لمن ستكون زعامة "الإمبراطورية الحريرية".. لبهاء الملياردير أم لسعد المفلس؟

لمن ستكون زعامة
الأحد ١٠ مايو ٢٠٢٠ - ٠٤:٣٣ بتوقيت غرينتش

آخر ما تحتاجه الساحة اللبنانية هذه الأيام، والطائفة السنية على وجه الخصوص، هو انفجار الصراع داخل تيار المستقبل، وأسرة الحريري التي تتربع على قمة زعامته، وخروج التنافس بين نجلي عميدها الراحل بهاء الأكبر وسعد الأصغر إلى العلن بهذه الطريقة التي تشمل خروجا عن الأعراف الأسرية أو حتى الأخلاقية.

العالم - مقالات وتحليلات

من يقرأ البيان الأول للسيد بهاء الحريري الذي دشن فيه نزوله إلى الساحة السياسية، وتضمن برنامج تياره البديل، ورسم خريطة طريق حروبه القادمة، يدرك جيدا أن الرجل لا ينطق عن هوى، وان خلفه قوى عربية ودولية اختارته لكي يكون رأس حربة مشروعها الانقلابي البديل في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، بعد أن تأكد لها أن سعد الحريري لم يعد يصلح لهذه المهمة وحان وقت إخراجه من المشهد.

سعد الحريري ارتكب أخطاء عديدة، وكان عليه أن يدرك فصول السيناريو الحالي قبل عامين عندما جرى استدعاؤه وضربه واهانته واجباره على توقيع بيان استقالته، ولكنه ظل اسير ثقافة "الكفيل" وتخلى عن الذين وقفوا إلى جانبه ودعموه بكل قوة، وانخرط في مؤامرة ضدهم املا في تعزيز موقعه، فخسر الطرفين، وها هو يدفع الثمن غاليا.

لا نعتقد أن تيار المستقبل سيصمد ويحافظ على وحدته وتماسكه في ظل هذا الصراع وحالة الاستقطاب الشرس التي يعيشها، واحتمالات الانقسام، بل والتفتيت باتت واردة بل حتمية، ومن لا يعرف هذه الحقيقة لا يعرف قوة وسطوة سلاح المال الذي سيلعب الدور الأكبر في هذه المعركة الشرسة، وربما يحسم نتائجها بطريقة او بأخرى.

عندما يقول السيد بهاء في بيانه الذي كان له وقع الصدمة في أوساط النخب السياسية والقاعدة الشعبية اللبنانية "انه منذ اغتيال والدي عام 2005 ذهب غالبية السياسيين والأحزاب في لبنان إلى تكديس القوة والأموال على حساب الوطن ومصالح المواطنين، وقامت التحالفات على قاعدة الصمت عن السلاح والفساد وسرقة المال العام"، ويضيف "نطالب بإسناد مطالب الثورة المحقة في تغيير جذري في بنيه النظام اللبناني والمجتمع وفي طريقة إدارة الشأن العام والحفاظ على معيشة المواطن وإعادة كرامته".

عندما يقول السيد بهاء كل هذا الكلام المكتوب بعناية فائقة، وفي مثل هذا التوقيت، فان هذا يعني انه سيستخدم الحراك الشعبي اللبناني الذي عاد إلى الشوارع والميادين مجددا متحديا وباء كورونا كحصان طروادة، وسلم قوي، للوصول إلى قمة الحكم على درب والده وعلى حساب شقيقه.

مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي لحزب "المستقبل"، كان مصيبا في توصيفه لهذا الصراع العائلي عندما قال مخاطبا السيد بهاء "استغربت من اين اتتك هذه الغيرة المفاجئة على لبنان، وانت الذي غبت عنه منذ اغتيال والدك عام 2005، ابناؤنا نزلوا تحت المطر، ونحن تحت الحظر، وانت اين كنت؟".

والشي نفسه يقال عن توصيف النائب عن تيار "المستقبل" وليد البعارين "اعتقدنا أن قصة قابيل وهابيل باتت من التاريخ قبل أن يتضح أن لكل بلد قابيله"، ولكن يبدو أن السيدين لم يطالعا التاريخ ودروسه في الوقت نفسه، والعربي منه خصوصا، والصراع الدموي بين الاخوة على الحكم، وقتل الآباء لأبنائهم، والأبناء لآبائهم، والاشقاء لأشقائهم بالسم او السيف والاستعانة بالأعداء لهذا لغرض.

من جاء بالسيد سعد الحريري إلى الحكم، أي المملكة العربية السعودية وبدعم من واشنطن، هو الذي يريد الإطاحة به، واستبداله بشقيق الأكبر، أي أن الاثنين أدوات لقوى اقليمية ودولية هي التي ترسم لهما الأدوار، وتقدم هذا وتستبعد ذاك وفقد مصالحها.

المعايير التي جاءت بمؤسس "الدولة الحريرية" الراحل رفيق الحريري، تتلخص في عدة مواصفات ابرزها عصاميته، وذكاؤه، وملياراته، ومعرفته بالتوازنات على الأرض وكيفية السير وسط الغامها شديدة الانفجار، علاوة على علاقاته القوية مع اقوى رجل في المؤسسة السعودية الحاكمة الملك فهد بن عبد العزيز.

معظم هذه المعايير، أن لم يكن جميعها، لا تتوفر بأي من النجلين المتصارعين على الزعامة، فمن افلس السيد سعد الحريري، واستدعاه إلى الرياض واهانه واجبره على توقيع بيان الاستقالة، هو الذي يريد الاتيان بشقيقه الأكبر ليكون رأس حربه في المشروع القادم الرامي إلى تجريد "حزب الله" من قوته الردعية، واخراج ايران من سورية، وربما اشعال فتيل حرب أمريكية اسرائيلية ضد محور المقاومة.

احد مستشاري السيد بهاء والمقرب جدا من دائرة القرار في السعودية، اكد ما ذكرناه آنفا بقوله "ان بهاء الحريري لن يقبل بسلاح "حزب الله" او أي ميليشيا تسعى لزعزعة امن لبنان السياسي والاجتماعي، ولا سكوت عن الفاسدين ومن يدعمهم في الداخل والخارج".

السيد بهاء الحريري يملك ما لا يملكه شقيقه وخصمه سعد، أي المليارات، وربما تكون الغلبة له في نهاية المطاف، فهذا المال يعني القدرة على تأسيس الإمبراطوريات الإعلامية، وتجنيد السياسيين، وتوفير الوظائف والمنح الدراسية، وشراء الذمم، والتحالفات في بلد يقف على حافة الإفلاس، لكن هذا لا يعني أن طريق الوصول إلى زعامة لبنان، ورئاسة وزرائه، او حتى زعامة الطائفة السنية ستكون معبدة بالورود والرياحين، بل ربما يحدث العكس تماما، وهو انهاء الحقبة الحريرية كليا.

هذا الصراع بين الشقيقين ربما يؤدي إلى تغيير الخريطة السياسية في لبنان، ولا نستبعد أن يكون العنصر المفجر لمواجهات دموية طائفية على الأرض اللبنانية، سواء عبر بوابة الحراك، او في اطار حرب إقليمية.. والله اعلم.

* راي اليوم