العدوان الإسرائيلي.. لصبر دمشق حدود والهاوية تتسع للجميع

العدوان الإسرائيلي.. لصبر دمشق حدود والهاوية تتسع للجميع
الثلاثاء ٠٢ يوليو ٢٠١٩ - ٠٢:٥٤ بتوقيت غرينتش

لم يعد السوريون يهتمون بإحصاء عدد الغارات الإسرائيلية التي تستهدف البلاد، بالرغم من كثرتها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وباتت أشبه بروتين بالنسبة لنا نحن الذين نعمل في مجال الإعلام، ولكن العدوان الأخير على محيط العاصمة دمشق في محافظة حمص، حمل عدة رسائل فتحت الباب على نوع جديد من العدوان قد تشهده سوريا خلال الفترة المقبلة.

العالم - مقالات وتحلیلات

أولا: هذا العدوان أتى بعد أيام من اجتماع تل أبيب الذي جمع روسيا والولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي العدوان يؤكد رفض دمشق لمخرجات هذا الاجتماع جملة وتفصيلاً. والقصف يؤكد أن القرارات الإستراتيجية والرئيسية في البلاد هي بيد الدولة السورية حصراً وليس كما تروج وسائل الإعلام الخارجية بموضوع القرارات المهمة وتزعم أن لا علاقة لدمشق بها، وأن هناك من يتحكم بها، فهذا العدوان يوضح صورة لا يريد الطرف الآخر أن يراها بوضوح وهي أن دمشق لا تقبل أن يتحكم بها أحد أو يتحدث نيابة عنها، ولو كان هذا الأمر صحيحاً لم قامت إسرائيل بالعدوان على سوريا في محاولة لفرض أجنداتها؟

ثانياً: هذا العدوان استهدف بصورة مباشرة المدنيين وذلك في محاولة من إسرائيل لتقليب الشارع على حلفاء الدولة السورية، الذين كانوا ولا يزالوا عنصراً مهماً في إفشال الحرب المفروضة على البلاد وهزيمة المشروع الداعشي الإرهابي في المنطقة. وسقوط الشهداء المدنيين هذه المرة ربما يتكرر في المرات القادمة لا قدر الله، إلا اذا كان هنالك رد سوري مزلزل يعيد رسم هيكلة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي. خصوصاً وأن تل أبيب تعيش ازمة سياسية كبيرة، وبالتالي هل هي مستعدة للمواجهة في حال ردت دمشق؟

ثالثاً: القصف الإسرائيلي جاء بعد أن حذر تقرير لمعهد دراسة الحرب الأميركي من عودة تنظيم داعش الإرهابي مرة أخرى بشكل سريع وأكثر خطورة، وأكد أن التنظيم عمد إلى نقل العديد من مقاتليه وعائلاتهم من مدن الموصل والرقة السورية وغيرها من المدن الهامة إلى مناطق الدعم الجديدة والقديمة في العراق وسوريا، حيث لا يزال مسلحوه منتشرين الآن في كلا البلدين ويشنون هجمات. وقدر التقرير عدد العناصر المتبقية في داعش بالثلاثين ألف مقاتل. ويحمل هذا التقرير عدة نقاط صحيحة حيث أننا رأينا ما سمي بالقضاء على داعش بالإعلام فقط، وفي تصريحات عنترية من دونالد ترامب، ولكن على الأرض لم يتم القبض على أي قيادي مهم من قادة الصف الأول في التنظيم، وزعيمه لا يزال حراً طليقاً، وبحسب آخر تسجيل فيديو له أكدت وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع بأنه ربما يكون في صحراء الأنبار أو في جبال سنجار، أي بالمناطق التي تحت الاعين الاميركية.وهذا يعني أن إسرائيل ومن خلفها يريدون من إيران وحزب الله الانسحاب من سوريا حتى يعيدوا تنظيم داعش للحياة مرة ثانية، لينفذ اجنتدهم التي فشلوا فيها بالمرة الأولى.

رابعاً: الدولة السورية اتخذت قرارها النهائي بشأن الوجود الإيراني، بأن هذا الأمر يتعلق بالأمن القومي السوري ولا احد يمتلك اتخاذ القرار فيه غيرها. وهذا الوجود والدعم سيبقى طالما بقي التهديد الإرهابي متواجداً في المنطقة.

خامساً: تعامل الإعلام السوري مع العدوان الإسرائيلي هو النقطة الأبرز في أي عملية قصف للاحتلال، حيث أن وسائل الإعلام غطت الأمر بطريقة مميزة احترافية جداً وتم وضع الشارع السوري والعربي بأدق تفاصيل العدوان خصوصاً وأن التغطية كانت من داخل المستشفيات التي تلقى فيها الجرحى العلاج، وذلك في ظل صمت وسائل إعلام الاحتلال عن العدوان وعدم تغطيتها للحدث وكأنها غير معنية به، وهو ما يؤكد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه من هذا القصف.

الدولة السورية لحد الآن تضبط ردة فعلها على العدوان الإسرائيلي ولكن السؤال إلى متى؟ وإن قامت إسرائيل بالقصف مجددا هل يمكنها تحمل الرد السوري؟ وهل ستتحمل الدول الحليفة مع الاحتلال اندلاع حرب في المنطقة لايعلم أحد إن كانت ستنتهي؟ وبالتالي الوضع الآن على شفير الهاوية والضغط على زر واحد يكفي لإشعال المنطقة، فهل بقي بعض العقلاء ليضبطوا التهور الإسرائيلي ويضعوا حدا له قبل تفاقم الوضع؟

هنا نريد القول بأنه رب غارة دمرت صاحبها، لأن للصبر السوري حدود ويمكننا التأكيد بأن الصبر بدأ ينفذ وأن لا حدود للرد..ودمشق المدينة التي هي أقدم عاصمة في التاريخ وعمرها تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، لن تهتم لعدوان من هنا وقصف من هناك، كونها شهدت الكثير والكثير وبقيت صامدة بوجه المحن وذهب المعتدون وبقيت هي تكتب التاريخ فهي بوابته وبوابة الشرق التي لم لن تكسر.

* إبراهيم شير