هكذا عدت حياً من خان طومان!

هكذا عدت حياً من خان طومان!
السبت ١٤ مايو ٢٠١٦ - ٠٥:٢٢ بتوقيت غرينتش

أجرت صحيفة "جام جم اونلاين" مقابلة مع حميد شير محمدي، أحد المستشارين الايرانيين المدافعين عن حرم اهل البيت (عليهم السلام) والذين شهدوا معارك خان طومان في حلب.. شير محمدي الذي أصيب في خان طومان تحدث في هذه المقابلة عن تفاصيل وقائع المعركة مع الجماعات التكفيرية المسلحة.. فقال:

"أنا حميد شيرمحمدي أبلغ من العمر 36 عاما، نجوت من معركة خان طومان بعد أن أصبت بنيران قناصة المسلحين التكفيريين، وكنت قد توجهت إلى سوريا طوعيةً في مهمة استشارية قبل خمسة أشهر دفاعا عن حريم اهل بيت النبي والسيدة زينب (عليهم السلام) دون أن أبلغ عائلتي مسبقا، وقد سقط عدد من رفاقي شهداء وجرحى بعد أن وقعت إحدى السرايا المشاركة في عملية تحرير خان طومان في فخ نصبه المسلحون التكفيريون"، هكذا بدأ شير محمدي اللقاء مع "جام جم اونلاين..    

وشيرمحمدي الذي لا يزال يعاني من آلام في الرأس جراء موجة انفجار وسقوط قذائف، كان له هذا اللقاء مع الصحيفة بالفارسية ونحن في قناة العالم الاخبارية نترجمه للقارئ العربي كي يتعرف على هؤلاء الابطال الذين يواجهون الارهاب التكفيري في سوريا.. وفيما يلي نص المقابلة:

لماذا صرت مدافعا عن الحرم؟

انا ابن شهيد.. والدي كان أحد افراد مجموعة الشهيد مصطفى جمران في الفدائية (خلال الحرب المفروضة على ايران التي استمرت ثماني سنوات 1980 ـ 1988) واستشهد في إحدى المعارك التي خاضتها مجموعة جمران عندما كنت رضيعا ذا اربعة اشهر.. كما استشهد عمي وانا ابلغ من العمر 6 سنوات.. ولا ازال اتذكر صورة جثمان عمي الشهيد في المغسلة والذي كان قد تحول الى اشلاء في جبهات القتال.. الشهادة كانت سبيلا سالكة في اسرتنا.. في تلك المرحلة كانت هناك فرصة لكي يذهب والدي وعمي للدفاع عن الوطن وينالا وسام الشهادة، إلا أنه لم تسنح لي أنا مثل هذه الفرصة.

هل كان هذا القرار السبب وراء ذهابكم آلاف الكيلومترات خارج حدود الوطن؟!

نعم.. انظروا ان ذهابي الى سوريا كان من اجل الانسانية ومن اجل النساء والاطفال الذين كنت اشاهدهم عبر مواقع الانترنت وشاشات التلفزة كيف يعانون ويأسرون.. كيف يستعبدهم ويبيعهم الارهابيون في سوق النخاسة. وأنا لا احتاج إلى المال.. حيث امتلك سيارة بي ام دبليو مكشوفة (سعرها في ايران اكثر من 500 مليون تومان)..

هل التحقت منذ ذلك الزمن بصفوف المدافعين عن الحرم؟

انا اصبحت مدافعا عن الحرم، لكن هل السيدة زينب (سلام الله عليها) بحاجة إلى الدفاع من قبل اشخاص مثلي؟ هي يجب أن تدافع عنا، وليس نحن ندافع عنها.. السيدة زينب (س) لها مدافع وهو السيد ابي الفضل العباس (ع).

ألم تفكر بعملك وعائلتك والوظائف التي كانت على عاتقك عندما اتخذت هذا القرار؟

بالتأكيد، لكن جميع هذه الامور كانت تشكل أولوية ثانوية بالنسبة لي.. في الواقع كان لي عمل ومسؤولية.. أنا اعمل موظفا في شركة قطار الانفاق (المترو) بطهران وفي نفس الوقت اشتغل في السوق الحرة.. من ناحية أخرى، لدي أسرة وبنت تبلغ من العمر 12 عاما اعشقها واحبها بكل وجودي وكياني...

ألم يعترضك أحد عندما قررت الذهاب؟

لا ، لم اتحدث مع احد، وبما انني كنت ناشطا في مؤسسات مختلفة بشكل طوعي فلم أقل لعائلتي بأنني ذاهب الى سوريا. قلت لدينا عمل تدريبي في مدينة مشهد المقدسة!

لكنك كنت تعرف بأنه قد يكون الوداع، وداعك الاخير؟!

نعم كنت اعرف، وتلك اللحظة كانت مؤلمة جدا بالنسبة لي، وخاصة كنت اذهب في طريق قد لا تكون رجعة فيه ابدا.. لكنني كنت أعرف جيدا إنهم سوف يعارضون ذهابي ان اخبرتهم بذلك.. وكان الشيء الوحيد الذي فعلته، ذهبت إلى مدرسة ابنتي وقلت لمديرتها، أنه قد تقرر لي أيضا ان اذهب الى سوريا.. ابنتي لا تعرف بالأمر.. إن استشهدت، احميها وقفي بجانبها.

تحدث لنا عن زمن وصولك الى سوريا؟

في الليلة الاولى التي وصلنا فيها دمشق استقر بنا المقام في أحد المقرات.. وذهبنا صباحا الى مرقد السيدة رقيه (س) ثم ذهبنا الى مرقد السيدة زينب (س) حيث قدم لي احد خدام الروضة الزينبية راية كهدية، وهي تذكار ثمين أحمله معي دائما.. وبعد الزيارة توجهنا الى حلب، وهناك ادركت معنى الحرب؟

لم يكن بالامكان مطلقا ان نطلق على حلب اسم المدينة، لانها كانت خربة كاملة ومع ذلك فإن السكان كانوا يعيشون هناك بشكل أو بآخر.. بعد حلب توجهنا نحو بلدة الحاضر حيث بدأ عملنا الرئيسي هناك.. في الأيام الأولى أجرينا هناك عدة عمليات صغيرة ومحدودة، حتى وصلنا الى تلك العملية الكبرى التي كانت قد رسمت لنا، أي عملية تحرير خان طومان وذلك بمشاركة ودعم القوات السورية والحليفة.

 كيف أتيت إلى الخط الامامي من وحدات الاسناد؟

وفق الأوامر لم يسمح لي بأن اتقدم الى الامام، فوضعت معدات وموادا غذائية في سيارتي وذهبت بالقرب من الخط الامامي لإيصالها إلى الوحدات المقاتلة.. في نفس الوقت كنت اسمع عبر جهاز اللاسلكي أصوات قاذفات الصواريخ من جانب القوات الصديقة.. حوالي الساعة الـ 10 صباحا سمعت خلف جهاز اللاسلكي صوت أحد القيادات رحمه الله.. للاسف فإن سوء تدبير بعض الوحدات وجهت لنا ضربة في خان طومان.. هم كانوا معنا ايضا في ذلك اليوم، لكنهم اخلوا التل الذي كانوا قد استعادوه، وبالتالي وقعت احدى السرايا في مرمى التكفيريين.

هل الوصول الى القوات المتواجدة في خان طومان كان سهلا؟

نعم، نحن كنا نراهم.. التلال في تلك المنطقة تطل على بعضها، بحيث يجعل من السهل رؤية الاشخاص من بين الشجيرات التي تنمو على هذه التلال.. كنا في الطريق نحو قائد المنطقة، للأسف أطلق صاروخ من نوع كورنيت تجاهه.. لقد رأينا استشهاد القائد.. ثم ذهبنا نحو الجرحى.. كنا نريد ان نعود بالجرحى الى الوراء.. حيث رأينا الارهابيين وقد فتحوا نيران القنص على الجميع.. فأرسلنا الجرحى إلى الوراء.. لم نتعرض هناك الى اطلاق نار من بنادق فقط، بل كانوا يطلقون علينا النار من المدافع المضادة للطائرات من عيار 23.

انتم ايضا تعرضتم للنيران في خان طومان؟

بالضبط، حتى أنني كنت قد اقول لنفسي، هنا الان مثل صحراء كربلاء.. لذلك عندما أسمع الآن في الأخبار ان المقاتلين وقعوا تحت الحصار، فمن صميم قلبي أفهم وادرك ما هي الظروف التي يعيشونها.

ما حدث بعد ذلك؟

لم يحدث شيء، لكن قوة الاسناد التي كان من المفترض ان تصل في الساعة 3 بعد الظهر لم تصل.. بقينا للحفاظ على التل مع ثمانية شبان آخرين، للأسف استشهد جميعهم إلا انا ومستشار آخر.. فالتكفيريون استهدفوا الجميع بالقناصة.

كيف نجوت من معركة؟

حقا لا أعرف.. كنا نسير حوالي خمسة أو ستة كيلومترات تحت نيران الرصاص إلى الوراء.. تعرضت كتفي اليمنى لرصاصة ورأسي أصيب بنيران قناصة لكنها لم تكن مميتة.. كنت أنزف بشدة.. في نفس الوقت سقطت قذيفة هاون بجانبي.. موجة الانفجار لا تزال تؤلم رأسي.. حتى وصلت في النهاية إلى حلب.. كنت في مستشفى حلب لمدة يومين وأدخلت في وحدة العناية المركزة وبعد يومين أرسلوني إلى ايران.

هل تحدثت مع عائلتك في المدة التي كنت في سوريا؟

نعم، تحدثنا عدة مرات عبر الهاتف.. طبعا الارقام لم تكن تظهر على الهواتف بحيث لم تكن زوجتي ووالدتي تطلعان من اين اتصل بهما.

وأخيرا، عندما وصلت مصابا إلى إيران، هل ابغلت أسرتك؟

نعم، طبعا شاهدت ابنتي بعد عشرة أيام.. اسمحوا لي ان اقول لكم شيئا عن علاقتنا.. في تلك اللحظة التي كنت قد اصبت فيها بالرصاص وكنت اعدو حتى أصل إلى القوات الصديقة، خطرت ابنتي ببالي للحظة.. هنالك ادركت بانه لا تزال لم تنقطع أواصر اتصالي بهذا العالم.. إذا لم تكن ابنتي تخطر في بالي، لربما كنت استشهد في نهاية المطاف بسبب كثافة النيران.

هل لا زلت تعاني من موج الانفجار؟

نعم.. في بعض الاحيان.. ولا سيما في الليل.. ولا زلت اسمع صوت قائد المنطقة وهو يناديني من جهاز الارسال!

3ـ 114