أوكرانيا.. و خيار الحياد

أوكرانيا.. و خيار الحياد
السبت ٢٦ فبراير ٢٠٢٢ - ٠٤:٢٩ بتوقيت غرينتش

من دون ان نغرق في تفاصيل الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا، وفي نقل التصريحات والتصريحات المضادة للمتخاصمين، نحاول ان نقف قليلا امام الاسباب التي ادت الى اندلاع هذه الحرب التي تعتبر اول حرب تشهدها القارة الاوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، هذا اذا ما استثنينا الحرب التي دارت بين جمهوريات يوغسلافيا السابقة.

العالم قضية اليوم

الغرب وعد آخر رئيس سوفيتي، وهو ميخائيل غورباتشوف، بانه لن يضم دول الكتلة الشرقية الى حلف الناتو، الا انه وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، نكث الغرب بوعوده، ولم يضم دول الكتلة الشرقية للناتو فحسب، بل ضم ايضا دولا كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق، حتى وصل دور اوكرانيا.

كان من الصعب ان يضم الغرب اوكرانيا الى الناتو لاسباب عديدة، منها وجود حكومة موالية لروسيا في كييف، وكذلك وجود عدد كبيرة من الناطقين بالروسية في اوكرانيا، بالاضافة الى ان اوكرانيا كانت تعتبر رمز قوة الاتحاد السوفيتي العسكرية، فكانت توجد فيها اكبر ترسانة نووية سوفيتية، بالاضافة الى وجود اكبر قاعدة للاسطول البحري العسكري للاتحاد السوفيتي.

بدأ الغرب نشاطه داخل اوكرانيا لتمهيد الارضية امام ضم هذا البلد الى حلف الناتو، وقد تعهد الحلف في اجتماعه في بوخارست عام 2008 بضم اوكرانيا اليه، وهو ما استفز روسيا، التي اعتبرت الامر عملا عدائيا ضدها، وهددت بانها لن تقف مكتوفة الايدي.

لم يكف الغرب، وعلى راسه امريكا، عن العبث بالساحة الاوكرانية، حيث نجح في اسقاط الحكومة المولية لروسيا، عبر تحريك الشارع الاوكراني عام 2014 ، وأتى بحكومة موالية له و معادية لروسيا، حتى وصل الدور الى رئاسة الممثل الكوميدي فلاديمير زيلنسكي، وهو ما دفع روسيا الى ضم جزيرة القرم اليها، كما دعمت الاجتجاجات الشعبية التي اندلعت في مناطق لوغانسك ودونيتسك في شرق اوكرانيا، ذات الاغلبية الروسيه، ضد الحكومة الجديدة.

لم يكتف الغرب بهذا الانتصار على روسيا، بل تمادى اكثر عندما أصر على ضم اوكرانيا الى الناتو، لمحاصرة روسيا، حيث شجع الرئيس الاوكراني الجديد زيلنسكي، على المطالبة بالانضمام الى الناتو ونصب صواريخ نووية امريكية على الاراضي الاوكرانية، وكان زيلنسكي بذلك يتجاوب بسذاجة فاضحة، مع التحريض الغربي ضد روسيا، حتى آلت الامور الى ما آلت اليه الان؟.

الرئيس الاوكراني زيلنسكي، أدرك متأخر، اهمية الحياد لبلاده، وما كان يجب ان يقع في الفخ الامريكي، حيث لم تمر ساعات على بدأ الهجوم الروسي، حتى اعلن انه يطالب بلقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لبحث قضية حياد اوكرانيا، ولكن بعد ان اصبح الجيش الروسي على ابواب كييف.

كان بإمكان زيلنسكي ان يجنب شعبه ويلاده الحرب، ويحافظ على وحدة اراضي بلاده، لا بالارتماء في احضان روسيا، ولا بالارتماء في أحضان امريكا، بل بالارتماء في احضان شعبه، من خلال إعتماد سياسة حيادية، تأخذ بنظر الاعتبار تاريخ العلاقة التي كانت تربط اوكرانيا بروسيا، والهواجس الامنية للاخيرة، وكذلك من خلال الحذر من امريكا، التي لا تتعامل مع روسيا، إلا من خلال مصلحتها قبل كل شيء.

للاسف لم يكن زيلنسكي بمستوى الثقة التي منحها له الشعب الاوكراني، فقد تعامل بمراهقة، بارواح هذا الشعب ومصالحه وارضه وسيادته ومستقبله، فقط من اجل كسب ود الغرب، الذي تركه وحيدا امام روسيا، التي كانت تطالب بضمانات بعدم تمدد الناتو في اوكرانيا.

ليس هناك من انسان سوي يمكن ان يؤيد الحرب، اي حرب، او يدافع عنها او حتى يبررها، مهما كانت الاسباب، وهذا ينطبق ايضا على الحرب التي تشنها روسيا على اوكرانيا الان، ولكن، وهذ ليس تبريرا بل وصفا لواقع، لم تتدخل امريكا والناتو، في بلد ما من العالم، الا وجلبا معهما الخراب والدمار، والتجربة التاريخية، خير دليل على ذلك.

سعيد محمد – العالم