إندونيسيا تنشئ مركزًا لإيواء وإعادة تأهيل أبناء ”متشددين“

إندونيسيا تنشئ مركزًا لإيواء وإعادة تأهيل أبناء ”متشددين“
الخميس ٠٤ يوليو ٢٠١٩ - ٠١:٤٦ بتوقيت غرينتش

تخضع الطفلة ميلا البالغة من العمر 9 أعوام، لبرنامج إعادة تأهيل في إندونيسيا لمساعدتها على استئناف حياة طبيعية بعيدًا عن الفكر المتطرف، بعد أن نجت بأعجوبة من تفجير انتحاري قام به والداها بواسطة دراجة نارية كان الثلاثة يستقلونها في مدينة ”سورابايا“.

العالم - اسيا والباسفيك

وبعد هذه الصدمة، تكفّلت السلطات بالفتاة اليتيمة ”ميلا“، وهو اسم مستعار لضمان حمايتها من أي مضايقات، وهي تتابع حاليًا برنامج إعادة تأهيل في ملجأ في العاصمة جاكرتا يسعى إلى تأمين مستقبل أفضل لأطفال عاشوا في بيئة تطرف، وفقدوا أهاليهم المتورطين في أعمال ”إرهابية“، أو هم شاركوا بالفعل بهذا النوع من الاعتداءات.

وتطرح ”ميلا“ التي ترتدي حجابًا زهريّ اللون وتبدو سعيدة، الكثير من الأسئلة أثناء دروس تتلقاها في الملجأ، بحسب ما لاحظت صحفية في وكالة ”فرانس برس“، ولم تذهب ميلا أبدًا إلى المدرسة في السابق.

وترى العاملة الاجتماعية سري موسفيا هانداياني أن ”التحسن الذي تحقق مهمّ جدًا، وبات بإمكانها الآن التفاعل مع الناس“.

وتقبل الفتاة يد الصحافية في ”فرانس برس“، وهي طريقة تدل على الاحترام عند إلقاء التحية في إندونيسيا.

وتقول المعلّمة ”نعلّم (الأطفال) أن القرآن هو أساس كل شيء، وأنهم يجب أن يؤمنوا به، لكن انتهاك حقوق الغير يبقى أمرًا غير مقبول“.

وينبغي على ميلا اليوم أن تعيد بناء نفسها، وأن تتعايش مع فكرة أن والديها كانا يريدان أن تتبعهما في الموت.

وتواجه إندونيسيا، البلد المسلم الأكثر سكانًا في العالم، هذا النوع من الاعتداءات التي ينفّذها أفراد العائلة أنفسهم، لكنها تواجه أيضًا عودة متشددين وأقربائهم بعد هزيمة تنظيم ”داعش“ في سوريا.

وتشرح المسؤولة عن مركز اللجوء نينينغ هيرياني أن ”الاعتناء (بهؤلاء الأطفال) المتطرفين ليس أمرًا بسيطًا (…) فهم يعتقدون أن الاعتداءات شيء جيّد“.

وتضيف:“لقنَّوهم أن الجهاد أمر أساس للدخول إلى الجنة، وأنه يجب قتل الكفار، من الصعب فعلًا تغيير هذه الحالة الذهنية“.

ويسعى عاملون اجتماعيون وعلماء نفس جاهدين لإعادة الأطفال إلى حياة اجتماعية عادية مع روتين يتضمّن دروسًا وزيارات للمسجد ووقتًا للعب.

التلقين العقائدي

غالبًا ما شاهد هؤلاء الأطفال الذين تم تلقينهم أفكارًا عقائدية على مدى سنوات، سيل من مقاطع فيديو تتضمن دعاية عنيفة.

ويسعى المدرّسون إلى كسب ثقتهم عبر تسليط الضوء على الأبطال الوطنيين الإندونيسيين، وعلى مبادئ تُعرف بـ“بانكاسيلا“، وهي الفلسفة الرسمية للبلاد التي تدعو إلى التعايش بين الجماعات.

وتضمّ إندونيسيا التي تعدّ 260 مليون نسمة، قرابة 90% منهم مسلمون، 6 ديانات رسمية، لكن برنامج التأهيل للقضاء على نزعة التطرف لدى الأطفال لا يزال قيد التجرية.

وتشير مديرة معهد تحليل النزاعات (إيباك) ومقرّه جاكارتا، سيدني جونز إلى أن هذا البرنامج ”هو الأوّل“ من نوعه إذ إن الاعتداءات التي شاركت فيها عائلات ”غير مسبوقة“.

عائلات انتحارية

وترى هاولا نور التي تجري دراسات حول العائلات المتطرفة في جامعة أستراليا الوطنية أن الأطفال هم فريسة سهلة للمتطرفين و“هذا الضعف قد يعطي نقطة انطلاق للمعالجة“. وتضيف ”يجب أن نرى هؤلاء الأطفال كضحايا لكن أيضًا كأخطار محتملة“.

في الوقت الحالي، تواجه إندونيسيا التي لطالما اعتُبرت نموذجًا للتسامح الديني، تصاعدًا للتيارات المسلمة المحافظة والمتطرفة.

ففي مايو 2018، كانت ميلا جالسة بين والديها على متن دراجة نارية عندما فجّرا نفسيهما أمام مركز للشرطة في ”سورابايا“، المدينة الثانية في إندونيسيا.

وفي اليوم السابق، كانت عائلة أخرى تضمّ فتاتين تبلغان من العمر 9 و12 عامًا، نفّذت اعتداءً انتحاريًا داخل كنائس ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا.

وترتبط هذه العائلات الانتحارية بحركة ”جماعة أنصار الدولة“، وقد تبنى تنظيم ”داعش“ الاعتداءات.

وفي مارس الماضي، فجّرت زوجة رجل يشتبه بانتمائه إلى الجماعة ذاتها، نفسها مع ابنها في منزل غرب جزيرة سومطرة كانت تحاصره الشرطة.

وتُظهر هذه الأحداث أن النساء والأطفال يؤدون دورًا فعالًا في ”الإرهاب“. ويرى الخبير في شؤون الإرهاب في جامعة إندونيسيا ستانيسلوس ريانتا أنه ”سيكون هناك اتجاهان في المستقبل، اعتداءات تنفّذها عائلات وأخرى ينفّذها أفراد لوحدهم“.

وفي أبريل، فجّرت زوجة منفذ اعتداءات سريلانكا التي أدت إلى مقتل نحو 260 شخصًا، حزامها الناسف ما تسبب أيضًا بمقتل أطفالها الثلاثة عندما وصلت الشرطة لتفتيش منزلها.

مستعدّون للموت

وإذا كان هذا البرنامج الذي يستهدف الأطفال المشاركين بشكل مباشر في الاعتداءات هو الأول من نوعه، فإن إندونيسيا سبق أن أنشأت هيئات أكبر لتأهيل من تورطوا في أعمال إرهابية أو عاشوا في بيئات متطرفة، استقبلت حوالي مئتي طفل.

ويوضح المسؤول عن الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب سوهاردي أليوس لفرانس برس:“علينا أن نتعاطى معهم بحذرٍ لأنهم كانوا مستعدّين للموت ولا معنى لاستخدام القوة“ معهم.

ولا يمكن أن تنجح عملية التأهيل للقضاء على نزعة التطرّف إلا إذا تلقى الأطفال مساعدة لإعادة الاندماج، وتحضّر الحكومة خطة كي يستفيد هؤلاء من الرعاية الصحية وتحصيل العلم.

لكن أفراد عائلاتهم غالبًا ما يرفضون استقبالهم، وقد يدفعهم هذا الرفض من جديد نحو التطّرف، وفق تحذير الخبيرة الإسترالية هاولا نور.

وتضيف:“هناك احتمال كبير لأن يتوجّهوا من جديد نحو إيديولوجية أهلهم إذا كانوا عرضة للاتهامات المسبقة“.