الادارة على الطريقة "السلمانية"..عام مضى وهل أنجز شيئا؟

الادارة على الطريقة
الخميس ٢١ يونيو ٢٠١٨ - ٠٦:٤٣ بتوقيت غرينتش

في مثل هذا اليوم (21 يونيو/حزيران) من عام 2017، اعتلى محمد بن سلمان سدّة ولاية العهد في السعودية. تطوّر فتح الباب على تغيرات كثيرة وعميقة في البلاد، كان الأمير الشاب قد بدأ بالتخطيط لها منذ أن تم تدشين الحقبة «السلمانية» في المملكة.

العالم - السعودية

ومع مرور عام على تسلّمه منصبه الأهم، تبدو طموحات ابن سلمان وأحلامه بعيدة من التحقق، في ظلّ إخفاقات داخلية وخارجية تلاحقه على المستويات كافة، وتناقضات متفاقمة تنذر بأخطار كيانية على السعودية، التي لطالما شكّل التفسّخ البيولوجي أحد أكبر هواجسها.

عامٌ مرّ على عبور محمد بن سلمان العتبة الأخيرة نحو العرش، إثر إطاحته غريمه اللدود محمد بن نايف. كل ما عدا ذلك وتلاه من عمليات إطاحة كان حتمياً، بعدما ضمن ابن سلمان التأهل إلى مباراة العرش النهائية. ضربات متسلسلة وممنهجة سدّدها الأمير الشاب ضد الخصوم المباشرين والكامنين عن طريق ركلات الأوامر الملكية القاضية التي غيّرت المشهد السياسي للمملكة ونقلتها إلى سكة تاريخية جديدة، بما يتطلّب قراءة بالغة الجدّة. إذ إن ثمة تمزّقاً واسعاً لشبكة علائقية في أنسجة الدولة والمجتمع، سواء على مستوى العائلة المالكة، أو المؤسستين السياسية والدينية، أو القوى الاجتماعية التقليدية، أو الأنماط الاقتصادية، أو الأنسقة الثقافية والأدبية… بكلمة واحدة: هي مملكة جديدة.

هذه هي أهم الجولات التي خاضها ابن سلمان  في محاولة منه لكسب أراضِ جديدة، وبناء قاعدة جماهيرية ترى فيه “الفارس المنقذ”، وتأمل في اعتلائه للعرش السعودي.

العدوان على اليمن.. المستنقع الزلق

العدوان على اليمن الذي انطلق في 26 مارس (أذار) 2015، استجابة لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي بالتدخل عسكريًا، قاربت على إتمام شهرها الثاني والثلاثين، دون أية نتيجة عسكرية تُذكر، أو انتصار حقيقي ملموس على أرض المعركة.

خلفت تلك الحرب كارثة على المستوى الإنساني، إضافة إلى التدهور الحاد في اقتصاد اليمن – تشير التقديرات إلى أن 21 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية – بالإضافة إلى تفشي وباء الكوليرا في البلاد، حيث بلغ عدد المصابين بوباء الكوليرا منذ أبريل الماضي، حوالي نصف مليون مواطن يمني بحسب منظمة الصحة العالمية.

لم تترك الحرب أثرها على اليمن واليمنيين وحدهم، بل كبدت السعودية خسائر فادحة، بسبب كمائن انصار الله للقوافل العسكرية السعودية، وإسقاط قتلى ومصابين من الجانب السعودي، واجتياح انصارالله لحصون حدودية صغيرة، واستيلائهم على مواقع تابعة لحرس الحدود السعودي، وسيطرتهم على أجزاء كاملة من قرى غير مأهولة، مثل الربوعة في جنوب شرق عسير، وتوجيه الصواريخ إلى ساحل البحر الأحمر، بما في ذلك مدينتا الطائف وجدة، المحاذيتان لمكة المكرمة، بالإضافة إلى الصاروخ الباليستي الذي أطلق في مطلع الشهر الجاري على مطار الملك خالد شمال شرقي الرياض، علاوة على قيام الأمم المتحدة بإدراج التحالف بقيادة السعودية، على القائمة السوداء؛ لما تسبب فيه من مقتل وإصابة المئات من الأطفال والهجوم على مستشفيات ومدارس خلال العام الماضي.

أما بخصوص التكلفة الاقتصادية، فوفقًا للخبير والأستاذ في الجامعة اللبنانية جاسم عجاقة، فإن استمرار العمليات العسكرية في اليمن واتساع نطاقها، له تداعيات سلبية مزدوجة على أسواق واقتصادات الدول الخليجية، حيث إن هناك تداعيات اقتصادية ومالية، سببها الرئيس ما يمثله اليمن من امتداد لتجارة الدول الخليجية التي تعتمد اقتصاداتها بشكل أساسي على مبيعات مصادر الطاقة، وذلك عبر مضيق باب المندب.

وذكر موقع الخليج الجديد في تقرير له أن التقديرات غير الرسمية لتكلفة حرب اليمن، تتراوح بين 85 مليارًا و760 مليون دولار، إلى 87 مليارًا و560 مليون دولار، بما لا يشمل الخسائر غير المباشرة المتعلقة بتراجع الاستثمارات في السعودية على وجه التحديد، والزيادة في الإنفاق العسكري، والنقص في احتياطي النقد الأجنبي.

فيما قالت مجلة «فوربس» الأمريكية، بعد ستة أشهر من اندلاع الحرب، إن تكلفة الأشهر الستة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي أن التكلفة الشهرية تصل لـ120 مليار دولار، وقدرت دراسة أخرى، نشرتها مؤخرًا جامعة «هارفارد» الأمريكية، أن التكلفة اليومية للحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.

وعلى الجانب الآخر، وبسؤال بعض نشطاء المعارضة داخل المملكة، عن رأي الشارع السعودي في حرب اليمن، ذكر أحدهم لـ«ساسة بوست» أن غالبية الشعب السعودي مؤيد للحرب، خاصة مع استهداف الحوثيين للمملكة وإطلاق الصواريخ عليها، الأمر الذي سهّل من مهمة الإعلام الحكومي في الحشد للحرب وإظهار مدى أهميتها.

في حين صرح ناشط آخر لـ«ساسة بوست» أن الحرب الإعلامية الموجهة ضد المملكة زادت من ولاء الشعب وتأييده لكل خطوة تخطوها العائلة المالكة، خاصة وأن الاقتصاد السعودي لم يتأثر ألبتة بتكلفة الحرب. ثم استدرك المصدر قائلًا: «في البداية تأثرنا عند سحب البدلات، لكن منذ ستة أشهر، ونحن نعيش أفضل حالات الرفاهية، وفرص العمل صارت متاحة للجميع، كما انتشرت الشركات الناشئة والمطاعم والمولات بشكل كبير في العام الأخير، لدرجة أننا ننسى في العاصمة وجود حرب دائرة على بعد 12 ساعة منا».

الأمر الذي قد يُفسر شعبية ولي العهد في المملكة، فالاهتمامات السياسية تجيء في آخر لائحة اهتمامات المواطن، ما دامت بعيدة كل البعد عن «لقمة عيشه». هذا الأمر الذي أدركه ابن سلمان جيدًا، وعمل عليه؛ فكسب حرب اليمن، في نظر شعبه، في الوقت نفسه الذي يتجرع فيه مرارة الخسارة أمام العالم.

رؤية 2030.. الفقاعة الوطنية

في غضون 20 عامًا، سنكون دولة لا يعتمد اقتصادها بشكل رئيس على النفط.. محمد بن سلمان في حديثه عن رؤية 2030

لعقود طويلة، قام اقتصاد السعودية على الذهب الأسود، ثم اهتزت دعائم هذا الاقتصاد فجأة، عندما هبط سعر برميل النفط من 100 دولار إلى 30 دولار؛ مما تسبب في إحداث فجوة هائلة في الميزانية وتحديات اقتصادية خطيرة، الأمر الذي دفع الأمير الصغير للبحث عن مخرج من هذه المعضلة، فتفتق ذهنه عن «رؤية 2030»، التي تهدف إلى «تنويع وخصخصة ودفع الاقتصاد السعودي نحو الانفتاح، بعيدًا عن الاعتماد الكلي على استغلال عائدات النفط».

ففي الخامس والعشرين من أبريل عام 2016، وبعد أيام من ارتقائه أول درجة في السلم المؤدي إلى العرش السعودي، كشف الأمير محمد بن سلمان في لقاء حصري مع قناة العربية، عن رؤية السعودية 2030، وحقبة ما بعد النفط.

حيث تحدث عن وضع شركة «أرامكو» في الرؤية السعودية، والفائدة التي ستعم من طرحها في السوق والتخلي عن الإدمان النفطي – بحسب قوله – لافتًا النظر إلى العمق العربي والإسلامي للمملكة، بالإضافة إلى الموقع الجغرافي، الذي سيمكن السعودية – من وجهة نظره – من توفير فرص ضخمة للاستثمار والبناء، مؤكدًا أن الرؤية السعودية ستقوم بإعادة هيكلة الاقتصاد من أجل توفير الأموال لقطاع البنية التحتية، وذلك للعمل على حل المشاكل الهيكلية داخل الدولة، والتي أهمها مشكلة الإسكان والبطالة.

وتطرق ابن سلمان إلى عدم وجود صناعة عسكرية سعودية، بالرغم من أن السعودية تعد ثالث أكبر دولة في الإنفاق العسكري، كاشفًا عن خطة لاستغلال المعادن في السعودية في الفترة المقبلة، وإنشاء شركة قابضة للصناعات الحكومية العسكرية. هذا الأمر قد لاقى ترحيبًا كبيرًا من الإعلام المساند للدولة، ومن كافة القطاعات السعودية، التي رأت في هذه الرؤية طوق نجاة وسفينة للعبور من حقبة زمنية فائتة إلى المستقبل، بل وصل الأمر إلى مهاجمة أي صوت نادى بالتريث ودراسة المعطيات العامة في المملكة ومدى ملائمة الهيكل المجتمعي لأهداف هذه الرؤية، واتهامه بالخيانة والتخاذل وبث السم في الجسد السعودي الذي يأمل في النهوض.

لكن، ولأن الخطط الكبيرة لا تتحقق بالأمنيات، أو النوايا الحسنة، كشفت صحيفة «فايننشال تايمز» في سبتمبر (أيلول) من العام الجاري، النقاب عن مفاجأة كبيرة، تفيد بأن السعودية تعكف على مراجعة مبكرة وجذرية لـ«رؤية 2030» بعد حوالي عام من طرحها.

حيث قال مراقبون: «إن الخطة الموضوعة تتضمن أهدافًا مسرفة بالتفاؤل، تتناقض مع البيروقراطية التي تعشّش في مفاصل الدولة والمجتمع السعودي، وأن المراجعة الجذرية تشمل التخلي عن عمليات إعادة هيكلة بعض القطاعات الاستراتيجية، وتأجيل بعض الإصلاحات لمدة قد تصل لـ10 سنوات»، فيما صرح مستشارون للحكومة السعودية لفايننشال تايمز إن «هذه الخطوة المفاجئة تشكل اعترافًا صريحًا بأن الكثير من الأهداف الواردة بالرؤية كانت مجرد اندفاع مفرط، وأن الاعتراف بذلك قد يكون لها تأثير سلبي كبير للغاية على أداء الاقتصاد المحلي».

لتأتي هذه الأخبار، مطابقة لما سبق وأن قاله المحللون الاقتصاديون بُعيد إصدار الرؤية، عن عدم ملائمتها لأوضاع المملكة، على المستوى الاقتصادي، ومستوى الأفراد، فالرؤية الطموحة جدًا، قد تناست – بحسب محللين – واقع التعليم البائس في المملكة، وعدم قدرة المواطنين على التفكير باستقلالية، إضافة إلى انعدام الرقابة وتركيز السلطة في أيدي قلة.

يتوافق هذا مع  ما سبق وأن أشار له الكاتب البريطاني روبرت فيسك، في مقال له نُشر بعد إطلاق الرؤية، في صحيفة «الإندبندنت»، من أن الرؤية مغامرة جديدة غير محسوبة العواقب، لا تقل خطورة عن مغامرة الأمير الصغير في اليمن، مؤكدًا على أن الإحصاءات التي تحدثت عن أن الاحتياطي النفطي لدى المملكة 716 مليار برميل إحصاءات أسطورية، وأن الإصلاحات التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان، وإنشاء صندوق استثمار عالمي بقيمة 2 تريليون دولار، علاوة على  بيع أسهم في شركة النفط السعودية الحكومية «أرامكو»، ستذهب أدراج الرياح قبل وقت طويل من الموعد النهائي للرؤية في 2030، لكن الأصوات المهللة صمت الآذان عن كل ما يتعارض مع رؤية الأمير الصغير.

حصار قطر الذي لم يؤت أكله

في صباح الذكرى الخمسين لحرب النكسة، أعلنت كلٌّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات مع دولة قطر، وفرض مقاطعة شاملة عليها برًّا وبحرًا وجوًّا، ردًا على «دعمها للإرهاب، ولعلاقاتها مع إيران، والتدخل في شؤون جيرانها» بحسب ما قيل في التصريحات الرسمية. رفضت قطر هذه الاتهامات، جملة وتفصيلًا، وقالت في بيان رسمي إنها «الدولة الأكثر تأثيرًا بالإيجاب في المنطقة من خلال دعم القضية الفلسطينية، وتعليم اللاجئين، إضافة إلى أنها منحت الشباب الأمل، وأنها كافحت جذور الإرهاب بدور أكبر من مُعدّي بيان المُقاطعة».

وبالرغم من أن هذا الحصار كان يُرجى منه تكبيل قطر وضرب اقتصادها في مقتل؛ حتى تعود إلى رشدها بحسب دول المقاطعة؛ إلا أنه ترك بصمته أيضًا على الدول الخليجية المشاركة فيه، لا سيما المملكة والإمارات، حيث تسببت الأزمة الخليجية في خفض أسعار النفط العالمية إلى نحو 47 دولارًا للبرميل في نهاية تعاملات الأسبوع الثاني من يونيو (حزيران) الماضي، بنسبة انخفاض بلغت أكثر من 12% عما كانت عليه في شهر مايو (أيار) من العام نفسه.

الأمر الذي يشكل كارثة للرياض التي وضعت تصوراتها وفق سعر أعلى للبرميل، ودفعها لوضع خطة اقتصادية «رؤية 2030»، لا تعتمد فيها على البترول الذي يُسهم بأكثر من 50% من الناتج القومي، وتجدر الإشارة إلى أن قطر لا تتأثر بتلك الأزمة؛ لأن اقتصادها الفعلي قائم على الغاز، حيث إنها المُصدر الأول للغاز المُسيل في العالم.

أما المشاكل الاقتصادية الأخرى التي واجهت المملكة والإمارات، فتتمثل في كون قطر كانت تستورد 80% من معظم احتياجاتها الغذائية من جيرانها، الأمر الذي كان يعود بالنفع على اقتصاد هذه الدول، لكن وبعدما قررت السعودية قطع العلاقات ومحاصرة الدوحة، فقدت الشركات التجارية التابعة لها معاملاتها الاقتصادية  في الدوحة، وعلى رأسها شركة المراعي للألبان، حيث أوضح تقرير لشبكة «بلومبيرج» الاقتصادية، أن الشركة وصلت لأدنى مستوياتها بعد قطع العلاقات، ولا تزال تواجه نزيفًا من الخسائر.

أما من الناحية الدبلوماسية، فقد سبق وأن صرحت سفيرة الولايات المتحدة في الدوحة، بأن بلادها تدعم قطر، وأن هناك شراكة عظيمة بين البلدين، قبل أن تغرد عبر حسابها الشخصي على تويتر، بالإعلان عن تقديم استقالتها اعتراضًا على تصريحات ترامب بشأن تجاوزات الحكومة القطرية، وتقديمها دعمًا للإرهاب في المنطقة.

كما أعرب وزيرالخارجية الألماني عن رفضه لاستمرار حصار قطر؛ وذلك خوفًا من تسبب الأزمة في تراجع التبادل التجاري بين البلدين، والبالغ قيمته 2.5 مليار يورو سنويًّا. بينما وصف وزير الخارجية البريطاني الحصار بأنه «إجراءات تعسفية»، وطالب الدول بتخفيف الحصار عن قطر، وإيجاد حل فوري للأزمة من خلال الوساطة.

وفي الوقت نفسه، قامت تركيا بإرسال خمسة آلاف طن من المنتجات إلى قطر عبر 71 رحلة جوية، وأغرقت الأسواق القطرية بمنتجات الألبان واللحوم والمياه؛ حيث بلغت التعاملات القطرية التركية خلال شهر واحد، نحو 380 مليون دولار بارتفاع 724% في التعامل، فيما سنّ البرلمان التركي قوانين تسمح بنشر قوات تركية في قطر.

وبالرغم من كمية الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها جراء هذا الحصار، وتمثلت في هبوط مؤشر البورصة، وسحب الدولارات وقطاع الطيران، إلا أن قطر وبعد خمسة أشهر لا تزال صامدة أمام الحصار، ويبدو أن هذا الحصار لن يؤتي أُكُله سريعًا، كما كان يتمنى ابن سلمان.

توقيف الأمراء بتهم فساد.. عناد الأثرياء

في الرابع من نوفمبر الجاري، أصدر الملك «سلمان بن عبد العزيز»، حزمة أوامر ملكية، من بينها تشكيل لجنة لـ«حصر الجرائم والمخالفات في قضايا الفساد بالمال العام» برئاسة ابنه ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، ثم انتشرت الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وكالات الأنباء عن توقيف العديد من الأمراء والوزراء السعوديين؛ بتهم فساد وغسيل أموال وتقديم رشاوى. الأمر الذي لاقى قبولًا وترحيبًا كبيرًا بين قطاع عريض من الشعب السعودي، والذي كان يرى في سطوة نفوذ الكثير من الأمراء ورجال الأعمال أمرًا مقدسًا لا يمكن المساس به، آملين أن يطال التوقيف والتحقيق كلَّ المفسدين، مهما كانت مناصبهم وسلطاتهم.

وفي الوقت الذي رحب فيه معظم الشعب السعودي – حتى المعارض منه – بهذه القرارات، خرجت بعض الأصوات لتؤكد على أن ما حدث لم يكن حملة تطهير بقدر ما هي حملة لاجتثاث مراكز القوى ورؤوس المعارضة للأمير الصغير، خاصة وأن ثوب الأمير الصغير غير نظيف تمامًا.

ففي مقاله المنشور في صحيفة «النيويورك تايمز»، قال توماس فريدمان: «إن توقيف محمد بن سلمان للأمراء بدعوى مكافحة الفساد أمر فكاهي، لا يختلف عن مزحة إقامة ترامب لعدد من الوزراء بسبب الكذب». مشيرًا إلى عدم نصاعة ثوب الأمير الصغير الذي اشترى العام الماضي إبان عطلته في فرنسا يختًا يقدر ثمنه بـ550 مليون دولار، متسائلًا من أين أتى ولي العهد بهذا المبلغ الطائل؟

وقالت صحيفة الـ«واشنطن بوست» في تقرير نشرته بعد حملة مكافحة الفساد بداية الشهر الجاري: إن قرار إعفاء «عادل الفقيه» وزير الاقتصاد والتخطيط وعضو المجلس الرقابي السعودي من منصبه، ربما ينعكس على الاستثمارات الدولية في السعودية. فيما عقب «جريجوري جوس» رئيس قسم الشؤون الدولية في كلية بوش للخدمات العامة والشؤون الحكومية في جامعة تكساس، (إيه آند إم)، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن «موجة الاعتقالات تمس صميم قضية الاستثمار»، ووصف توقيت الاعتقالات بأنه «محيرٌ».

وأضاف «جوس» قائلًا: إذا كان هذا تعريفًا جديدًا للفساد في السعودية، فإن الأمر سيستغرق وقتًا طويلًا كي يكتشف المستثمرين الأجانب حقيقة ما يحدث، وفي هذه الأثناء سيكون المستثمرون حذرين بشأن الاستثمار، في الوقت الذي تتمحور رؤية 2030 على محورين أساسيين هما: نمو الاستثمار وتنمية القطاع الخاص.

فيما تتواتر الأنباء من فندق الـ«ريتز كارلتون»، حيث يقبع الأمراء الموقوفين، عن وجود صفقات معروضة على المعتقلين تعرض الحرية مقابل التخلي عن جزء من ثرواتهم، حيث ذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز نقلًا عن مصادرها الخاصة، أن الصفقات المعروضة على الأمير الوليد بن طلال والملياردير وليد الإبراهيم، وصلت لطلب التنازل عن 70% من ثرواتهم من أجل توجيهها لخزانة البلاد المستنزفة، وأكدت صحيفة وول ستريت أن الأمير محمد بن سلمان يزور بصورة يومية فندق الريتز كارلتون ويرأس لجنة التحقيق مع الموقوفين.

وبسؤال أحد النشطاء الإصلاحيين داخل المملكة عن ردة فعل الشعب السعودي على أخبار الاحتجاز والتوقيف بحق الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، يقول المصدر لـ«ساسة بوست»: إن هذه الحملة لاقت قبولًا كبيرًا من الشعب الذي شعر للمرة الأولى أن لا أحد فوق القانون، وأن من سرقوهم وتسببوا في خسارتهم لأموالهم بالمضاربة في البورصة – إشارة إلى الأمير الوليد بن طلال – قد وقعوا أخيرًا تحت طائلة القانون بغض النظر عن ألقابهم أو مراكزهم الاجتماعية.

وبعد مرور حوالي شهر على بدء حملة مكافحة الفساد، وبالرغم من كل الشائعات التي تقول بتنازل بعض الموقوفين عن بعض أموالهم مقابل الحرية، وبالرغم من تجميد الأرصدة في البنوك، إلا أن هذه الحملة لم تُسفر – حتى الآن – عن شيء ملموس، ولم يُرد ريال واحد من الأموال المنهوبة – بحسب توصيف لجنة مكافحة الفساد – إلى خزينة الدولة السعودية.

الأزمة اللبنانية.. قطاع من أهل السنة معادي للرياض

في محاولاته المستميتة لكسب التأييد الشعبي وبناء قاعدة جماهيرية عريضة تدعم اعتلائه للعرش، دون أدنى معارضة أو تذمر، يميل الأمير الصغير إلى الظهور بمظهر «المدافع عن مصالح المملكة وشعبها في الداخل والخارج»، بدءًا من إطلاقه لرؤية 2030، ومرورًا بالعدوان على اليمن، وحصار قطر، ومكافحة الفساد وتوقيف أمراء ووزراء، وانتهاءً بخبر استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي أعلنها من العاصمة السعودية الرياض.

وفي تقرير لمنصة ستراتفور الإخبارية، حمل عنوان، «في لبنان:  السعودية تسعى للمستحيل» ، ذكر أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حاول تفكيك التأثير الإقليمي لإيران على أمل إعادة تأكيد السيطرة على المناطق التي تعتبرها مجالات للنفوذ السعودي، لكن على الرغم من جهود السعودية، فإن المملكة تفتقر إلى المقومات السياسية والأمنية لمنافسها الإيراني؛ مما يجعل فشلها في لبنان أكثر احتمالًا.

في الوقت ذاته كتب المعارض السعودي جمال خاشقجي في مقاله بصحيفة الواشنطن بوست أن المملكة خلقت لنفسها مشكلة جديدة مع واحد من أقوى حلفائها، سنة لبنان، حتى إن السنة ينسجمون الآن مع الطوائف المختلفة، وبعضهم غير ودي تجاه الرياض، ويطالبون بعودة «الحريري».

وبحسب خاشقجي فإن اندفاع بن سلمان لمعاداة لبنان الآن، يقف وراءه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يعادي إيران، وحزب الله التابع لها، وأن زيارة جاريد كوشنر صهر ترامب السرية للرياض في آخر أكتوبر الماضي، ومن ثم رحلته لفلسطين المحتلة، تشير إلى أن الأزمة اللبنانية المفتعلة، قامت إرضاءً ترامب الذي يشترك مع ابن سلمان في عداوة إيران.

أما بعد عودة سعد الحريري إلى لبنان، وإعلانه تعليق استقالته تجاوبًا مع طلب الرئيس اللبناني، وعدم تعليق المملكة على هذا الخبر، وتعامل الحريري كما لو كان محتجزًا بالفعل في المملكة، ومن ثم إعلانه عن احتمالية سحب استقالته بسبب الأجواء الإيجابية، فإن الأمير الصغير لم يخسر هذه المعركة فقط،  بل خسر أيضًا – بسبب هذه الخطوة غير المحسوبة – حليفًا كان يكن له الولاء ويمكن التعويل عليه، بعد الحملة التي تم شنها على حلفاء الحريري.

لا تدار الدول بالنبوءات، كما لا تسقط بها، ولكن تجارب التاريخ تزوّدنا بدروس في هيئة نبوءات عن العوامل الضالعة في التفسّخ البيولوجي للدول على اختلاف أحجامها. إن قائمة الخيبات خلال عام من تسلّم ابن سلمان ولاية العهد، وإمساكه بخيوط السلطة بصورة كاملة، هي من النوع الذي ينطوي على أخطار كيانية. فهاجس التفسخ البيولوجي للمملكة لم يبرح دوائر صنع القرار في السعودية، وهو الآن يزداد توهّجاً. وفي نهاية المطاف، لا مفرّ من يوم خُطَّ بالقلم، يحصد فيه ابن سلمان خيباته.

106-1