بداية انهيار إتفاق الطائف

بداية انهيار إتفاق الطائف
الأحد ٢٠ أكتوبر ٢٠١٩ - ٠٥:٤٠ بتوقيت غرينتش

إذا ما اردنا أن نحكم على أي اتفاق من خلال اعتماد مؤشرات ومعايير مستقاة من تداعيات ونتائج تطبيقه فإننا يمكن القول بأن اتفاق الطائف لم يعد صالحاً لتقوم عليه الصيغة اللبنانية وذلك بناء على ما يلي:

العالم - مقالات

١-إن هذا الإتفاق تم برعاية دولية إقليمية كان طرفاها الفاعلان السعودية وسورية، وهذه التسوية قد تعرضت الى هزة عنيفة ضربت أسسها وجعلت بنيانها على حافة الانهيار بعد أن شنت أميركا برعاية سعودية حربها على سورية هادفة إلى قلب نظام الحكم فيها وإلحاقها بالمحور الأمريكي.

٢- إن التغيّر الاستراتيجي الذي حصل في بداية القرن الواحد والعشرين في البيئة الإقليمية من صعود قوي لمحور المقاومة إلى المستوى الإقليمي ومساهمته الفاعلة مع سوريا في هزيمة الكيان الصهيوني الغاصب في حرب تموز التي شنتها أمريكا على لبنان بأداة إسرئيلية إضافة لدوره الأساسي في المقاومة العراقية وإخراج الأمريكي المحتل من العراق وإمساكه عبر حلفائه بقسم كبير من القرار العراقي، وكذلك دعمه لسوريا في معركتها ضد أمريكا التي تجسدت بالإرهاب والهجوم التكفيري عليها المموّل خليجياً وتركياً أدى ذلك إلى تصدع كبير في سقف الهيمنة الأمريكية الذي كان مفروضاً على المنطقة منذ القرن الماضي والذي كانت دعامتاه الأساسيتان الآلة العسكرية الصهيونية والمال الخليجي لا سيّما السعودي، وإلى إيجاد خلل في التوازن في القوة بين رعاة إتفاق الطائف الاقليميين لصالح سوريا ومحور المقاومة التي تنتمي إليه مما يستلزم تعديلاً فيه لصالح المنتصر والأقوى وحلفائه.

٣- إن القوة الاقتصادية التي كسبتها الصين في العقود الماضية مع توقع تعاظمها المستمر إضافة إلى تشكيل تكتلات اقتصادية قوية من قبل دول وازنة كالصين وروسيا والهند كما هي الحال في دول البريكس تجمعها راية المقاومة للأحادية القطبية الأمريكية الحاكمة للنظام العالمي خفف بشكل دراماتيكي من التركيز الأمريكي على منطقة غرب آسيا أو الشرق الأوسط وحوّل السلوك الاستراتيجي الأمريكي نحو منطقة شرق آسيا لما تمثله من نقاط قوة جيوسياسية لا سيّما في البعد الديمغرافي، إذ أنها تضم حوالي نصف سكان العالم، وكمحاولة أمريكية لكبح جماح الصين الساعية لاحتواء حلفاء أمريكا فيها والتمدد عالمياً لمنافسة النفوذ الأمريكي تجاه دول طريق الحرير.

وما التخلي الأمريكي منذ اسبوع عن الأكراد الحلفاء في سوريا إلا مصداق لهذا الأمر وكذلك هو العجلة والتسرع والتخبط الأمريكي في فرض الحلول دونما دراسة متأنية وافية على كل من فلسطين عبر "صفقة القرن" أو لبنان عبر محاصرة المقاومة اقتصادياً وعبر استمرارية الطلب والزج بالتابعين المحليين من الساسة اللبنانيين في خيارات سياسية أو أمنية لا طاقة لهم عليها.

٤- إن عملية تطبيق اتفاق الطائف لبنانياً أعاد تعزيز أقطاب الحرب الأهلية وأمراءها المرتبطين دونما شك بأطراف إقليمية خارجية وساهم في تعزيز نفوذهم المالي والسياسي المبني على نهب وسرقة موارد الدولة المادية وأموالها المتأتية من الجباية والقروض والهبات والمساعدات ودونما رادع أساسي وفعلي من قانون ونظام تشرعه وتطبقه وتراقبه سلطات تشريعية وقضائية وتنفيذية عادلة.

وذلك لأن الطائف لم يستطع بآلياته القاصرة وبأركانه الفاعلين إلغاء الطائفية السياسية ذلك المحور الذي نسج عليه دستور ونظام وهيكل الدولة التنظيمي وتوزعت بشكل لا يراعي العدالة والإنصاف سلطاتها ومواردها المعنوية والبشرية والمادية والمالية وبنيت سياساتها الاجتماعية والاقتصادية والجائرة والظالمة عليه.

أدى هذا الأمر الى تشويش وضياع وتخبط الدولة في الميدان الاقتصادي وعدم وجود رؤية وخطة اقتصادية استراتيجية بناءة وفاعلة لديها مع توافق سياسي هش كان نتيحة طبيعية لاختلاف ونزاع رعاة الطائف الإقليميين وانقسام اللبنانيين حول ذلك.

والإيجابية الوحيدة لهذا الاتفاق عند اللاعبين المحليين من أمراء الحرب الأهلية كان تسهيل الطريق لهم للسير قدماً في استنزاف الدولة مالياً وتقاسم النفوذ السياسي فيها فيما بينهم.

٥- إن زيادة الوعي لدى المواطنين اللبنانيين بكافة شرائحهم الذي ساهمت في حدوثه الثورة التكنولوجية في عالم الاتصالات وما أنتجته من وسائط تواصل اجتماعي جعل جزءا كبيراً منهم يفكر من خارج إطار طائفته لينكشف أمامه المشهد الإقليمي على حقيقته من حرب قائمة بين محور المقاومة والمحور الأمريكي السعودي الصهيوني، وليس بين سنة وشيعة كما حاولت وسائل إعلام المحور الأمريكي تسويقها، وليبين الأداء المحلي السيء لدولتهم في الميدان الاقتصادي مع ما يرافقه من تراجع للأمل والثقة في الطبقة السياسية الحاكمة وعدم وضوح أفق التغيير نحو الأفضل لديه في ظلال هذا الواقع المتردي القائم حالياً، الذي يكابر فيه الأتباع المحليون المهزومون إقليمياً ليرفضوا الحلول المطروحة للخروج من الأزمة الاقتصادية من قبل دول محور المقاومة وتعمى أعينهم عن رؤية التغيّرات الاستراتيجية المحيطة.

إن كل ما تقدّم سيشكّل نقطة تحوّل كبرى في الوعي الفردي والمجتمعي وسيزكّي في اللبنانيين روح الانتفاضة والثورة على الواقع السياسي والاقتصادي القائم لمحاربة الفاسدين والمفسدين المرتبطين بالناهبين الدوليين.

وهذا أمر ينبغي الالتفات له والتنبه اليه من قبل جميع الحريصين على بقاء البلد لأن رياح التغيير خريفية كانت أو شتوية أو ربيعية أو صيفية ستضرب قواعد البنيان اللبناني القائم على اتفاق الطائف وهذا ما يدفعنا جميعاً الى الشروع في التفكير بصيغة أخرى نبني عليها دولتنا ونحقق من خلالها أمننا السياسي والاجتماعي وازدهارنا ونمونا الاقتصادي.

* علي حكمت شعيب / استاذ جامعي