ماذا بعد ثلاثية سوتشي؟

ماذا بعد ثلاثية سوتشي؟
الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧ - ٠٤:٥٢ بتوقيت غرينتش

اليوم بوتين جمع كلاً من روحاني وإردوغان ليس لرسم خريطة جديدة لسوريا، وإنما لتحديد الكثير من الملامح المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط التي تريدها موسكو وطهران مستقرة وخالية من مظاهر الاٍرهاب وملبية لتطلعات شعوبها.

قبل أيام من إنعقاد القمة الثلاثية بين رؤساء كل من روسيا وإيران وتركيا في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود، شبهنا هذه القمة من حيث أهمية القرارات المنتظرة منها بمؤتمر يالطا الذي جمع في شباط/ فبراير عام 1945 ليس بعيداً من هنا قادة كل من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وبريطانيا الذين شكلوا إبان الحرب العالمية الثانية تحالفاً مناهضاً لألمانيا النازية. آنذاك جمع ستالين كلاً من روزفلت وتشيرتشل لرسم خريطة جديدة لأوروبا وتشكيل نظام عالمي جديد وتأسيس منظمة الأمم المتحدة.

اليوم بوتين جمع كلاً من روحاني وإردوغان ليس لرسم خريطة جديدة لسوريا، وإنما لتحديد الكثير من الملامح المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط التي تريدها موسكو وطهران مستقرة وخالية من مظاهر الاٍرهاب وملبية لتطلعات شعوبها. أما أنقرة التي تمر علاقاتها مع الغرب بواحدة من أسوأ مراحلها على مدى ربع القرن الأخير، فوجدت مصلحةً أكبر في حجز مقطورةٍ القطار الروسي الإيراني من الهرولة وراء الناتو واستجداء عضوية الاتحاد الأوروبي.

وبذلك يمكن القول أنه تشكلّت ملامح حلف تكتيكي يمتد جغرافيا من آسيا الوسطى فالقوقاز فشرق أوروبا فجنوب القارة العجوز مروراً بالبلقان فغرب آسيا ليستقر في قلب الشرق الأوسط بكل ما يملكه من مقومات اقتصادية وجيوسياسية. ولعل البعض يحتجون على تسميته حلفاً، ولكن ألم يطلق مصطلح حلف على الشراكة بين الاتحاد السوفييتي الاشتراكي وكل من أميركا وبريطانيا الرأسماليتين، عندما قررت تلك الدول رسم خريطة أوروبا في عام 1945؟

قمة سوتشي التي توقعناها أن تصبح تاريخية، غدت تاريخية فعلاً ليس فقط من وجهة نظر الانتقال إلى الحلّ السياسي في سوريا وإعادة الشرق الأوسط إلى حالة التوازن، وإنما من حيث توزيع الأدوار في الإقليم أيضاً. لا في الكلمات التي ألقاها الرؤساء الثلاثة أثناء القمة نفسها، ولا في كلماتهم بعد القمة ولا حتى في البيان الختامي لم يؤتَ على ذكر أي دور للولايات المتحدة أو التحالف الدولي الذي تقوده في أي شيء يتعلق بمستقبل سوريا. مستقبل سوريا يحدده السوريون أنفسهم – يجمع الرؤساء الثلاثة. الرئيس روحاني فقط جاء على ذكر واشنطن محملاً إياها قسطاً كبيراً من المسؤولية عن الكارثة السورية من خلال ما اعتبره دعماً للجماعات الإرهابية. واللافت أن إردوغان هو الآخر تحدث في هذا الاتجاه من دون أن يذكر أميركا بالاسم.

من هنا فإن كلاً من بوتين وروحاني وإردوغان يتعاملون مع التواجد الأميركي في سوريا على أنه ظاهرة مؤقتة بغض النظر عما يروج له الأميركيون أنفسهم. ويتوقع أن لا تبخل تركيا بأي جهد، لكي لا يطول البقاء الأميركي الداعم للأكراد في سوريا. ألا يفسر ذلك دواعي شراء أنقرة أنظمة صواريخ “أس -400” الروسية؟ يفسره بالتأكيد، لأن هذه الأنظمة صممت لاعتراض الطائرات والصواريخ الأطلسية بالدرجة الأولى.

وثمة همسات تطايرت في هواء سوتشي بأن إردوغان يمكن حتى أن يبحث عن سبيل للمصالحة مع الرئيس الأسد فقط ليضمن تفويت أي فرصة تعطي الأكراد دوراً ملحوظاً في سوريا. ولعل هذا تحديداً قد يفسر شائعات كادت تنتشر في كواليس القمة بأن الأسد لم يغادر سوتشي وأن بوتين يدبر لقاء يجمعه مع إردوغان، يا ترى هل هي شائعات فعلاً؟ وهل يجري الإعداد لشيء من هذا القبيل؟

النتيجة الأهم للقمة هو الاتفاق على عدم السماح بتفتيت سوريا وتقسيمها إلى كانتونات، والقضاء بشكل كامل على الاٍرهاب، وترجمة مبادرة بوتين حول مؤتمر الحوار الوطني السوري في أرض الواقع بأوسع مشاركة لمكونات المجتمع السوري. أما بخصوص قلق إردوغان من مشاركة الكرد في هذا المؤتمر فإن روسيا على ما يبدو ستعمل ما بوسعها لإيجاد صيغة توفيقية ترضي الأتراك والأكراد على حد سواء.

المؤتمر نفسه يراد له أن يعقد قريباً جداً، وَكما سمعنا في كواليس القمة، فإن الروس يعملون جاهدين لعقده في الثاني من كانون الثاني/ ديسمبر المقبل.

ولكن لماذا هذه المقارنة بين مؤتمر يالطا 1945 وقمة سوتشي 2017؟ لأن العالم سلّم نهائياً بتعددية الأقطاب، ولأن الصين ناهضة، ولأن تكتلات إقليمية مثل منظمة شنغهاي ومجموعة بريكس ومنظمة الأمن الجماعي والاتحاد الأوراسي وغيرها تشكلت كموازن للناتو المترهل وأميركا المتراجعة والاتحاد الأوروبي المتحلل. لذا فإن الثلاثي الروسي الإيراني التركي يغدو واقعاً ويستمد قدراته وأهميته من كل تلك المعادلات الإقليمية آنفة الذكر.

* سلام العبيدي - الميادين

2-104