بين الأناشيد الحماسية الخليجية وأغنية "جيبوتي" الايرانية!

بين الأناشيد الحماسية الخليجية وأغنية
الثلاثاء ١٢ يناير ٢٠١٦ - ٠٣:٤٦ بتوقيت غرينتش

جنون المراهقة والشباب أصبح يلقي بظلاله على القرار السياسي السعودي والخليجي بشكل عام والذي عرف فيما سبق بمواقفه المحافظة، وذلك مع هيمنة جيل الشباب ونهاية الزعامات والمشايخ المخضرمين.. فتحول الهدوء والسكون والوداعة والبحث عن الرفاه الى صخب وحروب ونزاعات وتورط بمؤامرات وخروج على الاعراف.. فشلت جميعها الى الآن ولم تأت للواقع العربي بغير الدمار.

وفيما عدى تحالفها العدواني ضد الشعب اليمني الذي سمته زورا بـ"التحالف العربي" واعلنت عنه من واشنطن والذي لم تشارك فيه سوى بضعة انظمة عربية هزيلة وموتورة، عجزوا جميعهم عن احتلال مدينة واقامة سلطتهم عليها (حيث تحولت مدينة عدن الى مرتع للجماعات الارهابية وساحة تصفية حسابات بين المرتزقة المتحالفين) فأضطر السعودية الحال الى استقدام مرتزقة بلاك ووتر وآخرين من كولومبيا وبنغلاديش والسنغال الى جانب مساكين الجيش السوداني الذي أصبح العوبة نزوات عمر حسن البشير... فأن تحالف السعودية الأخير ("الأسلامي" والذي وصفه الغربيون بـ"السني") والذي تبعه التصعيد والتحشيد السياسي والاعلامي ضد ايران، جعل السعودية وحلفائها اضحوكة.. فبعضهم لم تستشره عند ضمه لحلف عسكري وآخرون ردوا صراحة بأنهم لن يدخلوا في سياسة تحالفات عسكرية!

وعندما ترفض ولو بشكل مؤدب ودبلوماسي، بلدان مثل اندونيسيا وباكستان وتركيا (علما ان ايران والعراق وسوريا والجزائر مستثنيات من الأساس).. فماذا يبقي من العالم الاسلامي وقواه العسكرية غير جيبوتي وجزر القمر والبحرين وجزر المالدييف التي يتوقع غرقها خلال السنوات القادمة بسبب الاحتباس الحراري وارتفاع منسوب المياه!

شبه هذه الحالة تكررت مع القيادة السعودية "الشابة!" في غضون أقل من شهر عندما دعت العرب لمقاطعة ايران ومحاصرتها على خلفية الازمة الدبلوماسية بين البلدين أثر جريمة اعدام عالم الدين الشيخ نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية..
ففي وقت ينفتح العالم كله على ايران والوفود تترى على طهران من كل صوب وحدب.. لم يستجب للدعوة السعودية سوى البحرين التي تتهم ايران بدعم الحراك الجماهيري الذي انطلق ضد حكومة آل خليفة في احداث الربيع العربي والمستمر سلميا الى اليوم، والسودان الذي حظي على مدى 25 سنة بدعم ايران سياسيا واقتصاديا لتحسين أوضاعه المعيشية ومواجهة مخاطر التقسيم.. بالمناسبة حدثني صديق سوداني مقيم في طهران، فقال: راجعت السفارة السودانية في اليومين التاليين لقرار قطع العلاقات وسألتهم عن وضعهم؟ فاجابوا بانهم لم يبلغوا بالقرار من الخارجية السودانية، بل سمعوا به مثل بقية العالم من الاعلام.. وان الايرانيين لم يتخذوا ضدهم اي اجراء!

والثالثة جيبوتي.. وما أدراك ما جيبوتي! التي اصبح قرارها بقطع العلاقات مع ايران نكتة الشارع الايراني وسخريته، حتى ان بعضهم ألفَ اغنية (كليب) على ذلك وسماه "جيبوتي كجايي؟!"، أي "اين أنت يا جيبوتي؟!" والتي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وصور سخرية لاشخاص يبحثون عن جيبوتي على خريطة العالم!

أما الدول العربية الأخرى، خليجية أو من مستلمي المساعدات والهبات السعودية كالأردن فقد اكتفى بعضهم باستدعاء سفيره او تقديم احتجاج للسفارة الايرانية.. والايرانيون يدركون ان هذه المجاملات مع السعودية أمر طبيعي بين النظم الخليجية، ومن غيرهم لكي لا يطرد العمال وتنقطع الاستثمارات وتتوقف المساعدات والهبات...

بأختصار هذه الدول تضحك على الذقن السعودي الذي يتعلق بالقشة كالغريق، والايرانيون يدركون هذه الحالة ويستحسنوها.. وهي أن السعودية أصبحت اضحوكة جيبوتي وجرز القمر وباقي العرب...

هذا حال الدولة التي كانت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي أحد دعامتي السياسة الأميركية والغربية في الشرق الأوسط.. جعلها صبيان السياسة ومراهقوا السلطة أضحوكة.. كل مؤامراتها في المنطقة تتنقل من فشل الى آخر وبتكاليف سياسية ومالية كبيرة، وجيشها ومرتزقتها يقتلون في اليمن وترسانتها تفرغ واموالها تتناقص ـ يوما بعد يوم ـ ومشاريعها تتوقف والرياضة الاقتصادية والتقشف تفرض على مواطنيها، وأهم مؤسساتها الاقتصادية (أرامكو) معروضة للبيع.. وسط سخط شعبي متصاعد سببه ارتفاع قتلى العدوان على اليمن والارهابيين السعوديين في سوريا والعراق والخوف من تدهور الوضع الاقتصادي وتشديد اجراءات الأمن والقمع في مواجهة الاصوات المعارضة...

وفي ظل هذه الاجواء استجارالحكم السعودي من رمضاء سیاساته الصبیانیة بالنار العربیة التي یمثلها اسوء امین عام مرّ علی الجامعة العربیة وتاریخها.. نبیل العربي، الذي له "الفضل" في تدمیر سوریا مقابل 50 ملیون دولار قطري وصمت عن تدمیر العراق وساعد في تدمیر لیبیا وشارك هو ونظامه بالعدوان السعودي البربري علی الیمن وقمع الثورة في البحرین...

ونبیل العربي كما هو نظامه (نظام كامب دیفید) عاجز من أن یقدم للسعودیة ما عجزت عنه أمیركا وأوروبا.. والسبب هو ان المشكلة واللوثة في العقل السعودي، بینما مصر والأردن والمغرب والسودان تنظر فقط الی رقم "الشیك" السعودي وما في محفظة الامیر.. والا لو انتهی المال السعودي ستكون مصر والسودان والأردن أول من یطلب بثاراته من هذا النظام والمشاكل بینهم كثیرة من اسقاط الحكم الهاشمي في الحجاز وقتل الجنود المصریین في الیمن حتی تألیب الغرب ضد حكم عمر البشیر وصدور مذكرة توقیف ضده من محكمة الجنایات الدولیة...

هذا هو الواقع العربي الذي أضحت السعودیة وقطر والامارات تقوده بعد ان كان للعرب مكانتهم في السیاسة الدولیة رغم كل الانتكاسات التي تعرضوا لها في اواسط القرن الماضي.. كان امتلاك الرباعي (مصر والعراق وسوریا والجزائر) لزمام العالم العربي ووجود قیادات تاریخیة وثوریة، لها ماضیها وثقلها الجماهیري والاممي هو الرصید ورأس المال الذي حفظ للعرب كرامتهم ومكانتهم، قبل أن یعمل البدو والاعراب علی تدمیر الحواضر العربیة بالضبط كما تفعل نطفهم القذرة الیوم (القاعدة وداعش والنصرة) في تدمیر الماضي والحاضر والمستقبل.. لتسود ثقافة الصحراء والبادیة الخشنة والعنیفة والمنافقة علی ثقافة التحضر والمدنیة والتسامح والتعایش.

وفیما القنوات التلفزيونية السعودية والاماراتية والبحرينية تبث الأناشيد العسكرية والوطنية الحماسية وتشيد بقرار جيبوتي "العروبي الشجاع" في قطع العلاقات مع "العدو" الفارسي والرافضي الايراني.. يردد الايرانيون وهم يستقبلون وفودا من المانيا وفرنسا وبريطانيا واليابان والصين وجنوب افريقيا.. يرددون أغنيتهم "أين أنت يا جيبوتي.. جيبوتي أين أنت؟!"...

بقلم: علاء الرضائي


 

كلمات دليلية :