التطبيع العلني.. والسبب خاشقجي

التطبيع العلني.. والسبب خاشقجي
الجمعة ٢٣ نوفمبر ٢٠١٨ - ١١:٤٣ بتوقيت غرينتش

"المصالح" هي اللغة الوحيدة التي تسود العالم الغربي في مجال السياسة ولا يعلو فوقها أي شيء آخر، فإذا تكلمت سكت الجميع وتلاشت الاخلاق والاعراف حتى القليل منها. فكيف لا، خاصة اذا كانت المصالح مرتبطة بالكيان الاسرائيلي "فكل شيء يهون من اجل عيون الصهاينة". هذا هو لسان حال الرئيس الاميركي دونالد ترامب في تصريحاته الاخيرة حول تقييمه لتقرير وكالة (CIA) بشأن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

العالم- السعودية

ترامب يلوي الحقائق للدفاع عن عميله بالمنطقة

يبدو ان الثمن الباهض الذي يدفعه النظام السعودي للتخلص من تداعيات تورطه في مقتل خاشقجي، جلعه يسارع في التطبيع العلني بين الكيان الاسرائيلي والسعودية، فقد اشار ترامب وبصراحة الى سبب دفاعه المستميت عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حيث قال "لو نظرتم إلى إسرائيل فإنها ستكون في ورطة كبيرة من دون السعودية".

ولهذا طلب رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من الرئيس الامريكي دونالد ترامب الحفاظ على الاستقرار في المملكة السعوديّة.

التاجر الاميركي لايعرف سوى لغة المصالح لكن في هذه الحالة دائرة المصالح ضيقة وتقتصر على فرصة نجاحه في دورة جديدة بانتخابات رئاسة الجمهورية التي تقوم على دعم اللوبي الصهيوني وتحقيق نجاح اقتصادي عبر الصفقات التي يعقدها بن سلمان معه ضمانا لوصوله الى كرسي الحكم.

ومن هنا جاءت تبريرات ترامب حينما قال: "عدم وضوح تقييم CIA تسبب في تقارير إعلامية مغلوطة حول دور ابن سلمان في اغتيال خاشقجي، لافتا انه "يحمل وجهين مختلفين" وقال: "ربما فعلها ولي العهد وربما لم لا".

واضاف: "أكره هذه الجريمة وما تم فعله وكذلك عملية التستر وولي العهد أيضا يكرهها أكثر مني"، مشيرا انه "لدينا مئات الآلاف من الوظائف فهل يريدون حقا مني التخلي عن مئات الآلاف من الوظائف".

هذا واعتبر ترامب ان "العالم البشع هو من يتحمل مسؤولية قتل الصحفي جمال خاشقجي"، وكأنّ خاشقجي اغتيل على يد الكائنات الفضائية التي تضمر عداء لكوكبنا! 

وأشار إلى أن تقييم وكالة الاستخبارات المركزية يشير إلى أمور بالإمكان أن يخلص المرء من خلالها إلى أن ولي العهد ربما فعلها وربما لم يفعلها.

بن سلمان عراب التطبيع مع الکیان الاسرائيلي

الحقيقة التي اعترف بها ترامب بلسانه ان ولي العهد السعودي ومن قبله قادة نظام آل سعود هم عملاء مطيعون لامريكا في المنطقة، فليس خافيا على احد التطبيع بين الكيان الاسرائيلي "ربيبة امريكا" والدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، والذي كان يجري سابقا في الخفاء، لكن الآن وبفضل دور محمد بن سلمان أصبح كل شيء في العلن كما يقول المثل الشعبي "على عينك يا تاجر"، وجعل بن سلمان التطبيع يصعد الى فوق الطاولة فهو بفضله يقوي صفقات الكيان الاسرائيلي الذي يبيع له اجهزة تجسس على معارضيه حيث كشف مجلة "فوربس" الأمريكية عن تورط السعودية بالتجسس على معارضي نظامها خلسة عن طريق برنامج يتم تحمليه على أجهزتهم الخلوية.

وقالت المجلة في تقرير حصري لها، إن "حملة النظام السعودي ضد المعارضين الذين يعيشون في الخارج كانت منتشرة بشكل أكبر مما كان يعرف عنها، حيث تضمنت سلسلة من الهجمات الرقمية الخبيثة في الأشهر التي سبقت اغتيال الصحفي جمال خاشقجي".

وتحدثت المجلة مع أحد المعارضين المعروفين، وهو الكوميدي واليوتيوبر غانم الدوسري، الذي أكد أنه تم استهدافه ببرامج تجسس متقدم يدعى "Pegasus".

وأكدت أن البرنامج هو من انتاج شركة إسرائيلية وتبلغ قيمته مليار دولار، لافتة إلى أن "غانم الدوسري ثاني شخص يؤكد استهدافه إلكترونيا عن طريق برنامج "بيجاسوس"، إلى جانب الناشط الحقوقي والمعارض يحيى العسيري".

بالطبع ليست هذه الصفقات التي تحوز اهتمام الكيان الاسرائيلي، لان بن سلمان يسعى الى فتح ابواب العواصم العربية على مصرعيها امام قادة الكيان الاسرائيلي.

وكما يقول الخبراء ان الكأس الذهبي الذي يسعى الكيان الاسرائيلي إلى الفوز به يتواجد في الرياض، إذ أن إقامة علاقات دبلوماسيّة علنيّة بين الطرفين، تؤكد أقوال نتنياهو عن التحول الجوهري الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلّق بقبول إسرائيل "دولة" مُعترفًا بها في المنطقة.

هذا ليس كلام في الهواء بل هذا ما كشفه الكثير من المحللين السياسيين ومنهم تسفي بارئيل، المحلل في صحيفة (هآرتس) الاسرائيليّة، الذي كشف النقاب في مقال نشره بالصحيفة أن السعوديّة ساعدت كثيرًا في إخراج الزيارة التاريخية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو إلى سلطنة عُمان واجتماعه بصورة علنية مع السلطان قابوس بن سعيد، بالإضافة إلى ذلك، شدد المحلل على أن الرياض أخضعت البحرين وفرضت عليها توجيه دعوة لوزير الاقتصاد الإسرائيلي، إيلي كوهين، لزيارتها بشكل رسمي. 

ولا الجهد السعودي في اعلان التطبيع لما اعلن الناطق باسم مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي للإعلام العربي، أن "مملكة البحرين هي الوجهة القادمة لنتنياهو"، موضحا أن "هذه الزيارة ما هي إلا تمهيد لأمر أكبر لشرق أوسط آخر". 

وذكر مرزوق، أن "هذه الزيارة هي بداية البداية لعلاقات جديدة، ودلالة على أننا في المسار الصحيح لتصحيح التاريخ"، وفق تعبيره.

قضية العقوبات على السعودية

وحاولت الولايات المتحدة غلق ملف اغتيال خاشقجي بفرضها عقوبات اقتصادية على 17 سعوديا متهمين بقتل خاشقجي، من بينهم سعود القحطاني المستشار بالديوان الملكي السعودي، والقنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، دون اشارة الى تورط محمد بن سلمان في الاغتيال.

وفي هذا السياق، جعل الأوروبيون، أنفسهم في موقف صعب بعد التصعيد الاخير اتجاه السعودية على خلفية مقتل خاشقجي، بسبب العلاقات الاقتصادية والمصالح التجارية، وشددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيرني، أن الاتحاد يتوقع "الشفافية والوضوح الكامل من السلطات السعودية حول ما حدث لخاشقجي".

وأصدرت ألمانيا حظر سفر على 18 مواطناً سعودياً على صلة بالجريمة من دخول أراضيها أو دول منطقة شنغن وقال وزير خارجيتها هيكو ماس إن قرار العقوبات اتخذ بالتنسيق مع فرنسا وبريطانيا.

كما قررت الحكومة الألمانية وقف جميع صادرات الأسلحة للسعودية نتيجة مقتل خاشقجي، وأعلنت وزارة الاقتصاد الألمانية أنها لن تصدر أيضا أي مواد تسليح أخرى للسعودية حتى إن كان اعتمادها قد تم في وقت سابق.

من جهته قررت الخارجية الفرنسية فرض عقوبات تشمل حظر سفر 18 سعوديا على ارتباط بقضية مقتل خاشقجي، وحذرت من أن العقوبات قد تشمل آخرين.

كما قالت الخارجية البريطانية ان لندن ستعتمد أيضا في أي إجراءات عقابية ضد السعودية على تفسير المملكة الخاص بموت خاشقجي.

ولي العهد السعودي يبحث عن الشرعية بجولته الخارجية

وعلى مايبدو ان التصريحات الاخيرة لترامب هيأت الظروف لقيام محمد بن سلمان بأول جولة خارجية له بعد مقتل خاشقجي تشمل عدة دول عربية والاعلان عن مشاركته في مؤتمر مجموعة العشرين G20 في زيارة الى الارجنتين على ان يتضمن جدول اعمال الزيارة لقاءات مع عدد من المسؤولين، فالجولة العربية بدأها من الامارات حيث التقى فيها بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، رغم غياب ابن سلمان في اللقاء الذي جمع ابن زايد مع الملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته الاخيرة الى الرياض.

هذا الغياب اثار حينها عدة تساؤلات وكان لافتا للنظر جدا حيث قيل حينها ان ابن زياد لا يريد ان يتسبب بن سلمان له بالحرج بعد فضيحة قتل جمال خاشقجي وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

بالطبع لاقت زيارة ابن سلمان للامارات في مستهل الجولة التي ستقوده الى تونس والجزائر، رفضا شعبيا كبيرا، حيث دشن النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وسم #زيارة_المنشار_عار، تعبيرا عن رفضهم لزيارة ولي العهد السعودي لعواصم الدول الثلاث، في جولته الأولى منذ مقتل خاشقجي الشهر الماضي. 

ووصف نشطاء ابن سلمان بـ"القاتل" و"المجرم"، فيما قال آخرون إن الزيارة هدفها الحصول على "جرعة من التطبيل لرفع معنوياته"، بعد الهجوم الدولي عليه والاتهامات التي وجهت إليه بمقتل خاشقجي. 

وبعد تصريحات ترامب الاخيرة، تجري الان محاولات مستميتة لتبييض وجه محمد بن سلمان من دم خاشقجي سواء على الصعيد العربي او الدولي، لكن مواقف الاوروبيين بفرض عقوبات على السعودية في قضية مقتل خاشقجي هل هي في اطار الضغوط لكشف الحقيقة ام انها شكلية وتأتي لنيل نصيب من الكعكة السعودية؟