تحفّز النموّ الاقتصادي بتنقيد الديون والخسائر..

 تقرير التدقيق الجنائي يشير إلى مسؤولية سلامة في إدارة دكانة

 تقرير التدقيق الجنائي يشير إلى مسؤولية سلامة في إدارة دكانة
الجمعة ١١ أغسطس ٢٠٢٣ - ٠٦:١٩ بتوقيت غرينتش

اشارت صحيفة الاخبار اليوم الجمعة الى ان الحقائق التي أخفاها الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة لسنوات طويلة بدأت بالظهور.

العالم_لبنان

فبحسب تقرير التدقيق الجنائي الذي أعدّته ألفاريز أند مارسال وحصلت الأخبار على نسخة منه، كان سلامة إمبراطوراً يسيطر على المصرف المركزي بلا نقاش وبلا اعتراض.

فهو يرسم السياسة النقدية، ويحدّد المعايير المحاسبية التي سيتم استخدامها لإخفاء الخسائر المتراكمة، ويقرّر أي المصارف تستفيد من قروض وهندسات مالية، ويوزّع المال العام على رعايات أو بالأحرى تنفيعات لأفراد وشركات ومؤسسات إعلامية.. ووسط كل ذلك، لم ينسَ نفسه وعائلته، فلجأ عبر شقيقه رجا سلامة إلى تأسيس شركة اسمها فوري، ووقّع رياض مع شقيقه رجا عقداً درّ على شركتهما ملايين الدولارات، رغم أن التقرير لم يجد لهذا العقد أي تبرير وظيفي.

أما اللاعبون في مصرف لبنان بإدارة رياض سلامة، فكانوا عبارة عن أصنام في المجلس المركزي يكتفون بما يقدّمه لهم من شروحات مختصرة حول عمليات يريد القيام بها، وهم لا يناقشون فيها، ولا يتابعون أي تفاصيل متّصلة بها. لا رقابة داخلية في المصرف، وبياناته المالية لا تعبّر عن الوضع المالي الحقيقي، أي عن الخسائر، بل يكاد التقرير يقول إنه كان يزوّر القيود المحاسبية ليظهر المصرف المركزي رابحاً ويوزّع أرباحاً للدولة بقيمة 40 مليون دولار سنوياً.

كلّ ذلك، كان يتم بتعليمات مباشرة منه لموظفي المحاسبة في المصرف المركزي لإبقاء الخسائر مجمّعة في بند واحد يسمى «pool». سمّوها ما شئتم، «بركة»، «تجمّع»، «حوض»... المهم أن كل القذارات المالية المرتكبة كانت تُخفى هناك.

وبحسب الاخبار تقرير ألفاريز أند مارسال مؤلّف من 332 صفحة موزّعة على 14 باباً فيها الكثير من التفاصيل الوصفية للعمليات المحاسبية والمصرفية والإدارية المعقّدة التي تشير بوضوح إلى مسؤولية رياض سلامة في إدارة «دكانة» هائلة كانت تحفّز النموّ الاقتصادي بتنقيد الديون والخسائر المتراكمة، لا بل كانت تضع هذه الخسائر باعتبارها أرباحاً مؤجّلة. معظم ما ورد في التقرير كان معروفاً، أو لدى العامة فكرة مختصرة عنه، إنما التقرير جاء ليوثّق هذه العمليات على مدى فترة زمنية محدّدة، أي إنه لم يدقّق في كل فترة حكم سلامة، وهو لا يقدّم سوى توصيف تقني عما يحصل، أي إنه لا يتطرّق مطلقاً إلى الشراكة السياسية التي تركت سلامة يهيمن من موقع القائم على السياسات النقدية، على كل الاقتصاد وعلى عمل الحكومات.

خلاصة التقرير أن مصرف لبنان كان يدير أكبر عملية توزيع انتقائي وبأهداف غير اقتصادية للأموال العامة.

وبحسب التقرير استخدم مصرف لبنان معايير محاسبية غير تقليدية لتحضير بياناته المالية. هو إجراء تستخدمه العديد من المصارف المركزية عالمياً، لكنه في العادة يكون طبقاً لمعايير بديلة ثابتة وواضحة، وهو أمر تفتقر إليه المعايير التي اعتمدها مصرف لبنان. هذه الإجراءات سمحت لمصرف لبنان بنشر بياناته المالية بشكل غير شفّاف وإخفاء الكثير من المعلومات. المعايير المحاسبية التي بنى عليها مصرف لبنان بياناته المالية تعود إلى «الدليل المحاسبي» الخاص بمصرف لبنان، الذي يوافق عليه المجلس المركزي.

هذا الدليل عُدّل في عدّة مناسبات، منها في عام 2016 وعام 2018.

وبحسب التقرير ايضا، كان لدى مصرف لبنان فائض في العملات الأجنبية بقيمة 7.2 مليارات دولار في نهاية 2015، إلا أن الأمر انقلب إلى عجز بقيمة 50.7 مليار دولار في نهاية 2020. سبّب ذلك زيادة الودائع لديه بالعملة الأجنبية بنسبة 119% والتي جرى تمويلها بواسطة عمليات الهندسات المالية، مقابل انخفاض في قيمة الأصول الأجنبية بنسبة 18%. (عملياً يتحدث التقرير عن استقطاب الودائع من الخارج وتحويلها إلى أصول محلية).

هناك نسبة كبيرة ومتزايدة من الأصول بالعملات الأجنبية هي عبارة عن أصول محلية، وهذه المبالغ، إذا تم ردّها، ستشكّل ضغطاً هائلاً على الدولة اللبنانية والشعب والاقتصاد. وازداد النقص في الاحتياطات بالعملة الأجنبية إلى 71.9 مليار دولار في نهاية 2020، مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 31.2 مليار دولار، أي إن نسبة النقص بالعملة الأجنبية نسبة إلى الناتج بلغت 230%.

الوضعية المالية لمصرف لبنان تدهورت سريعاً، لكن لم يعبّر عن ذلك في الميزانية والبيانات المالية التي تم تحضيرها وفق معايير محاسبية غير تقليدية تتيح لمصرف لبنان المبالغة في تقييم أصوله وأرباحه بشكل كبير. اللافت أن الحاكم حدّد الالتزامات المترتبة على مصرف لبنان من دون أي تفسير. وقد بلغ العجز في رأس مال مصرف لبنان 51.3 مليار دولار.

ردّ مصرف لبنان على ذلك في تموز 2023، بالقول إن «ذلك هو جزء من سياسات محاسبية أقرّها المجلس المركزي لمصرف لبنان. غالبية المصارف المركزية تتبنّى معايير محاسبية مصمّمة بحسب حاجاتها والسياسات النقدية المتّبعة. الفوائد المدفوعة على شهادات الإيداع والودائع تنسجم مع تطوّر العائد على سندات اليوروبوندز.

ويشير التقرير الى ان السياسات والمعايير المحاسبية التي اتّبعها مصرف لبنان، في سياق تنفيذ الهندسات المالية كانت استثنائية قياساً على العوامل الشخصية والدقّة والسرية التي اتّسم بها عمل الحاكم. حتى مع السياسات غير التقليدية، فإنه في سياق كونها سياسات، يجب أن تكون قابلة للتدقيق وواضحة وقابلة للتدقيق والفهم من قبل طرف آخر. سياسات مصرف لبنان في هذا الإطار فشلت.

الهندسات المالية كانت مكلفة جداً وتتضمن: علاوات مدفوعة لشراء سندات الخزينة وإطفاء شهادات إيداع، فوائد على الودائع وشهادات الإيداع، فروقات مرتفعة في سعر الصرف. ولاحظنا، أنه من أجل تفادي الخسائر الدفترية، حوّل مصرف لبنان الكلفة إلى الميزانية، وفي النتيجة كان المصرف قادراً على إظهار ربح في كل السنوات، وتوزيع أرباح بقيمة 40 مليون دولار لوزارة المال.

كلفة الفوائد التي أبقيت في الميزانية سُجّلت كالتزامات بعنوان مصاريف فوائد متفرقة وأكلاف شهادات الإيداع المعروفة باسم البركة. الكلفة الإجمالية للهندسات المالية تُقدّر بنحو 115 تريليون ليرة في نهاية 2020".

ويضيف التقرير : في نهاية كل سنة، كان الحاكم يعطي تعليمات لقسم المحاسبة لإطفاء أكلاف العمليات المالية. لذا، فإن البيانات المالية التي يصدرها لم تكن تعبّر بصورة دقيقة عن الوضع المالي للمصرف. الوضعية المالية والخسائر كانت تظهر على شكل عمليات تصفير بين الأصول والالتزامات ويتم تسجيلها في حسابات عامة غير واضحة مثل الأصول الأخرى، وحسابات تسوية. لم تُظهر الميزانية أي خسائر.

ولم تقدّم أي معلومات للعموم مثل حساب الأرباح والخسائر من عام 2015 لغاية 2020، ولا عن الفوائد المدفوعة للمودعين الكبار أو الممنوحة للمقترضين الكبار، ولا منهجية تقرير هذه الفوائد، فضلاً عن الامتناع عن نشر تمركز الودائع بحسب الشرائح، ولا عن كلفة الهندسات المالية والقرارات المرتبطة بها، بل استعمل مصرف لبنان عمليات التنقيد لزيادة عرض الليرة، والتي أدّت إلى زيادة النفقات الإجمالية للبلد بما فيها نفقات الحكومة. قد تقوم المصارف المركزية بهذا الأمر، إنما زيادة هذا النوع من العمليات تخلق مشكلة تضخم، كما تؤثر على القدرة على تثبيت سعر الصرف.

لكن مصرف لبنان استعمل الهندسات المالية لإبقاء الدولارات في النظام المصرفي. وبمجرد نهاية تثبيت سعر الصرف، أصبح من غير التقليدي وغير المستقرّ أن تكون هناك عمليات ربح من عمليات التنقيد. عرض الليرة في السوق أدّى إلى نموّ الناتج الاقتصادي، ولا سيما في القطاعات التي تحقق أرباحاً بالعملة الأجنبية. استعمال التنقيد لم يكن حكيماً بالمطلق، وهو الأمر الذي لم يُكشف للعموم.