تطورات المنطقة "منزوعة السلاح" شمال سوريا.. وتداخل الاجندات

تطورات المنطقة
السبت ١٧ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٣٨ بتوقيت غرينتش

بعد اتمام شهرين على توقيع "مذكرة التفاهم" الروسية ــــ التركية المعنية بمصير إدلب ومحيطها، لم يتغيّر واقع المنطقة "منزوعة السلاح" المفترضة كثيراً، فيما عدا الهدنة الهشّة التي ما مرّ عليها يومٌ من دون خروقات.

العالم - تقارير

فالجماعات المسلحة التي كانت تنتشر على طول خطوط التماس ــــ وبعمق 15 كيلومتراً ــــ لا تزال في مواقعها من دون أي انسحابات؛ بل على العكس، استغلّت صمت المدافع لتعزيز خطوطها الدفاعية وتدريب عناصرها، ولا سيما في الريف الشمالي لكل من حماة واللاذقية.

ومنذ إعلان أنقرة انتهاء سحب السلاح الثقيل من المنطقة "منزوعة السلاح"، دخل تنفيذ نقاط "المذكرة" الأخرى مرحلة جمود لا نهاية واضحة لها. وبدأت تركيا تُركّز على مستقبل شرق الفرات، كأنها تفترض أن المهمة الموكلة إليها لتنفيذها في إدلب قد انجزت.

ورغم تماهي الموقف الروسي خلال الشهرين الماضيين مع السردية التركية، وجدت موسكو نفسها مضطرة إلى التأكيد أخيراً أن "فك الارتباط" بين الفصائل المسلّحة التي تضمنها وترعاها تركيا وبين تلك الإرهابية، لم يتمّ برغم الجهود التي يبذلها الجانب التركي.

ووسط التوتر المتنامي على أطراف منطقة "خفض التصعيد" في محيط إدلب، باتت الأنظار تتجه إلى روسيا، لبيان خطوتها المقبلة تجاه شريكتها الضامنة لتنفيذ "اتفاق سوتشي"، تركيا، وخاصة أن دمشق أكدت سابقاً على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم، أنها "تنتظر رد الفعل الروسي على ما يجري في إدلب... لكنها لا يمكن أن تسكت على استمرار الوضع الراهن فيها إذا ما رفضت جبهة النصرة الانصياع لهذا الاتفاق".‏

والتزمت وحدات الجيش السوري التهدئة في الميدان، برغم انقضاء موعد إنشاء المنطقة "منزوعة السلاح" منذ شهر، مع ردّها المباشر على كل خروقات الجماعات المسلحة. وكان آخر تلك الانتهاكات للهدنة، أمس، عبر هجوم مسلحين من عدة فصائل على نقاط الجيش قرب قرية السرمانية في ريف حماة الشمالي الغربي، وعلى مواقع في أقصى ريف اللاذقية الشمالي الشرقي. وأسفر الهجوم عن استشهاد عدد من مقاتلي الجيش، قبل أن يرد الأخير باستهداف مدفعي لنقاط المسلحين المقابلة.

وشاركت في الهجوم عدة جماعات مسلحة؛ بينها ما تسمى "حرّاس الدين"، في خرق واضح لنص اتفاق سوتشي الذي يفرض انسحابها خارج حدود الخمسة عشر كيلومتراً منزوعة السلاح. وخلال الأيام الماضية، حرصت ما تسمى "هيئة تحرير الشام" على عرض زيارات بعض قادتها لخطوط التماس في ريف اللاذقية وإدلب، في مناطق يفترض أن تكون محظورة عليها وفق الاتفاق نفسه.

الارهابيون يزرعون المنطقة بالكيميائي

في غضون ذلك تؤكد تقارير إعلامية ودبلوماسية أن المواد الكيميائية السامة تم نشرها في محافظة إدلب بشكل مدروس منذ توقيع اتفاق سوتشي.

كما ذكرت التقارير أنه إلى جانب امتلاك المواد الكيميائية، قامت "جبهة النصرة" بتزويد "داعش" والتنظيمات "الأجنبية الآسيوية" بهذا السلاح ليتوزع في جبهات المحافظة وعلى أطراف المنطقة منزوعة السلاح.

وبدراسة هذه التقارير خلال الشهرين الأخيرين فقط، يمكن استخلاص مجموعة من الاستنتاجات البادية للعيان، فزيادة عن استغلال الجماعات الإرهابية نظام وقف إطلاق النار الذي فرضه اتفاق سوتشي والمتضمن إقامة منطقة منزوعة السلاح في محيط إدلب، يمكن ملاحظة إصرار تنظيمي جبهة النصرة و"الخوذ البيضاء" على إقامة شبكة من المستودعات الصغيرة للمواد الكيميائية تتوزع على الشريط الجغرافي داخل المنطقة منزوعة السلاح بما يحفظ لهما المتطلبات اللوجستية لافتعال استفزازات سريعة تحت الطلب بالمواد الكيميائية السامة عند اشتعال أية جبهة من جبهات أرياف حلب وحماة وإدلب مع الجيش السوري، تمهيدا لاتهامه بشن هجمات كيميائية تستدعي التدخل الغربي الذي يتقن تصنيع مبرراته لشن ضربات ضد سوريا.

كما يمكن ملاحظة أن عمليات شحن المواد الكيميائية إلى مناطق عدة، منزوعة السلاح، باتت أقل مداراة على المستوى الأمني، وهذا الأمر قد يكون مقصودا تماما لتمرير رسالة إلى صندوق بريد الجيش السوري وحلفائه فحواها الاستعداد التام من قبل تنظيمي "النصرة والخوذ البيضاء" للقيام باستفزازات كيميائية حال قيامه بشن أي هجوم على مواقع التنظيمات الإرهابية، وهو ما تعتقد تلك التنظيمات بأنه كاف لحثّ الجيش السوري على التفكير مليا قبل الهجوم، فوفق التجارب السابقة كانت تلك الاستفزازات كافية لتقديم الذريعة لوقف عملياته العسكرية ولو مرحليا استعدادا لتلقي ضربات "التحالف الأمريكي" بعدما أضحت الاستفزازات الكيميائية بمثابة "مسمار جحا" الذي يتيح له استهداف الجيش السوري للتخفيف من اندفاع عملياته.

وهذه الاستنتاجات تنسجم بالفعل مع اعتقاد بعض أجهزة المخابرات الأجنبية بأن الاستفزازات الكيميائية ستوفر الحماية "الدولية" لتنظيمات الإرهابيين الأجانب الذين تم توطينهم في أرياف إدلب خلال السنوات السابقة، والذين لا مكان لهم في مستقبل إدلب، ولا تشملهم أية تسوية سياسية تنتهي ببسط الدولة السورية سيطرتها على المحافظة.

وبحسب التقارير المذكورة، فإن هيئة تحرير الشام الواجهة الحالية لتنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي بالاشتراك مع الجماعات المسلحة الموالية لها، ومع تنظيم الخوذ البيضاء، نشرت عبوات الكلور والسارين على جبهات المنطقة منزوعة السلاح في ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي، وفي ريف إدلب الشمالي الشرقي عند الحدود الإدارية مع محافظة حلب، وفي ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، من خلال تسليمها هذا السلاح لتنظيمات داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية.

كما تشير التقارير إلى أن كميات من غاز الكلور يتم إنتاجها محليا في المحافظة بتقنيات غربية وتحت إشراف خبراء أجانب، بريطانيين وشيشانيين وأتراك، ويدعم ذلك تقارير سابقة نشرتها وزارة الخارجية الروسية عن استخدام الإرهابيين لتقنيات غربية لإنتاج المواد السامة.

لقاء مرتقب بين بوتين واردوغان

وينتظر مراقبون ما سيخرج عن اللقاء المرتقب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، الاثنين المقبل في تركيا، ما قد يشير إلى مسار تطور الأحداث في إدلب. ورغم ما أشاعته أوساط معارضة عن وجود تباين كبير في الموقفين الروسي والتركي حول تنفيذ اتفاق سوتشي (خلال اجتماع غير معلن عنه، جرى بين ممثلين عن الطرفين في تركيا)، لم ترشح أي تصريحات تنفي حرص الطرفين المعلن على استمرار التهدئة، والذي يتقاطع مع رغبة معظم اللاعبين الإقليميين والدوليين. وتكمن أهمية هذا الحرص في البناء عليه تحضيراً للاجتماع المرتقب للدول الضامنة الثلاث وفق صيغة أستانا، والذي يفترض عقده نهاية الشهر الجاري بحضور وفدي الحكومة والمعارضة، كما ممثلي الأمم المتحدة.

ولم يعلن عن الموعد الدقيق لهذا الاجتماع، ولا عن هوية المبعوث الأممي الذي سيحضره، سواء ستيفان دي ميستورا الذي يستعد لترك منصبه أو خلفه غير بيدرسن. كذلك، لم يخرج ــــ حتى الآن ــــ ما يؤكد أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، مدّد مهمة دي ميستورا حتى نهاية العام الجاري، وفق ما نقلت أوساط إعلامية سابقاً.

وعلى صعيد آخر، جدد نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، تلويح بلاده بشن عملية عسكرية في مناطق شرق الفرات، مؤكداً في مكالمة مصورة مع العسكريين الأتراك في قاعدة غرب مدينة الباب، أن "تركيا دخلت سوريا بناء على رغبة السوريين، في وقت لم يكن يتوقعه المجتمع الدولي... وعقب عملية غصن الزيتون، نحن في إدلب، وسنوفر الأمن هناك أيضاً". وأضاف أقطاي القول: "قادمون إلى منبج، ومنها سننتقل إلى شرق الفرات. سننقل النجاح الذي سطّرناه في الباب إلى شرق الفرات أيضاً".

يبقى ان تفرز الايام بين الاجندات الموضوعة للشمال السوري من شرقه الى غربه، وما هي الاجندة الاقوى بينها والتي ستهيمن على الباقيات، وبين هذا وذاك سيظل الاهالي يدفعون الثمن..