"شهر العسل" بين امريكا وفرنسا يكاد ينتهي!

الإثنين ١٢ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٤:٥١ بتوقيت غرينتش

يرى بعض المحللين بأن الزيارة التي قام بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الى فرنسا للمشاركة باحتفالات الذكرى المئوية لهدنة الحرب العالمية الأولى في العاصمة باريس، هي مؤشر بانتهاء شهر العسل الامريكي - الفرنسي في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين أوروبا وواشنطن. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين تأتي هذه الفكرة؟

العالم-تقارير

احتفلت العاصمة الفرنسية باريس، بإحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى والتي تعرف بـ"الذكرى المئوية للهدنة" نسبة للهدنة التي تم التوقيع عليها بين ألمانيا والحلفاء في الحادي عشر من نوفمبر عام 1918 في بلدة كوبيانيي الفرنسية.

ماكرون يدعو الى نبذ الانطواء والعنف والهيمنة

وحضر الاحتفال نحو 70 رئيس دولة وحكومة من حول العالم، منهم زعماء الدول الكبرى التي كانت محورية خلال الصراع العالمي، ومنهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلادمير بوتين، وكذلك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان"، في تجمع حذّر من خلاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من النزعة القومية ودعا إلى نبذ "الانطواء والعنف والهيمنة" وخوض "المعركة من أجل السلام"، في وقت يتصاعد التوتر بين أوروبا وواشنطن.

وألقى ماكرون خطابا في المناسبة قال فيه: "دعونا نتذكر! يجب ألا ننسى (...) بعد مئة عام مذبحة لا تزال آثارها مرئية امام العالم (...) دعونا نوحد آمالنا بدل أن نضع مخاوفنا في مواجهة بعضها".

وانتقد ماكرون النزعة القومية التي يؤيدها ترامب مرارا وقال إن "الوطنية هي نقيض القومية تماما. القومية هي خيانة" الوطنية.

وقال أمام حشد شمل الرئيسين الأمريكي والروسي "بإمكاننا معا التصدي لهذه التهديدات المتمثلة في شبح الاحتباس الحراري وتدمير البيئة والفقر والجوع والمرض وعدم المساواة والجهل". 

وعُقدت لقاءات مختلفة بين زعماء العالم على هامش اجتماعات باريس حيث رصدت وسائل الاعلام مواقف وتصريحات هامة بشأن السلام العالمي، الا ان تصرفات وتصريحات ترامب اثارت الكثير من الاعجاب. 

ترامب يشعل عبر تغريدة حربا كلامية مع ماكرون

وكان ترامب اشعل حربا كلامية مع نظيره الفرنسي ايمانوئل ماكرون، منذ وصوله إلى باريس، الجمعة، حيث ندد بتصريحات ماكرون إلى إنشاء "جيش أوروبي حقيقي"، للدفاع عن القارة العجوز.

وغرّد الرئيس الأمريكي "لقد اقترح الرئيس ماكرون إنشاء جيش اوروبي بوجه الولايات المتحدة والصين وروسيا". وأضاف: "هذا مهين جدا، لكن ربما يجب على أوروبا أن تسدد أولا مساهمتها في حلف شمال الأطلسي الذي تموله الولايات المتحدة إلى حد كبير".

ويحض ترامب بانتظام الدول الاوروبية الاعضاء في الحلف الاطلسي على زيادة نفقاتها العسكرية معتبرا ان واشنطن تدفع قسما كبيرا من ميزانية الحلف.

دعوة ماكرون لإنشاء جيش أوروبي بوجه امريكا

وكانت العديد من وسائل الإعلام، نقلت عن ماكرون قوله في مقابلة مع إذاعة "اوروبا 1"، الثلاثاء، "نتعرض إلى محاولات اختراق في الفضاء الالكتروني وتدخلات في مجالات أخرى في حياتنا الديموقراطية" مضيفا "علينا أن نحمي أنفسنا عندما يتعلق الأمر بالصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة". 

وتابع ماكرون "عندما أرى الرئيس ترامب يعلن قبل عدة أسابيع أنه سينسحب من معاهدة مهمة لنزع السلاح تم توقيعها بعد أزمة الصواريخ في أوروبا في منتصف الثمانينات، فمن الضحية الرئيسية؟ إنها أوروبا وأمنها". 

ودافع ماكرون خلال حديثه عن فكرة قيام "جيش أوروبي حقيقي" يوفر لأوروبا استقلالية استراتيجية، ما يعني أن القارة لن تعود بحاجة إلى الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمنها. 

ودفعت الضبابية بشأن دعم ترامب حلف شمال الأطلسي الذي اعتمدت أوروبا عليه منذ الحرب العالمية الثانية العديد من العواصم الأوروبية إلى إعادة تقييم احتياجات القارة الأمنية. 

بدوره، هاجم أحد الأعضاء المؤسسين لحزب الرئيس الفرنسي ريشار فيران الرئيس الأمريكي عبر "اوروبا 1" مشيرا إلى "الجانب العدواني" للتغريدة التي نشرها ترامب عن ماكرون. 

وشبه تصريحات ترامب بـ"كلام بائع جوال يسعى بوسائل عدة للترويج لبيع الأسلحة الأمريكية في وقت نحاول ضمان أن تكون أوروبا (...) قادرة على الدفاع عن نفسها وإنتاج أسلحتها" لتحقيق ذلك. 

لكن بعد لقائه ماكرون، ادعى ترامب أن بلاده تريد "أوروبا قوية" ومستعدة لمساعدة حليفتها، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه "على أوروبا أن تكون عادلة عندما يتعلق الأمر بتقاسم عبء الدفاع". وردا على سؤال عما قصده من التغريدة، قال ترامب: "نريد أن نساعد أوروبا لكن عليها أن تكون عادلة. الإسهام حاليا يقع بشكل كبير على الولايات المتحدة".

وفي مقابلة مع قناة "سي ان ان" الأمريكية، الأحد، وجه ماكرون، رسالة لترامب حين قال: "أفضّل دائمًا إجراء نقاش مباشر أو الإجابة عن الأسئلة بدلاً من صنع دبلوماسيتي من خلال التغريدات".

وانتقد ماكرون في المقابلة التي أجراها باللغة الانكليزية بحسب مقاطع منها، الاتجاهات القومية لترامب، بشكل ضمني، قائلا: "إن الوطنية هي النقيض تمامًا للقومية". "القومية هي خيانة للوطنية. من خلال قول مصالحنا أولاً ... نمحو ما تحبه أمة ما، وما يعطيها للحياة، وما تتمتع به من نعمة، وما هو أساسي بالنسبة لها: قيمها الأخلاقية".

وقال الرئيس الفرنسي، ان على أوروبا ان "تبني استقلالية" دفاعها بدلا من شراء الأسلحة من الولايات المتحدة. وأوضح ماكرون "لا اريد رؤية الدول الاوروبية ترفع من ميزانيات الدفاع لشراء أسلحة أمريكية أو أخرى أو معدات من إنتاج صناعتكم" مضيفا أنه "اذا زيادة ميزانيتنا، فالغرض بناء استقلاليتنا".

التغريدة تشكل دافعا اضافيا لإقامة جيش اوروبي

من جهته اعتبر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير، الاثنين، ان التغريدة العنيفة لدونالد ترامب حول الدفاع الاوروبي تشكل "دافعا اضافيا" لإقامة جيش مشترك للاتحاد الاوروبي، مشددا على ضرورة ان تؤكد أوروبا "سيادتها".

واضاف ردا على سؤال لاذاعة فرنسا الدولية، "عندما نقرأ هذه التغريدة فانها (تشكل) دافعا إضافيا لإقامة هذا الجيش الأوروبي الذي يقترحه إيمانويل ماكرون".

بيد ان الوزير أضاف أن السؤال اليوم "ليس ما نرد به على ترامب بل ما لدينا نحن الأوروبيين من إرادة وما نحن قادرون على فعله".

ورغم إستياء الرئيس الأمريكي لدعوة ماكرون الى إنشاء جيش أوروبي، رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالدعوة ورأى في ذلك فكرة جيدة لتعزيز التعددية في العالم.

وقال بوتين، "إن أوروبا كيان اقتصادي قوي… وبشكل عام، فإنه من الطبيعي أنهم يريدون أن يكونون مستقلين، ومعتمدين على أنفسهم، وذات سيادة في مجال الدفاع والأمن".

الاتحاد الاوروبي يعمل على تشكيل جيش موحد

وبدأ الاتحاد الاوروبي العمل على تنفيذ خططه بتشكيل جيش اوروبي عقب قرار بريطانيا البلد الذي يلعب دورا رئيسيا في الدفاع، الخروج من الاتحاد.

وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني في كلمة القتها في وكالة الدفاع الاوروبية في وقت سابق انه “في المشهد العالمي المتغير، فان اوروبا تصبح قوة لا غنى عنها بشكل متزايد”، و “هذا هو الوقت المناسب بحسب اعتقادي لتولي مسؤولياتنا والاستجابة للدعوة للامن، ولن نتمكن من القيام بذلك الا اذا كنا وحدة حقيقية”.

ودعا رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر مرارا الى ضرورة تشكيل “جيش اوروبي” بينما نشرت موغيريني استراتيجية عالمية طموحة لتحويل التعهدات بزيادة التعاون الى حقيقة.

بدوره وجّه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك إنتقادات حادة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإتهمه بأنه ضد "أوروبا موحدة وقوية" وقال: للمرة الأولى في التاريخ، لدينا إدارة أمريكية تفتقد الحماسة، وهذا أقلّ ما يمكن قوله، حيال أوروبا موحدة وقوية.

ميركل تنتقد سياسة ترامب وتحذر من النزعة القومية

وفي منتدى "باريس للسلام"، الذي انعقد شرق العاصمة الفرنسية، التقى قادة وممثلو منظمات غير حكومية ومستثمرون واعضاء المجتمع المدني لبحث الحوكمة العالمية مع رسالة سياسية واضحة لصالح المقاربة المتعددة الأطراف التي تشكل المرتكز الايديولوجي للعلاقات الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وإنتقدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في المنتدى من سياسات ترامب بشكل ضمني وحذرت خلاله من أن النزعة القومية "ضيقة الأفق" مازالت تجد لها أرضية تقف عليها في أوروبا وغيرها، كما حذرت من خطر تشكيك البعض في "مشروع السلام الأوروبي".

وقالت ميركل أمام الحضور: "معظم التحديات اليوم لا يمكن أن يحلها بلد واحد بل نحن جميعا، ولذا فنحن بحاجة لنهج مشترك" في هذا الاتجاه.

وأضافت: "إذا لم تجد العزلة نفعا قبل مئة عام، فكيف لها اليوم أن تترسخ في مثل هذا العالم المترابط؟".

ترامب لم يحضر منتدى باريس للسلام وغادر لواشنطن

ومن بين القادة الذين استمعوا لكلمة ميركل، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فيما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يحضر المنتدى وغادر باريس إلى واشنطن بعد وقت قصير من بدء المنتدى.

كذلك حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من وجود أوجه شبه بين ما نعيشه اليوم ومطلع القرن العشرين وثلاثينيات القرن الماضي من جهة أخرى ينذر بخطر "وقوع سلسلة أحداث لا يمكن التكهّن بما يمكن أن ينجم عنها".

وفي مقال نشر الأحد في صحيفة "جورنال دو ديمنش"، كتب جيم يونغ كيم رئيس البنك الدولي أن "النظام المتعدد الأطراف أساسي لتنمية وتمويل جهود مكافحة تهديد التغير المناخي".

لكن أول من يرفض هذا النموذج في الحوكمة دونالد ترامب اختار عدم المشاركة في المنتدى الذي يستمر حتى الثلاثاء.

يذكر ان اوروبا ومع تسلم الرئيس الامريكي دونالد ترامب مقاليد السلطة في امريكا باتت تخشى من تنفيذ ترامب وعده بـ “امريكا اولا” ما يؤدي الى خفض العلاقات بين واشنطن وحلف شمال الاطلسي والاتحاد الاوروبي والتي طبعت النظام السياسي الغربي منذ الحرب العالمية الثانية.

انتقادات لرفض ترامب زيارة مقبرة الجنود الأمريكيين

ومن النكسات الاخرى، التي شهدتها زيارة ترامب الى فرنسا، كان موقفه المضحك من جدول الزيارة، الذي كان يتضمن زيارة مع زوجته ميلانيا على متن مروحية إلى المقبرة الأمريكية في بوا بيلو، التي كانت ساحة معركة وتضم الان قبورا لجنود المارينز الذين حاربوا القوات الألمانية في 1918، الا ان ترامب الغى ذلك بسبب الطقس الماطر! وبقي في الفندق.

وقال البيت الأبيض في بيان إن "رحلة الرئيس والسيدة الأولى إلى المقبرة والنصب الأمريكيين في اين-مارن، ألغيت بسبب مواعيد وصعوبات لوجستية ناجمة عن الطقس".

وأوفد ترامب نيابة عنه كبير موظفي البيت الأبيض الجنرال جون كيلي ورئيس الأركان المشتركة الجنرال جو دانفورد إلى المكان الذي يبعد 80 كلم شمال شرق باريس.

وتعرض ترامب لانتقادات لاذعة بسبب سلوكه غير المألوف، حيث رأى البعض في عدم ذهاب ترامب إلى بوا بيلو ما ينم عن عدم احترام للجنود الأمريكيين الذين حاربوا وقتلوا في الخنادق. فيما اعتبر آخرون، السبب الرئيسي وراء الغاء ترامب الزيارة، هو خشيته من ان يتبعثر شعره!.

ولاحظ آخرون أن المطر لم يمنع الرئيس ايمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية انغيلا ميركل أو رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو من زيارة نصب تكريمية.

ولكن نيكولاس سومس، عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين وحفيد ونستون تشرتشل غرد قائلا “ماتوا في مواجهة العدو فيما ذلك البائس غير المؤهل دونالد ترامب لم يتمكن حتى من تكريم الذي سقطوا في المعركة”.

وقالت مجموعة الضغط فوتفيتس التي تضم قدامى المحاربين "اشتكى دونالد ترامب لاضطراره للوقوف في المطر للتحدث عن المجزرة في بيتسبرغ، لان ذلك بعثر شعره (أكثر)".

وأضافت "اليوم سيمتنع عن تكريم أبطال امريكيين سقطوا في الحرب العالمية الأولى وسيبقى في غرفته في الفندق بسبب بعض المطر".

وقارن البعض بشكل سلبي بينه وبين سلفه باراك أوباما.

وغرّد المسؤول السابق في البنتاغون آدام بليكستين "بعكس ترامب، فإن بعض المطر لم يمنع الرئيس أوباما عن تكريم أبطالنا الذين سقطوا في الحرب في ذكرى قدامى المحاربين". ونشر مع التغريدة صورة لأوباما حاملا إكليلا من الزهر في ذلك اليوم الماطر.

وأعلن البيت الأبيض بعد مغادرة الرئيس الامريكي فرنسا الى بلاده، بأن ترامب أجرى "مناقشات مثمرة" مع عدد من الزعماء العالميين في باريس، على هامش فعاليات إحياء الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، وذلك غداة تغريدة لترامب على تويتر وصف فيها اجتماعاته واتصالاته في باريس بـ"المثمرة للغاية" للولايات المتحدة الامريكية.