"نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت".. هكذا يكرر الشهداء الحكاية بفلسطين

السبت ١٥ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٤٠ بتوقيت غرينتش

"نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت".. كلمات قالها الشهيد عمر المختار قائد المقاومة في ليبيا إبان الاستعمار الإيطالي، وها هي الكلمات الخالدة تتجسد في فلسطين، يرددها الأنيق محمد الفقيه، ويخطُّها المثقف باسل الأعرج، يكررها الأيقونة أحمد جرار، ويمضي عليها المقاومان الصنديدان أشرف نعالوة وصالح البرغوثي.

العالم - فلسطين
فكل يوم يمر تثبت الضفة الغربية، برجالها وشبابها، أن فكرة المقاومة متجذرة في النفس الفلسطينية؛ فلا يمكن لـ"إسرائيل" أن تطفئ جذوتها لا بحصار خانق لغزة، ولا تهويد أسودَ للقدس، ولا حتى بحواجزَ وتنكيلٍ واعتقالاتٍ بالضفة، استطاعوا وأد المقاومة؛ تلك الفكرة البيضاء النبيلة التي يحملها كل فلسطيني في نفسه، وفي كل أماكن وجوده حتى تحرير الوطن من الغرباء.

وعادة ما يتبجح قادة الاحتلال الإسرائيلي بإحباط العشرات من العمليات الفدائية في الضفة الغربية، ويعزون ذلك للتعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية "التنسيق الأمني"، إلا أن ذلك التبجح سرعان ما يذوب ويتلاشى تحت ضربات المقاومة من نقطة صفر، في "عوفرا" و"بركان" وغيرهما.

ليس بدءًا من محمد الفقيه، الذي أذاق الاحتلال المرارة جنوب الخليل، حينما نفذ عملية قتل الحاخام ميخائيل مارك في الأول من يوليو 2016، وانسحب من المكان بسلام، واستطاع التخفّي بعدها 27 يومًا، قبل أن يتمكن الاحتلال من الوصول إليه في قرية صوريف بالخليل، ويخوض اشتباكا مسلحا دام أكثر من 6 ساعات، ورحل إلى الله شهيدا أنيقا كما هي سيرته.

وصفه الاحتلال بالمقاتل الفريد، وهو الذي دوخ أجهزته الأمنية والاستخبارية، وطائراته الاستطلاعية 27 يومًا. ومحمد الفقيه لم يكن مطلوبا لقوات الاحتلال، وعندما برز اسمه مخططا ومنفذا لعملية عتنائيل فاجأ أسرته، وفاجأ أجهزة الشاباك، بالرغم من أنه كان أسيرا محررا عدة مرات في سجون الاحتلال.


أما باسل الأعرج فذلك المثقف المشتبك، الذي حاصرت قوات إسرائيلية منزلا تحصن به في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، بعد اتهامه من قبل الاحتلال أنه قائد الجناح العسكري الطلابي في الضفة الغربية المحتلة، وتخفّى عن أعين الاحتلال مدَدًا طويلة.

وفي لحظات الاشتباك لم يقبل باسل إلا أن يكون ندًّا، عنيدا، وخاض مواجهة دامت ساعتين قبل أن تنفد رصاصاته، ثم تعدمه قوات الاحتلال وتختطف جثمانه. وهو الذي ختم حياته بـ"تحية العروبة والوطن والتحرير، أما بعد فإن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أني قد مِتُّ، وقد صعدت الروح إلى خالقها، وأدعو الله أن ألاقيه بقلب سليم مقبلًا غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء".


ولأحمد جرار كانت صولة وجولة مع محتل جبان؛ حيث استطاع تنفيذ عملية قتل خلالها مستوطن إسرائيلي، قرب مستوطنة "حفات جلعاد" بنابلس، في يناير 2018، واستطاع الانسحاب من المكان بسلام، والتخفّي عن أعين أجهزة الاحتلال المختلفة.

تحول أحمد إلى أيقونة للمقاومة الفلسطينية من جهة، وكابوس مرعب للاحتلال، بعدما نجحت رصاصته وشجاعته من نابلس إلى جنين في كسر هيبة الجيش الإسرائيلي.

وفي 6 شباط، خاض أحمد جرار اشتباكا استمر ساعات عدة مع قوات الاحتلال التي حاصرت منطقة اليامون بجنين، وختم أحمد حياته بالشهادة تاركًا خلفه إرث المقاومة والجهاد.

وصالح البرغوثي، وأشرف نعالوة، سطرا ملاحم عزة وفخار، ومرغا أنف الاحتلال في الوحل، بعد تنفيذهما عمليتين فدائيتين أذاقا فيها الاحتلال ويلات الخيبة والندامة.

فذلك أشرف الذي نفذ عملية بطولية في منطقة "بركان" قرب نابلس، وأسفرت عن مقتل مستوطنين وإصابة ثالث بجراح بالغة، قبل أن يستطيع التخفي عن أعين الاحتلال 9 أسابيع، خاض فيها الاحتلال أعقد عملية ملاحقة في السنوات الاخيرة.

وبعد حملات احتلالية كبيرة استطاع الاحتلال الوصول إليه في مخيم عسكر الجديد في نابلس، إلا أن أشرف آثر الشهادة، وخاض اشتباكا عنيفا مع قوات الاحتلال قبل أن يرحل إلى الله شهيدا، ملهمًا لأجيال من بعده.

أما صالح البرغوثي، ذلك الشاب الوسيم، الذي ودع زوجته شيماء، وترك في عهدتها طفله قيس، قبل أن ينفذ عملية "عوفرا" يوم الأحد الماضي، ويصيب 11 مستوطنًا أحدهم جراحه بليغة، وترك المكان وانسحب بسلام.

وفرض الاحتلال حصارًا مشددا على مدينة رام الله، وشرع في أعمال تنكيل وتفتيش واسعة، وخاض صالح اشتباكا مسلحا مع الاحتلال حتى الشهادة، وذلك مساء الأربعاء الماضي، على درب الفقيه وجرار والمثقف ونعالوة، وما بدل تبديلا.

هي ساعات قليلة، ارتسمت فيها السعادة في الكيان الإسرائيلي بعد اغتيال المقاوميْن نعالوة والبرغوثي، قبل أن تسدد المقاومة ضربة مؤلمة للاحتلال في قلب رام الله، أسفرت عن مقتل جنديين وإصابة آخرين، واستطاع المنفذون الانسحاب من المكان.

وصباح الجمعة، أصاب فلسطيني جنديا إسرائيليا بحجر كبير في رأسه، قرب "بيت إيل" شمال رام الله، ووصفت جراحه بالبليغة، قبل أن يتمكن المنفذ من الانسحاب.