالم العربى يتعامل بهذه الأساليب ومادام المجتمع الدولى يسلك هذه الطرق المقلوبة فإن هذا يؤكد ان العدالة الغائبة فى كل شىء سوف تفتح ألف باب للإرهاب .. حين تشعر الشعوب بالظلم وحين يشعر الإنسان بالقهر حتى فى ساعات موته فلا شىء يساوى بعد ذلك .. أحداث متشابهة وأرواح بريئة هنا وهناك ولكن حتى فى الموت هناك حسابات ومواقف ومصالح متعارضة.ان بيروت ليست اقل أهمية من باريس فكرا وجمالا وثقافة وشعبا ولكن لعنة السياسة هى التى توجت البعض وأسقطت البعض الآخر ولهذا كانت مأساة باريس على كل الشاشات والأخبار والدول وانزوت بيروت فى أحزانها.

• فاروق جويدة - الاهرام