محاولات للإسكان الدائم والقسري للبدو

محاولات للإسكان الدائم والقسري للبدو
الأربعاء ٠١ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٨:١٦ بتوقيت غرينتش

قصة يمكن سماعها من بدو سيناء، مفادها انه بأمر من الله، لم يذبح إبراهيم إسماعيل، وذبح كبشًا بدلاً عنه. الدم الذي سفك سقطت نقاط منه على الأرض، وهكذا نشأت مصادر المياه التي هي هبة من الله.

العالم - صحف عبرية

قالت عالمة الأنثروبولوجيا التي طلبت عدم ذكر اسمها، هي لم تسمع قصة مشابهة لدى البدو الفلسطينيين. هؤلاء أيضًا تربوا على الانضباط الأخلاقي والعملي، لأن مصادر المياه مثل الوديان والينابيع، هي من الله، ويجب عدم تخصيصها وتسييجها ومنع الآخرين من الوصول إليها. ولأنها أملاك عامة، يجب الحرص على استخدامها بطريقة معقولة، فالخيام لا تنصب على ضفاف الوديان أو قرب الينابيع، بل على بعد بضعة مئات من الأمتار عنها، لعدم تلويثها أو ردع الآخرين من الوصول إليها.

آبار جمع مياه الأمطار التي حفرها البدو في محطاتها الثابتة هي قصة أخرى، ولأنهم من أنشأوها فهي آبار خاصة. في سنوات الخصب، عندما تمتلئ الآبار وتستمر مياهها حتى الصيف، حينئذ يمكن توزيع المياه على الآخرين أو بيعها، أما في سنوات الجفاف فإن البئر تخدم العائلة فقط. الارتباط بالبئر يحدد موقع الخيمة: سفح تل، وهناك يتجمع قدر كبير من مياه الأمطار.

في شتاء 1972 لم تكن مياه الأمطار كافية، هذا ما بينته رسالة رسمية كتبها في أيار/مايو من السنة نفسها الملازم عزرئيل دافيد، مساعد شؤون القرى للقائد العسكري لمنطقة رام الله، ولرئيس قسم الاقتصاد وضابط المياه في قيادة أركان الضفة الغربية، «تبين لي أن هناك نقصًا شديدًا في المياه التي يحتاجها البدو في منطقة رام الله، وإليكم مواقع الآبار التي هي بحاجة ملحة لملئها»…، كتب. بعد ذلك فصل نقاط تموقع الـ 12 بئر ـ آبار لعائلات ممتدة من قبيلة الكعابنة وقبيلة الجهالين (هو يتعامل مع عائلة عرعارة ـ صرايعة كقبيلة منفصلة، في حين أنها فرع من قبيلة الجهالين). الآبار المذكورة والتجمعات البدوية الموجودة قربها، توجد على جانب شارع أريحا - القدس، وحزما، وشارع الطيبة - أريحا. في السنوات اللاحقة وفي جنوب الضفة، تم تزويد البدو بالمياه بصورة منتظمة بواسطة ربطها بشبكة المياه. في 12 شباط 1976 أرسل ضابط المخصصات المائية في قيادة الضفة الغربية تفصيلا عن فواتير استهلاك المياه للبدو في منطقة يهودا إلى مساعد رئيس قسم الاقتصاد، على سبيل المثال أم الخير ـ 994 ليرة، وحاش أو درج ـ 1428 ليرة.

الاهتمام بتوفير المياه يدل على أن الحكم العسكري أدرك أن أحد مهماته حسب القانون الدولي هو تأمين الحاجات الأساسية للسكان المحليين، ولكن في الوقت نفسه فإن قادة عسكريين بتوجيهات من المستوى السياسي في حكومة المعراخ، تسلوا منذ بداية السبعينيات ببرامج توطين البدو، أي وقف نمط حياة الترحال والرعي بين محطتين ثابتتين (في المناطق العالية صيفًا والمناطق المنخفضة شتاء) وتوطينهم في مواقع ثابتة، هذا ما تظهره وثائق عسكرية من السبعينيات وبداية الثمانينيات، والتي توجد في الأرشيف العسكري. وحتى 1981 فإن معظم الوثائق كانت سرية أو محدودة النشر في حينه، إذ لا تفصّل أسباب توجه توطين البدو في المناطق المحتلة من العام 1967، وإنها عرضت تجاه الخارج كـ «مسيطر عليها مؤقتًا» من قبل "إسرائيل". من العام 1975 هناك وثيقة فريدة تتعلق بالوزير "إسرائيل غليلي".

هذه الوثائق تظهر تواصل في التخطيط الإسرائيلي، على خلفية برامج التوطين التي تحاول الإدارة المدنية فرضها الآن على الجهالين والعشيرة المنبثقة عنها أبو داهوك في منطقة الخان الأحمر، ونقلهم بالقوة إلى الجبل، وهو موقع شبه حضري قرب مكب النفايات في أبوديس.

في العام 1997 نقلت إلى هناك قسرًا عائلات من عشيرة السلامات، وذلك للتمكين من توسيع «معاليه أدوميم». عندما لم تتحقق المخططات السابقة من بداية السبعينيات، نفذ منذ ذلك الحين في المنطقة تقليص متواصل لمجال الرعي وإمكانية كسب الرزق للبدو، بواسطة منع وصولهم إلى مصادر المياه، والإعلان عن «مناطق رماية»، ومحميات طبيعية، وتدريبات. منذ ذلك الحين ورغم أنفهم، وجدت حوالي 25 تجمعًا بدويًا أنفسها بين القدس وأريحا تعيش فعليًا في مناطق ثابتة ومحدودة في مساحتها، وفي ظروف عيش قاسية تزداد صعوبة، دون مصادقة "إسرائيل" على إضافة خيام سكنية وحظائر، أو حتى مدارس وعيادات طبية.

الوثائق الصامتة

في شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 1971، تم تبادل رسائل كثيف بين عدد من الضباط في منطقة رام الله، وكان موضوعها توطين البدو. وقد وجهت الرسائل إلى رئيس قسم الإقتصاد في قيادة الضفة الغربية الذي لم يذكر اسمه، وضابط المهمات الخاصة، وضابط شعبة البدو الذي كان في حينه النقيب "يغئيل جلعادي". وقد كتب الرسائل ضباط مختلفون في قيادة الأركان: ضابط الأشغال العامة، وضابط المياه، والقيم أو المسؤول عن أملاك الغائبين والأملاك المصادرة من الكيان الاسرائيلي، والمسؤول عن تطوير المياه في وزارة الزراعة، وقد بحثوا عن مواقع مناسبة لتجمعات من القبيلتين الأساسيتين في المنطقة، الكعابنة والجهالين. وقد حسبوا تكاليف شق شارع والربط بمصادر المياه المتوفرة، ثم تحدثوا عن استثمار رخيص نسبيا، وعن تكاليف عالية جدًا للمشروع المقترح. في كانون الثاني/يناير 1972 التقى نائب القائد العسكري، الرائد موشيه ليفي، مع مخاتير التجمعات الأربعة (أبو داهوك ليست من بينها) في منطقة رام الله، وأبلغهم عن المواقع الثابتة التي اختيرت من أجلهم، وتم تحديد جولة مشتركة في تاريخ 11 كانون الثاني، ولكن بعد حوالي نصف سنة ظهرت الصعوبات.

في 27 تموز/يوليو 1972 كتب المقدم موشيه كلدمان، قائد منطقة رام الله، لرئيس قسم الاقتصاد: «قبل بضعة أيام أرسلت لمساعدك تقريرًا يبين أننا فشلنا في محاولتنا توطين البدو في خط المستوطنات الواقع على سفح الجبل، على ضوء ما تم الاتفاق عليه في هذا الشأن، من أجل توفير تكاليف التوطين». يبدو أنه كان للقيم عدد من الصعوبات في تحديد (كما يبدو، أراض ليست خاصة)، ومن وثيقة سابقة من الواضح أنه كان للقيادة معارضة على جزء من مواقع التوطين، ولكن في الأساس: «عند الفحص مع رؤساء القبائل، تبين أنهم جميعًا يعارضون الانتقال من أماكنهم إلى خط المستوطنات، خوفًا من التورط مع القرى وصعوبات في الرعي». بسبب الخوف من المشاكل مع سكان القرى مالكي الأراضي والرغبة في مواصلة إدارة نمط حياة الرعي، مطروح اليوم أيضًا من بين مطالب عائلة أبو داهوك تمكينها من إنشاء سكن دائم لها في الموقع الحالي في الخان الأحمر.

في تلك السنين، قرأ الضباط الاستعراض الذي يتكون من تسع صفحات الذي كتبه ايلان هجلعادي، وهو يفصل أسماء القبائل وفروعها (العشائر) التي تعيش في الضفة الغربية حسب المناطق، وشرح عن تاريخها في البلاد. وفي الجهالين، قال: لقد جاءت من شرق الأردن في نهاية القرن السابع عشر أو بداية القرن الثامن عشر، مشيرًا إلى طردهم من النقب بعد 1948، ثم ذكر عدد قطعانهم، ومن يعمل في القدس من بينهم، وأي نزاعات موجودة بين العشائر أو القبائل، ومن هم المخاتير.

استعراض هجلعادي يشير إلى أن الكثير من التجمعات البدوية أيضًا تقوم بفلاحة الأراضي وتربية الحيوانات الأليفة، وهي توجد في عملية متقدمة قبيل عملية التوطين. جزء من التعميم في الإستعراض يدلل أيضًا على الكاتب: «البدوي يتمتع بمستوى مرتفع من الجشع… ومن حيث النظام فهو يطلب معيارًا مختلفًا في المضمون، فإذا ما وجد فيه الصدق والاستقامة فإنه يحترمه من أعماق قلبه… ومن أجل كسب ثقة البدوي فأنت بحاجة إلى الصبر وإلى فترة تواصل مكثفة، ولكن عندما تحظى بثقته يصبح التعامل معه سهلا وبدون اعتراض».

في 10 كانون الأول/ديسمبر 1975، الرائد راني لنغر، رئيس مكتب قائد المنطقة الوسطى، أشار إلى أنه بناء على طلب الوزير "إسرائيل غليلي" من قائد المنطقة، يجب إعداد ورقة عمل حول «الأماكن التي تتركز فيها التجمعات البدوية في الضفة الغربية… في السياق المذكور أعلاه، مطلوب توصيات لمنحى توطين ثابت للتجمعات المذكورة، من خلال خلق دوافع لذلك، في الأماكن نفسها التي لا تعيق ولا يتوقع أن تضر مستقبلا بخطط الاستيطان». في حينه كان على الأجندة مستوطنات في غور الأردن وفي «معاليه أدوميم». مرت خمس سنوات وخطط التوطين راوحت في مكانها (باستثناء توطين قبيلة الرشايدة في جنوب بيت لحم). هل فهم الضباط أن النقل بالإكراه وبسرعة لإستيطان ثابت يناقض نمط حياة البدو؟ الوثائق تصمت.

سواء مع علاقة أو بدونها، في 14 كانون الأول 1975 قدم المستشرق الدكتور موشيه شارون توصيات توطين لرئيس قسم الاقتصاد الدكتور افرايم احيران، على أساس ورقة العمل بخصوص البدو التي كتبها قبل بضعة أشهر. الجهالين التي فرعاها الأساسيان، الدواهيك والسلامات، «يتجولون في جنوب منطقة رام الله وشمال منطقة بيت لحم، هم الأكثر إشكالية»، قال شارون، لكنه لم يفسر لماذا. شارون كتب أنه على قناعة بأن هناك استخدامًا للبدو في مهمات أمنية جارية من المراقبة وقص الأثر بشكل خاص في منطقة ترحالهم، وهي مناطق يمكن أن تستخدم كمناطق انتقال للأشخاص الذين يقومون بأعمال تخريبية معادية. ورغم التطرق الوظيفي لهم في اقتراح التوطين، يبدو أن شارون ما زال يرى أمام ناظريه الحفاظ على التجمع كتجمع رعاة مع فضاء ما للرعي وإمكانيات تربية الأغنام وتحسين القطعان.

مشكلة حكومية

الوثائق التي توجد لدينا تقفز إلى العام 1981، أي بعد أربع سنوات على سقوط حكومة المعراخ. في شهر أيار قدم د. شارون استعراضًا طويلا وأكثر تفصيلا عن البدو في الضفة الغربية، والذي أرسل للنشر بصورة واسعة تشمل الحكام العسكريين في المناطق المختلفة وضباط الشباك المختلفين. «البدو يوجدون في كل مناطق يهودا والسامرة، قال، لكنهم يشكلون مشكلة حكومية».

في ثلاثة منها فقط هي: الخليل، وبيت لحم، ورام الله، وهذه المرة ذكر التوطين بصورة صريحة وفي سياق المستوطنات الإسرائيلية. في تطرقه لعشيرة السلامات من قبيلة الجهالين الذين يوجدون في قرية العيزرية - أبو ديس، كتب: «المشكلة الرئيسية التي تخلقها الجهالين تتمثل في حقيقة أنهم استولوا على مناطق مخصصة للإستيطان ومحاذية لها». يبدو، حسب رأيه، أن حقيقة وجودهم هناك قبل الاستيطان لا تعطيهم حقوقًا. من جهة أخرى، هو يعترف أن أبو داهوك يعانون من نقص سريع في مناطق الرعي، مثل تجمعات بدوية أخرى في منطقة رام الله. التداعيات الأمنية التي تهمه: معاداة أبو داهوك ل"إسرائيل" تزيد (هو يفترض) بسبب «حقيقة أن جزءًا كبيرًا من مناطق الرعي تم الاستيلاء عليها لحاجات الاستيطان».

شارون يقترح مواصلة تشجيع البدو بدون فضاء رعي (ديرة) للسكن في القرى، وهي عملية بدأت قبل بضع سنوات في الرام وجبع، ويقترح أيضًا إيجاد منطقة دائمة بدل خيام الصيف والشتاء للجهالين. المستشار العسكري ينتصر على الباحث ويكتب: «من أجل تسهيل العملية في أوساط أبو داهوك، سيفحص طاقم البدو ـ على ضوء النزاعات في القبيلة - إمكانيات تجزئتها عن طريق تعيين مختار آخر». في أيلول 1981 واصل النقيب اريئيل تسوبري، ضابط الإشراف على البدو، طريق شارون. هو يعرف أنه منذ الخمسينيات وعائلة الدواهيك تنتشر بين بيت حنينا وشعفاط في الصيف، وقرب شارع أريحا - القدس في الشتاء. ويقترح تركيزهم: 500 نسمة، حسب تقدير د. شارون، في مكان واحد هو شرق قرية جبع (التي تقع شرق رام الله). والمكان موجود اليوم تحت سيطرة البؤرة الاستيطانية آدم.

وحسب تسوبري، فإن الإعلان عن المنطقة كأراضي دولة أو احتلالها للأغراض العامة مقرون بإجراءات قانونية طويلة ومعقدة، ومن شأنها أن تثير معارضة سكان القرى في المنطقة. أما الخيار الثالث وهو المفضل لديه فـ: نقل البدو إلى منطقة غير مستخدمة من قبل أي جهة قانونية بخصوص مكانة الأرض. والقول للبدو إنهم لا يستطيعون مواصلة العيش على محور حزما - معاليه أدوميم، وأن عليهم الإنتقال إلى المنطقة الجديدة.

توصيات شارون وتسوبري كتبت بعد سنتين، عندما قدم أحد أعضاء نواة «كفار أدوميم»، اوري اريئيل (في بداية 1979)، للجيش، خطة لإخلاء البدو من المنطقة التي تسمى الآن «غوش ادوميم»، وإقامة ممر من الاستيطان اليهودي المكتظ وتحديد مناطق البناء في البلدات والقرى الفلسطينية.

  • عميره هاس - هآرتس