عطوان يؤكد..

المنطقة الامنة أكبر تهديد للأمن القومي التركي! هذه خيارات دمشق

 المنطقة الامنة أكبر تهديد للأمن القومي التركي! هذه خيارات دمشق
السبت ١٠ أغسطس ٢٠١٩ - ٠٣:٣٦ بتوقيت غرينتش

لم يجاف السيد بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم في الأمم المتحدة الحقيقة في توصيفه للاتفاق التركي الأمريكي على إقامة منطقة امنة في شمال تركيا عندما قال "التركي والأمريكي يتفاوضان وكأن جزءا من سوريا هو ملك لهما، وهما يملكان حق التفاوض لتقرير مصيره".

العالم - سوريا

وفي ظل التجاهل للدولة السورية وحلفائها في المنطقة نعتقد أن فرص نجاح هذا الاتفاق، وتطبيقه على الأرض، تبدو محدودة جدا، إن لم تكن معدومة، ومجرد طرحها ومحاولة إقامتها بمعزل عن سوريا، الدولة الأم، ينطوي على مخاطر كبيرة جدا.

الحكومة السورية سارعت برفضها لهذا الاتفاق، وقال بيان شديد اللهجة صدر عن وزارة الخارجية السورية إنه يشكل اعتداء فاضحا على سيادة الأراضي السورية ووحدتها، وانتهاكا سافرا للقانون الدولي، وشدد البيان على "أن الشعب السوري وجيشه الباسل الذي فدى بالدم الطاهر لزهرة شبابه دفاعا عن سوريا ضد مجموعات الإرهاب التكفيرية وداعميه أكثر تصميما وإصرارا على بذل الغالي والنفيس للحفاظ على وحدة وسلامة ترابه الوطني".

الاتفاق جاء بعد تهديدات الرئيس رجب طيب أردوغان بشن هجوم عسكري على مناطق شمال شرق سوريا التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الغالبية الكردية، لإقامة منطقة امنة تحت الحماية التركية بعمق الأربعين كيلومترا لتأمين الأمن القومي التركي وعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، ولكن التهديد الأمريكي الذي ورد على لسان وزير الدفاع مارك اسبر بالتصدي لهذا الهجوم دفع الرئيس أردوغان إلى التراجع عن هذا الموقف الأحادي والتفاوض مع الأمريكان للتوصل إلى هذا الاتفاق الذي ما زال يتسم بالغموض، وجاء عموميا في بنوده، ومحاولة لإنقاذ ماء وجه جميع الأطراف المعنية.

***

البيان السوري يوحي بأن الجيش السوري قد يتدخل عسكريا لمنعه، لأن هذه المنطقة التي سيتم اقتطاعها تضم الاحتياطات النفطية والغازية السورية، وأكثر الأراضي خصوبة في البلاد، والمخزون الاستراتيجي للقمح والمواد الغذائية الأخرى.

إدارة تركيا لهذه المنطقة بعد التواجد عسكريا فيها تجسد حالة احتلال علني، حتى لو كانت أمريكا شريكا فيها، ولا توجد أي دولة في العالم تحترم نفسها وسيادتها يمكن أن تقبل بهذا الاحتلال، ولا تنخرط في مقاومته.

الأمن القومي التركي لا يمكن أن يتحقق باحتلال أراضي دولة مجاورة، لأن هذا الاحتلال يشكل أكبر تهديد له، وما كان يحدث قبل مئة عام لا يمكن أن يتكرر اليوم، فسوريا ليست وحيدة، وإنما جزء من منظومة إقليمية ودولية تضم العديد من الحلفاء، مضافا إلى ذلك أن الجيش السوري استعاد معظم عافيته، وأثبت قدرات عسكرية عالية اكتسبها من حرب استمرت ثماني سنوات في مواجهة تحالف ستيني، وتمكن من استعادة حوالي 80 بالمئة من الأراضي السورية.

الأمن القومي التركي شهد أفضل أيامه عندما كانت علاقات أنقرة بدمشق وبغداد في أفضل حالاتها، ولم يتهدد هذا الأمن إلا بعد خروج الحكومة التركية برئاسة الرئيس أردوغان عن الاتفاقات الموقعة، ووقف الالتزام بها، وإقامة منطقة امنة في شمال سوريا هو تصعيد خطير في هذا الصدد.

نعلم جيدا أن وجود 3.5 مليون لاجئ سوري على الأراضي التركية بات يشكل عبئا على حكومة الرئيس أردوغان، وتهديدا لاستمرارها في السلطة، وانعكس هذا التهديد في خسارتها لمدن كبرى في الانتخابات البلدية الأخيرة وعلى رأسها مدينة إسطنبول، ولكن التخلص من هذا العبء لا يتم بإجبار هؤلاء على الرحيل بالقوة، والإقامة في منطقة امنة دون أن يكون لهم أي خيار، وليس عبر المعابر الشرعية، والمشاركة التركية الفعلية في تهيئة البيئة الملائمة لحياة كريمة في ديارهم.

الحكومة التركية ساهمت بدور مباشر أو غير مباشر، صغيرا كان أو رئيسيا، في وجود مشكلة هؤلاء اللاجئين، ولا نريد تكرار الأسباب هنا لضيق المكان، وأقصر الطرق لحل مشاكلهم تتمثل في التفاوض مع الدولة السورية لتأمين عودتهم إلى قراهم ومدنهم وضمان سلامتهم، ولكن الرئيس أردوغان، ولأسباب شخصية بحتة، لا يريد التفاوض مع السلطات السورية، وهو الذي يتفاوض مع أمريكا و"إسرائيل" والاتحاد الأوروبي وقبلها مع روسيا ، وربما له أسبابه، ولكنها غير مقنعة بالنسبة إلينا والبعض في حزب العدالة والتنمية نفسه، فمصالح الدول يجب أن تتقدم على المشاعر الشخصية.

***

يخطئ الرئيس أردوغان إذا اعتقد أن إقامة المنطقة الامنة، وبالتنسيق مع أمريكا سيمر بسهولة، ويخطئ أكثر إذا اعتقد أن الجانب السوري لا يملك خيارات التصدي لها، وربما يفيد التذكير بأن كل رهاناته على إسقاط الحكومة السورية ثبتة خطؤها وأنها تقوم على حسابات سياسية وعسكرية غير دقيقة، فهناك الحليف الروسي، وهناك ورقة مدينة إدلب، والتدخل في الشأن التركي، وقد يكون الهجوم لاستعادة هذه المحافظة أحد الخيارات في هذا الصدد كرد أولي على إقامة المنطقة الامنة، مما يخلق أزمات عديدة لتركيا وأبرزها تدفق ملايين اللاجئين عبر حدوده.

قلناها في هذا المكان، ولا يضيرنا أن نكررها مرة أخرى، وهي أن الخيار الأمثل لتركيا والرئيس أردوغان هو الحوار مع دمشق، وتعزيز التعاون مع طهران وبغداد، وعدم الثقة بالولايات المتحدة كحليف، طعنت تركيا في الظهر أكثر من مرة، ودعمت خصومه الأكراد بالمال والسلاح المتطور جدا، بينما لم تدعم سوريا أو العراق أو إيران معارضا واحدا لحكمه.

حزب العدالة والتنمية بدأ يواجه انقسامات وأزمات داخلية، ويفقد الكثير من رصيده الشعبي، وثقة اللاجئين السوريين أيضا، بعد المضايقات التي بدأوا يتعرضون لها، وتشعرهم أنه لم تعد هناك رغبة رسمية أو شعبية بوجودهم، وسقوط نظرية "المهاجرين والأنصار"، والمأمول أن يعدل أو يغير سياساته التي أوصلته إلى هذا الوضع الصعب، وإلا فإن النتائج ستكون خطيرة على بقائه وحزبه في الحكم.. والأيام بيننا.

عبد الباري عطوان - راي اليوم