محكمة خاصة بتحريض اللبنانيين على بعضهم بعضا

محكمة خاصة بتحريض اللبنانيين على بعضهم بعضا
الثلاثاء ١٨ أغسطس ٢٠٢٠ - ٠٨:٠١ بتوقيت غرينتش

تنتهي اليوم الثلثاء المرحلة الاولى من عمل المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد 11 سنة على انطلاق عملها و15 سنة على الجريمة من لاهاي.

العالم_لبنان

و حسب صحيفة الاخبار اللبنانية سيعلن القاضي الحكم بحق أربعة متهمين على صلة بحزب الله، اما بالإدانة الكاملة أو الإدانة الجزئية. غير أن ما يطغى على الحكم المباشر بحق أفراد هو الإدانة غير المباشرة لفريق يشكل مناصروه جزءاً أساسياً من المجتمع اللبناني. ما من شك في أن الاحكام التي ستصدر عن المحكمة التي لم تحظَ بإجماع اللبنانيين على انشائها، ستزيد من انقسامهم وترفع من نسبة التوتر بينهم، حتى لو قرر حزب الله اعتبارها غير موجودة.

التوافق يصنع القانون (Consensus facit legem) والعكس صحيح. لا يعني ذلك ان على المجرم والضحية ان يتوافقا لتحقيق العدالة، بل المقصود هو ان على معظم القوى في المجتمع ان توافق على هوية ونوعية وصدقية المحكمة التي تنظر في جريمة حصلت في بلدهم واستهدفت رئيس حكومتهم السابق. لكن، وللأسف، يبدو ان العكس ينطبق على الحكم المنتظر صدوره اليوم عن المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين منذ نحو 15 سنة.

ففي لبنان انقسام حاد بشأن المحاكمة والتحقيق منذ اللحظات الاولى لانطلاقه يوم وقوع الجريمة في 14 شباط 2005. وبعد صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة في تشرين الاول 2005 زاد الانقسام وارتفعت نسبة التوتر الداخلي. ورغم محاولات الامم المتحدة تخفيف وطأة توظيف التحقيق في الصراعات السياسية بين اللبنانيين مطلع عام 2006، من خلال استبدال المحقق الألماني ديتليف ميليس بالمحقق البلجيكي سيرج براميرتس الذي سعى الى الابتعاد عن الأضواء، لم يتوقف تراشق التهم بين اللبنانيين.

وفي العام نفسه شن العدو الإسرائيلي عدواناً على لبنان أدى الى استشهاد أكثر من الف شحص وجرح نحو عشرة آلاف بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومعوّقون. وبدل ان يتوحد اللبنانيون لمواجهة عدوهم المشترك من خلال المطالبة بتوسيع صلاحيات التحقيق الجاري بإشراف القضاء اللبناني وبمساعدة اللجنة الدولية، وضم شهداء العدوان الإسرائيلي المجرم وجرحاه الى شهداء جريمة 14 شباط 2005 وجرحاها، سعى البعض، وعلى رأسهم الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة، الى التنازل عن السيادة الوطنية وتسليم مصير البلد الى المجتمع الدولي.

وبعد المطالبة بإنشاء محكمة دولية خاصة رفض السنيورة الملاحظات التي قدمها رئيس الجمهورية اميل لحود بحسب صلاحياته الدستورية، كما رفض رئيس مجلس النواب نبيه بري انعقاد مجلس النواب للبحث في مشروع انشاء المحكمة الخاصة.

هكذا، انتهكت السيادة اللبنانية مرة جديدة من خلال قرار مجلس الامن الدولي 757/2007 تحت الفصل السابع، والذي أنشئت بموجبه المحكمة الخاصة بلبنان من دون موافقة لبنان الرسمي عليها.

قبل مرور عام على انشاء المحكمة، سُرّب جزء من التحقيق الى صحيفة المانية (دير شبيغل) ورد فيه ما بدا للبعض تفسيراً لتشديد القرار 1757/2007 على السير في المحاكمات الغيابية. اذ بدا وكأن القرار الدولي أساسه الضغط على حزب الله، من دون السعي الفعلي الى مواجهته بضربات مباشرة. فقد أشار تقرير «دير شبيغل» الى تركيز المحققين على ملاحقة مسؤولين وعناصر من حزب الله، علماً ان القبض عليهم شبه مستحيل بسبب قوة الحزب ونفوذه في لبنان. وبالتالي، فات اللبنانيين ان «المجتمع الدولي» سار بمشروع «المحكمة الخاصة بلبنان»، لا بهدف تحقيق العدالة للضحايا وللبنان، بل من اجل تشكيل قوة ضغط دولية على حزب يشكل تهديداً لمصالحهم في المنطقة. وتنبه الأمين العام حزب الله لذلك ما دفعه الى اتخاذ قرار باعتبار المحكمة «غير موجودة» وعدم مواجهتها بشكل مباشر.
في العام 2009، وبعد استعجاله من قبل الاميركيين والفرنسيين، قرر الأمين العام للأمم المتحدة بدء عمل المحكمة رسمياً. علماً ان المدعي العام فيها لم يكن جاهزاً لإصدار قرار الاتهام. لكن بدا يومها ان هذا الامر مفروغ منه، وأن المتهمين معروفون منذ الايام الاولى التي تلت الجريمة (وربما قبل ذلك). ولم يلاحظ اللبنانيون انه، خلافاً لجميع المحاكم الدولية الأخرى، تأخر صدور القرار الاتهامي عامين بعد انطلاق عمل المحكمة. وفي عام 2011 بدأ البازار القضائي بعد رفض قاضي الاجراءات التمهيدية دنيال فرانسين تصديق القرار الاتهامي لعدم تضمنه دوافع الجريمة ولتركيزه على الانتماء المذهبي للمتهمين الأربعة. وبعد مرور سبعة أشهر شهدت أخذاً ورداً بين القاضي والمدعي العام وتعديلات في صياغة الجمل واختيار المصطلحات، صدر قرار الاتهام. وبدا في النص إصرار المدعي العام على ربط المتهمين بحزب الله، علماً ان اختصاص المحكمة يقتصر على المسؤولية الجنائية الفردية كما ورد في المادة الاولى من نظامها.
وخلال تسعة أعوام مضت منذ صدور الاتهام، سارت المحاكمة الغيابية على قدم وساق. وبدت كمحاكمة أربعة أشباح لم يقابلهم احد من المحققين أو المحامين أو القضاة. وللمرة الأولى (ما عدا حالة واحدة في محكمة نورنبرغ منذ اكثر من ستين عاماً)، سيصدر اليوم حكم غيابي عن محكمة دولية. وسيفرض ذلك إعادة المحاكمة من النقطة الصفر اذا ظهر أي من المتهمين واعترض علناً على الحكم الصادر بحقه. يعني ذلك انه اذا حصل ذلك فعلاً، تكون مليار دولار قد انفقت هدراً.