ازمة "السترات الصفراء".. وباريس تختبئ خلف الألواح الخشبية!

ازمة
السبت ٠٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ١٠:٥٤ بتوقيت غرينتش

وسط توجس من احتدام الوضع في فرنسا، واشتداد المواجهات، تشهد العاصمة الفرنسية باريس اليوم السبت موجة جديد من الاحتجاجات التي تقودها حركة "السترات الصفراء" والمستمرة للأسبوع الرابع على التوالي تنديداً بسياسة الحكومة الضريبية والاجتماعية، لكن باتت ترفع فيها شتّى المطالب والاحتجاجات وأخر المنضمين إليها تلامذة الثانويات.

العالم - أوروبا

وقعت صدامات السبت قرب جادة الشانزيليزيه وسط باريس بين قوات مكافحة الشغب الفرنسية ومحتجين من حركة "السترات الصفراء" الذين خرجوا في تظاهرات جديدة ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لإبعاد مئات المتظاهرين الذين احتشدوا حول منطقة التسوق الراقية وقوس النصر وسط العاصمة الفرنسية.

أعلنت الشرطة الفرنسية اعتقال 278 شخصا في باريس صباح السبت قبل ساعات من خروج التظاهرات المناهضة للحكومة وسط مخاوف من وقوع أعمال عنف.

وقال مصدر مطلع على العملية لوكالة فرانس برس إنه تم توقيف 34 شخصا على الأقل لحيازتهم أقنعة ومطارق ومقاليع وحجارة يمكن استخدامها لمهاجمة الشرطة.

وهزت فرنسا أعمال عنف وقعت نهاية الأسبوع الماضي وشهدت إحراق مئتي سيارة وتخريب قوس النصر وزجّت بحكومة ماكرون في أسوأ أزمة تواجهها حتى الآن.

وقال وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير إنه لا يتوقع أن يشارك سوى "بضعة آلاف" في تظاهرات باريس التي انضم إليها 8000 شخص في عطلة نهاية الأسبوع الماضي. لكنه تحدث عن وجود "أفراد يتسمون بالعنف الشديد" بينهم.

وقال كاستانير إن "الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت ولادة وحش خرج عن سيطرة مبتكريه"، في إشارة إلى حركة "السترات الصفراء" التي بدأها فرنسيون من الطبقات المتواضعة تنديداً بسياسة الحكومة الضريبية والاجتماعية، لكن باتت ترفع فيها شتّى المطالب والاحتجاجات وآخر المنضمين إليها طلاب المدارس الثانوية.

وتهد بأن السلطات الفرنسية "لن تتهاون" مع الأشخاص الذين يحاولون التسبب بمزيد من الفوضى.

وتم إغلاق المعالم الرئيسية في باريس والمتاجر الكبرى بينما انتشر آلاف من رجال الشرطة في الشوارع بعدما شهدت العاصمة الفرنسية نهاية الأسبوع الماضي أسوأ أعمال شغب تجتاحها منذ عقود.

وتعرضت محلات تجارية لخسائر فادحة بسبب احتجاجات الأسبوع الماضي، عندما أضرم المحتجون النار في السيارات ونهب المخربون المحلات التجارية في شارع الشانزليزيه الشهير، وشوهوا قوس النصر برسم غرافيتي يستهدف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

لذلك قرر الكثير من أصحاب المحال والمقاهي وسط باريس، عدم المجازفة بممتلكاتهم واتخذوا إجراءات احترازية لحماية محلاتهم وسلعهم.

المستشفيات هي الأخرى استعدت على طريقتها الخاصة، حيث رفعت درجة يقظة أجهزتها وعناصرها استعدادا لاستقبال عدد كبير من المصابين، الذين بلغ عددهم المئات، السبت الماضي.

وذكرت صحيفة "لوموند" الفرنسية قبل استئناف الاحتجاجات إن أنفاس المواطنين والحكومة على حد سواء محبوسة منذ مساء الجمعة، حيث يتوقع أن تتجدد أعمال شغب خلال الاحتجاجات التي تقودها حركة السترات الصفراء احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة.

وأشارت "لوموند" إلى أنه جرى إغلاق برج إيفل وقوس النصر والأوبرا وساحة فوندوم ومعالم سياحية أخرى إلى جانب المتاحف ومحطات القطارات، بالإضافة إلى إزالة المقاعد الموجودة بالشوارع لتجنب استخدام القضبان المعدنية كمقذوفات، مضيفة "فيما عمد بعض أصحاب المحلات التجارية إلى استخدام ألواح خشبية عريضة من أجل إغلاق متاجرهم خوفا من تكسير زجاجها أو اقتحامها".

الشرطة الفرنسية من جهتها، حثت أصحاب المتاجر والمطاعم في منطقة الشانزليزيه على تعليق أعمالهم أثناء الاحتجاجات، فيما أعربت الحكومة عن خوفها الشديد من اندلاع أعمال عنف كبيرة تعم العاصمة.

وأوضحت الصحيفة أن أهم ما يميز يوم السبت في العاصمة الفرنسية هو التعبئة الشاملة من طرف السلطات الأمنية والحكومة لتجنب تكرار أحداث الفوضى، التي خلفت خسائر مادية جسيمة.

وأضافت "التعبئة تشمل العناصر الأمنية وأصحاب المحلات التجارية وحتى بائعي المحروقات"، مشيرة إلى أن المناطق الإدارية في العاصمة أصدرت أوامر لحظر بيع ونقل الوقود والمحروقات والمنتجات القابلة للاشتعال والمواد الكيميائية.

هذا ونشرت السلطات نحو 89 ألف شرطي في مختلف أنحاء البلاد، بينهم 8 آلاف في باريس، فضلا عن اثنتي عشرة مدرعة لقوات الدرك، لم تستخدم منذ أعمال الشغب التي شهدتها ضواحي باريس في 2005.

وأكدت ​الحكومة الفرنسية​ أن قوات الأمن ستكون أكثر قدرة على الحركة للتجاوب "بشكل أكثر فاعلية مع إستراتيجية المشاغبين القاضية بالتفرق والتحرك" لأن "كل المؤشرات تفيد بأن عناصر راديكاليين سيحاولون التعبئة" حسب تعبير الحكومة الفرنسية

وتكرّر السلطات التنفيذية أنّها في حال التيقّظ القصوى، ودعت الفرنسيين إلى التحلّي بالروح الجمهورية، وهي لا تخفي قلقها حيال مخاطر انزلاق الوضع ربّما إلى ما يشبه التمرّد الأمر الذي تسعى الحكومة جاهدة لتفاديه بأي ثمن. وحذر وزير الداخلية كريستوف كاستانير قبل ظهر الجمعة بأنّ "القوة ستبقى للقانون" ووصف حركة الاحتجاج بأنها "وحش" خارج عن السيطرة.

أما رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب وفي مسعى منه للتخفيف من غضب المحتجّين التقى مساء الجمعة في مقرّه بقصر ماتينيون وفداً من حركة السترات الصفراء وقال بنجامان كوشى أحد أعضاء الوفد إن رئيس الحكومة "يعى خطورة الوضع". وقال المتحدث باسم الحركة كريستوف شالينسون إنّ رئيس الوزراء "استمع إلينا ووعد برفع مطالبنا إلى رئيس الجمهورية. الآن نحن ننتظر ماكرون. آمل أن يتحدّث إلى الشعب الفرنسي كأب، بحب واحترام، وأن يتّخذ قرارات قويّة".

وتراجعت الحكومة عن فرض زيادة ضريبة على الوقود، وهو الإجراء الذي أشعل الأزمة بالأساس، غير أنّ ذلك لم ينجح في وقف حركة لا قادة لها ولا هيكلية منظّمة، تتطوّر خارج أي أطر محدّدة، فرغم هذا التنازل، تواصل الحركة المطالبة بتنازلات أكثر من الحكومة، بما في ذلك خفض الضرائب وزيادة الرواتب وخفض تكاليف الطاقة، خصوصا ان اغلب المحتجين من السترات الصفراء، يمثلون الطبقات المتواضعة والسائقين العاديين الذين يعيشون في الأرياف ويتنقلون بواسطة سياراتهم الخاصة إلى أعمالهم في المدن. وتوجه حركة السترات الصفراء وعناصر من المعارضة انتقادات للرئيس، تقول إنه يميل إلى اتخاذ قرارات اقتصادية لمصلحة الأثرياء، وفي المقابل لا ينفذ أي سياسات لمساعدة الفقراء.

وتمثل هذه الاضطرابات معضلة للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تؤكد استطلاعات الرأي أن شعبيته في تراجع مستمر. ولم يتحدث ماكرون علانية منذ أن أدان اضطرابات يوم السبت الماضي أثناء قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين، لكن مكتبه قال إنه سيلقي مطلع الاسبوع القادم خطابا حول الأزمة غير المسبوقة التي تعيشها بلاده.