عرش التحالف الأمريكي يلتئم على أشلاء المدنيين

عرش التحالف الأمريكي يلتئم على أشلاء المدنيين
السبت ١٠ نوفمبر ٢٠١٨ - ١٠:٤٤ بتوقيت غرينتش

لم تمض سوى أربعة أيام على جريمته في إستهداف منطقة "السوق الجديد" في بلدة هجين شرق مدينة دير الزور السورية، بقنابل مصنعة من الفوسفور الأبيض المحرم دوليا، حتى قام التحالف الأمريكي بارتكاب جريمة أخرى في هجين ليوقع 26 قتيلا ويبقى عشرات المدنيين الجرحى عالقين رهن الأنقاض ومنازلهم المهدمة فوق رؤوسهم.

العالم- سوريا

والأهم من ذلك ان طيران التحالف لن يكتف بغارة او غارتين بل عاد ليكرر هجماته الجوية على المناطق الآهلة بالسكان والمنكوبة بالقصف لأكثر من عشر مرات في أوقات متقاربة كي لايتمكن المسعفون من انقاض من حالفهم الحظ بالبقاء حتى وان كانوا مصابين بجروح بالغة.

مصادر ميدانية أكدت ان التحالف الأمريكي "غير الشرعي" تعمد قصف المنازل والأسواق المحلية، متذرعا بأنه يشك في إختفاء عناصر جماعة داعش الإرهابية فيها، وإتخاذها درعا بشريا ليستمر على قيد الحياة لفترة اطول.

وبدورها تقوم الجماعات الإرهابية بدءا من جماعة داعش وأخواتها أمثال جبهة النصرة وما يسمى بـ "القوات السورية"، و"قوات درع الفرات" بإستغلال الإتفاق التركي الروسي حول مدينة إدلب وضواحيها، وايجاد مناطق منزوعة السلاح فيها، أو على اقل تقدير، خفض التوتر فيها، ليهاجموا قوات الجيش السوري وحلفائها من قوات التعبئة الشعبية والمقاومة في سوريا، ما إضطر الجيش السوري للرد على الإعتداءات بشكل متناثر.

إلا أن استمرار الهجمات ووقوع قتلى وجرح بين صفوف القوات العسكرية السورية والقوات الحليفة لها، وضع الجيش السوري امام خيارين لا ثالث لهما. وهما إما أن يقبل الجيش السوري بالوضع السائد ويبقى يقدم الضحايا تلو الضحايا، وإما ان يقدم على حل يعالج الوضع السائد بعد الاتفاق الهش الذي وقعه الرئيسان الروسي والتركي بشأن ادلب وإيجاد مناطق منزوعة السلاح فيها.

وبما أن الصبر على الخيار الاول بات من المستحيل، إضطر الجيش السوري ان يفكر بفتح جبهات اخرى للتصدي للجماعات التي لم ترضخ لإتفاق سوتشي.

لكن من حق المراقبين ان يتساءلوا ما هو السر في استفحال الجماعات الإرهابية في شمال وشمال غرب سوريا، حتى اضطر الجيش السوري للتفكير بفتح جبهات متعددة في تلك المناطق؟

سؤال تجيب عليه التطورات الإقليمية المتسارعة إذا ما القينا نظرة سريعة عليها. وفي هذا الإطار يرى الخبير العسكري كمال الجفا أن سوريا من حقها ان تفتح جبهات في ريف حلب وحماة الغربي والشمالي لتعرف الجماعات الإرهابية حدودها وتقف عند محاذيرها هناك، قبل ان تواجه الجيش السوري مباشرة كما فعل الأخير في منطقة شرق السكة جنوب غرب مدينة حلب العام الماضي وأجلى الجماعات الإرهابية منها.

أما استفحال الجماعات المسلحة في التطاول على الجيش السوري ومواقعه في شمال وشمال غرب سوريا يأتي لعدة اسباب يمكن التطرق لأهمها وهي:

  • إنشغال تركيا ببعض التطورات الدولية والإقليمية وعلى رأسها مقتل الصحافي السعودي الناقد لآل سعود جمال خاشقجي على اراضيها.
  • عدم إلتزامها بالإتفاق الذي وقعته مع روسيا في سوتشي حول ادلب، وإيجاد مناطق خفض التصعيد منزوعة السلاح في ادلب ومحيطها.
  • زيادة الضغوط الأمريكية على تركيا بسبب عدم استجابتها لقطع التعاون مع ايران واللحاق بركب المقاطعة الأمريكية لإيران.
  • تنامي الخلافات السعودية التركية حول مقتل الخاشقجي. حيث إستغلت الجماعات الإرهابية إنشغال تركيا بالقضايا الآنفة الذكر وراحت توسع هجماتها في شمال وشمال غرب سوريا،وبالتحديد محافظتي حلب وادلب.

على صعيد آخر يرى المراقبون أن هذه الأوضاع المتأرجحة في سوريا، تسببت في تذويب الإتفاق التركي- الأمريكي حول منبج، وتنامي رقعة معارضي إتفاق سوتشي، ما ادى الى ظهور المزيد من الضغوطات على روسيا وسوريا بشكل متساو، بحيث لم يعد بإمكانهما عمل اي شيئ سوى الصبر على التصرفات التركية غير المتزنة لإمتصاص العنجهية والغرور اللذين يسيطران على الرئيس التركي الحالي رجب طيب اردوغان.  

لكن هذا لا يبرر الإعتداءات التي تقوم بشنها الجماعات الارهابية أمثال جماعة النصرة الإرهابية وأخواتها على الشعب والجيش السوري، ما دفع الأخير للتفكير بفتح جبهات جانبية ضد الجماعات الإرهابية كما فعلت تركيا من قبل للبسط سيطرتها على شرق الفرات، لتقديم الدعم العسكري واللوجستي لحليفاتها التي تسميها بـ "قوات درع الفرات" في الشمال السوري.

ومن ناحية اخرى اصدر الرئيس السوري بشار الاسد مطلع الاسبوع الماضي مرسوما يقضي بإصدار عفو عام لكل المهجرين الذين شردهم إرهاب الجماعات التكفيرية، بمن فيهم مشردو مخيمي اليرموك والركبان، ما حمل بعض الإرهابيين للتخفي بين الحشود العائدة الى داخل البلاد، خاصة تلك الجماعات العائدة من الأراضي التركية، حيث قامت جماعات غفيرة من إرهابي النصرة وأخواتها بالتخفي ضمن العائدين والقيام بمهاجمة مواقع الجيش في المنطقة المنزوعة السلاح بموجب اتفاق ادلب في ريف حماة الشمالي، ومحور الزلاقيات، حيث إضطر الجيش السوري للرد عليها وبالتالي قرر إعادة غلق معبر مورك يوم أمس الجمعة، بعد فتحه قبل بضعة أيام.

وتبقى أهداف التحالف الأمريكي وهجمات الجماعات الارهابية على المناطق الآهلة بالسكان والمواقع العسكرية للجيش السوري، محاولة منهم لقتل اكبر عدد من السوريين والقوات السورية التي تعارض استمرار حضور الجماعات الارهابية على الارض السورية، إضافة الى ان قصف المدنيين ومساكنهم، حتى لو لم يؤد إلى وقوع قتلى أو مصابين، فإنه بإمكانه ان يدمر مساكن السكان ليشكل عبئا آخر على الدولة السورية، ناهيك عن مضاعفة معاناة الشعب السوري من الحرب التي تستنزف طاقاته كل يوم.

*عبدالهادي الضيغمي