لماذا إفرج النظام السعودي عن 3 ناشطات سعوديات مؤقتا؟

لماذا إفرج النظام السعودي عن 3 ناشطات سعوديات مؤقتا؟
الجمعة ٢٩ مارس ٢٠١٩ - ٠٨:٠٢ بتوقيت غرينتش

بعد الأنباء عن الإفراج "المؤقت" عن ثلاث ناشطات حقوقيات كُنّ معتقلات في سجون النظام السعودي، وتقديم الوعود بالإفراج عن باقي الناشطات الـ11 الخاضعات للمحاكمة منذ منتصف مارس الجاري، يبقى السؤال: لماذا الإفراج المؤقت فقط؟

العالم- تقارير

لم يتمكن القضاء السعودي غير المستقل من توجيه تهم قانونية بحق عدد من الناشطات المعتقلات في فترات متفاوتة من العام الماضي، فألصق بهن تهماً متعلقة بالتخابر والمساس بالدولة السعودية والأمن العام، وتم عزلهن في الانفرادي لفترات طويلة، وممارسة انتهاكات بحقهن من التحرش الجنسي وتعذيبٍ وضرب مبرح وجلد بالسياط وصعق بالكهرباء وإيهام بالغرق، فضلاً عن أشكال التعذيب النفسي والإهانة والحط من الكرامة، ما دفع البعض منهن إلى محاولة الانتحار والتخلص من هذا العذاب الذي يشرف عليه

ونشر حساب معتلقي الرأي امس الخميس أنباء تفيد بالإفراج عن ثلاث ناشطات هن: الدكتورة المعتقلة منذ سبتمبر 2017 رقية المحارب أستاذة الحديث بجامعة الأميرة نورة وإحدى رائدات الدعوة النسائية في المملكة، والدكتورة المعتقلة منذ منتصف مايو 2018 عزيزة اليوسف الشهيرة بدفاعها عن تمكين المرأة من القيادة، وكذا الناشطة والمدوِّنة إيمان النفجان المعتقلة منذ منتصف مايو 2018، وجميعهن واجهن العزل الانفرادي منذ اعتقالهن.

وذكر الحساب أنه تم الإفراج عنهنَّ بشكل مؤقت إلى حين عقد الجلسة الثالثة خلال الأسبوع المقبل، والتي من المتوقع أن تكون الجلسة الأخيرة والحاسمة ويتم خلالها النطق بالحكم.

وبعد الإفراج عن الناشطات الثلاث، تداول ناشطون مهتمون بقضية المعتقلات أن النظام قدم وعوداً بالإفراج المؤقت أيضاً عن باقي الناشطات الـ11 في يوم الأحد المقبل 31 مارس.

وقال حساب "معتقلي الرأي" المعني بأخبار المعتقلين في السعودية، إن "السلطات السعودية مطالبة بالإفراج الفوري التام وليس المؤقت عن جميع الناشطات الحقوقيات وإجراء اللازم لتعويضهنّ عن كل الشهور التي قضينها ظلماً في السجن من دون سبب قانوني".

الإفراج المؤقت من قِبل المحكمة الجزائية بالرياض، جاء في الوقت الذي تمارس فيه الدول والمنظمات الحقوقية الدولية ضغوطات على النظام السعودي بشأن ملف اعتقال الناشطات تعسفياً وتلفيق التهم ضدهن وتعذيبهن وإخفائهن عن الأنظار خوفاً من كشف حقيقة ممارسات النظام بحقهن أثناء فترة الاعتقال.

ويُعتبر النظام بإفراجه عن الناشطات قد خضع للضغوطات الدولية المتكالبة في ظل استمرار الإدانات الدولية للنظام وعلى رأسه الملك سلمان وولده ولي العهد بخصوص استمرار اعتقال الناشطات، وبالتزامن مع ضغوط أخرى بخصوص ارتكابه مجازر بحق المدنيين في اليمن، وإدانات لولي العهد شخصياً بالتورط في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وانتهاج سياسات الإسكات القمعية في الداخل السعودي.

وكان النظام قد أفرج في وقت سابق عن عدد من المعتقلين، في محاولةٍ لتجنب هذه الضغوطات الدولية التي تطالب بوقف الانتهاكات والاعتقالات.

وقد عُقدت المحاكمة الثانية يوم الاربعاء الماضي بعد عقدها لأول مرة في يوم الأربعاء 13 مارس، وجاء عقدهما- قبل الإفراج المؤقت- في ظل عدم وجود تهم حقيقية، إذ وجَّهت التقارير الحقوقية إدانات واسعة للنظام بتلفيق التهم الجائرة، بما فيها "التواصل مع جهات معادية، والتعاون مع قنوات إعلامية معادية، وتقديم دعم مالي لجهات معادية خارجية، وتجنيد أشخاص للحصول على معلومات تضر بمصلحة المملكة".

التهم والمحاكمات جاءت مخالفةً للمعايير الدولية القانونية، وذلك ما أكدته المنظمات الحقوقية على غرار هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد محاكمة الناشطات بيوم، في الخميس 14 مارس، إذ أكدت المنظمتان أن السعودية ترفض التوصيات المتعلقة بحرية التعبير، وتعقد محاكمات لا تتماشى مع المعايير الدولية.

وقالت المعارضة السعودية، الدكتورة مضاوي الرشيد، إن أزمة الاعتقالات في السعودية لا تتعلق فقط بـ" 11" امرأة جرى اعتقالهن؛ لأنها طالت عدداً هائلاً من جميع أطياف المجتمع، مؤكدة أن المشكلة لا تنتهي بالإفراج المؤقت اليوم عن 3 ناشطات ولا عن 8 ناشطات يوم الأحد المقبل.

كما كد الناشط الحقوقي يحيى عسيري، رئيس منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان، أن الإفراج تم تحت الضغوط الدولية.

وأضاف عسيري بأنه يجب الإفراج عن جميع معتقلي الرأي، "والمجتمع الدولي لن يتوقف بطبيعة الحال، لأن الأمر أصبح أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، لذا يجب أن يستمر الضغط حتى يتم الإفراج عن جميع معتقلي الرأي، ثم نستمر في إيجاد ضمانات قانونية وأيضاً سياسية كي نضمن ألا تتكرر مثل هذه الحوادث من انتهاكات خطيرة جداً وجسيمة بحق المعتقلين وأيضاً بحق المواطنين بشكل عام".

من جانبه قال الناشط الحقوقي ورئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان علي الدبيسي : إن الإفراج لا يدل بالضرورة على تعقُّل الحكومة، "لأنها لو كانت متعقلة لأفرجت عنهن إفراجاً نهائياً بصيغة عفو وليس بصيغة كفالة واستمرارية محاكمة، وبدأت بمحاسبة من انتهك حقوقهن، لكنها أفرجت عنهنَّ بطريقة فيها تعنُّت وكبرياء، وبالتالي ستستمر عليها الضغوطات أكثر، والآن سيتاح للمعتقلات التواصل والحديث مع العالم".

وبسؤاله عن مغزى الإفراج عن ثلاث معتقلات فقط وتأجيل الإفراج عن البقية، أجاب الدبيسي إن السعودية بذلك "تحاول أن تظهر كما لو أن لديها موضوعية ومعايير، فتُفرج على من تنطبق عليه معايير الإفراج، من أجل إيهام من لا يزال يثق فيها، وتتظاهر بأن هذا الإفراج بُني على أسس موضوعية".

وأكد الحقوقي عادل السعيد، نائب رئيس منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان على عدم قبول أي إجراء إلا الإفراج التام غير المشروط عنهن، مطالبًا "بمحاكمة المُعذِبين بدءاً بأدوات المستبد وجلاديه، ووصولاً إلى من أعطاهم الأوامر بفعل هذه الانتهاكات الجسيمة الوحشية".

وطالب ناشطون ومعارضون سعوديون، بتعويض الناشطات السعوديات المفرج عنهن مؤقتًا من سجون النظام السعودي، عن التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضن له خلال اعتقالهن، ومعاقبة المتسبب في ذلك.

وأطلق الناشطون هاشتاج #الافراج_عن_رقيه_المحارب، تفاعل معه ناشطون بشكل واسع بعد ساعات من إطلاق سراح 3 من الناشطات.

ودعا المعارض السعودي، غانم الدوسري، في تغريدة على حسابه بتويتر تابعتها "التمكين"، إلى تعويض المحارب عن التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرضت له خلال فترة اعتقالها، قائلاً: "أتمنى أن تتوقف عصابة "الداشر" حسب وصفه، في إشارة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عن ترهيب أساتذة الجامعات".

وتفاعل المعارض السعودي، عمر بن عبدالعزيز، مع الوسم السابق، قائلًا "إن الإفراج عن المعتقلات خطوة إيجابية والملف يبقى مؤرقا حتى تعود آخر معتقلة لبيتها نهائياً مع كشف ما تعرضن له من أذى وتعويضهن ومحاسبة كل من تسبب بتعذيبهن والتحرش بهن ".

كما اعتبر حزب الأمة الإسلامي المعارض أن إطلاق السلطات السعودية لبعض المعتقلات دون المعتقلين جاء "بعد أن طلبت الإدارة الأمريكية ذلك لتخفيف حدة الاحتقان المتزايد".

فيما طالب الإعلامي، تركي الشلهوب بالإفراج عن جميع الناشطين والناشطات، وردّ الاعتبار لهم جميعاً، عبر محاسبة كل من تطاول عليهم، واتهمهم بالخيانة، وكذلك محاسبة المجرمين الذين عذَّبوا الناشطات وتحرَّشوا بهن.

في السياق ذاته، أكد الناشط، فيصل بن ناصر أن "التصحيح يبدأ من بوابة معتقلي الرأي، وليس في الرقص والفساد ومشاريع الفنكوش"، داعيًا للإفراج عن بقية المعتقلين.

من جانبها، تساءلت الناشطة هاجر إبراهيم، في تغريدة على حسابها على صفحتها بتويتر، عمن يعوض المعتقلين عن أعمارهم التي ضاعت في الزنازين وما حصل لهم داخلها، وكذا عن تشويه السمعة ونشر صورهم في الصحف واتهامهم بالخيانة والعمالة لأجندة معادية للوطن.