الصين وسوريا نحو شراكة استراتيجية

الصين وسوريا نحو شراكة استراتيجية
الخميس ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣ - ٠٤:٥٨ بتوقيت غرينتش

أنهى الرئيس السوري بشار الاسد زيارته للصين، والتي اتجهت اليها الأنظار بمضمونها الذي اثمر توقيع إتفاق إستراتيجي، يفتح بابا واسعا للتعاون بين البلدين، ويدفع العلاقات بين دمشق وبكين إلى مستوى جديد، في مواجهة حصار غربي ومحاولات خنق اي انفتاح سياسي او اقتصادي تجاه سوريا.

العالم- مقالات

تأتي زيارة الرئيس الأسد إلى الصين، وهي الثانية منذ عام 2004، في ظرف دولي واقليمي معقد، نتيجة تفاعلات دولية عديدة، واصطفافات دولية، بالاضافة الى العلاقات الصينية الامريكية المتوترة، والتي وصلت الى حد ان اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية ان الصين عدو.

ومن ناحية اخرى اثبات الدولة السورية قدرتها على اختراق العزلة الدولية، التي تحاول واشنطن فرضها على البلاد، ضمن هذه الظروف مجتمعة جاءت هذه القمة، بالمستوى العام، تاريخية بظروفها وتوقيتها ونتائجها، وبالمستوى الخاص، تسعى لتفعيل الدور الصيني في سورية وخصوصا في مجال إعادة البناء والنهوض مجددا بالاقتصاد.

بالاضافة الى النتائج السياسية الهامة، تعتبر هذه الزيارة انزياحا جوهريا في مشهد العلاقات الخارجية السورية على المدى المباشر، ومظهرا جديدا للمكانة الدولية لدمشق، باعتبارها دولة تشكل قوة فاعلة، إلى جانب تعزيز أسس الانتفتاح السياسي السياسي السوري نحو الشرق.

وفي المشهد الاستراتيجي، فهي تمثل اولا فجوة هائلة في جدار الحصار والعزل السياسي المفروض على سورية، الامر الذي سيفرض نفسه على المعادلات الدولية والاقليمية السائدة في هذا الاطار، وتحمل رسالة جديدة تؤكد ان المحاولات مستمرة لاستبعاد واشنطن من رسم حدود المعادلات الاستراتيجية في منطقة غرب آسيا، وهذا ما كان واضحا في مراسم الاستقبال الهام جدا، الذى استقبلت به بكين الرئيس السوري، والاهتمام الكبير بالرئيس الاسد على المستويات السياسية والإعلامية والاقتصادية، بالاضافة الى ما تضمنته كلمة الرئيس الصيني خلال استقباله للاسد، والتي ركز فيها على التعاون المشترك مع سوريا، ويتضح ان الصين تسير بخطوات محسوبة جدا، للتعاون والشراكة مع سوريا، في ظل العقوبات الاقتصادية الامريكية على دمشق، ما يعني ان تلك الاتفاقيات الاستراتيجية التي وقعت، بالاضافة الى الدعم الروسي والايراني للدولة السورية، سيشكل ارباكا للولايات المتحدة الامريكية والاتجاهات الإقليمية الأخرى.

فالصين قوة دولية ذات ثقل هائل على المستويات السياسية والاقتصادية العالمية، وهي طرف مؤسس ومحوري في الكثير جداً من التحالفات الاقليمية والعالمية، وهي قطب دولي تمثل الشراكة معه قيمة مضافة لأي دولة، صغيرة كانت ام كبيرة، سواء كانت في وضع التأزم والحصار ام لا، ولا شك أن تعزيز مكانة سوريا السياسية والدبلوماسية على الساحة الدولية، سيعزز حضور سوريا كضلع مهم في محور المقاومة، وهذه المعادلة في مجملها تزيد من قوة محور المقاومة، وتحمل بالطبع تحديات خطيرة للتيارات المتحالفة مع الولايات المتحدة الامريكية، وهذه يأتي ضمن حسابات الصين، والتي جاءت بعد دراسة صينية لاهمية الشراكة الايرانية السورية، والسورية الروسية، وما يمثله موقع سوريا الجيوسياسي في المنطقة، وما تمثله سوريا من رأس حربة لكسر الهيمنة الامريكية في المنطقة والعمل على بناء عالم متعدد الاقطاب، تمثل الشراكة الاستراتيجية التي تم الاعلان عنها بين البلدين.

وجاء تصريح الرئيس الصيني شي جين بينغ حاسماً لها عندما قال، وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الصينية الرسمية : "اتفقت بكين ودمشق على إقامة شراكة إستراتيجية"، ما يبين انها مقدمة هامة جداً لاسقاط العقوبات الامريكية المفروضة على سورية، كما انها تعني ان المظلة الاستراتيجية الصينية، أقله على المستوى السياسي، اصبحت تشمل التحالف مع سوريا، ودعماً هاماً لدمشق في وجه التحديات التي تمثلها قوات الاحتلال الامريكية او التركي الموجودة على الارض السورية، كذلك فيما يتعلق بوقف التدخل الخارجي في الشؤون السورية.

الدور الصيني سياسيا في الملف السوري ملموس وحيوي وهذا يشهد عليه استخدامها لحق النقض عدة مرات في مجلس الامن، البعض يعتقد بأن دورها رديفا للموقف الروسي في ما يخص سورية بمجلس الأمن وهذا يترك تساؤلات عما إذا كان سيبقى رديفا القمة تعلن أن لا يمكن أن يبقى رديفا خاصة وأن التعقيدات في الملف السوري كثيرة وهو ما يشير بأن التطور ليس اعلاميا دعائيا، وإلا لبقيت الامور على حالها وعلى الصعيد الاقتصادي، فتح الباب واسعاً امام الصين لكي تكون طرفاً اساسياً في اعادة الاعمار في سورية، تأسيساً لمشهد من التشبيك الاقتصادي الذي سيبنى عليه الكثير لعدة عقود قادمة، وسيعيد التوازن لمعدلات التعاون الاقتصادي، والتبادل التجاري، الذي شهد تذبذب في السنوات التي سبقت الحرب المفروضة على سوريا، حيث بلغ وفق خبراء اقتصاديين في دمشق ان " الواردات الصينية الى سوريا، شكلت ما نسبته 8.8% من إجمالي الواردات السورية وبلغ حوالي 2.27 مليار دولار.

وبين عامي 2010 و 2012 التي شهدت أولى بدايات الأزمة السورية حوالي 3.5 مليار دولار في نهاية العام الرابع من بداية الحرب في سوريا عام 2014م انخفض التبادل التجاري إلى ما يقارب 210 مليون دولار وذلك بسبب انخفاض مستوى الطلب على البضائع وامتداد الأزمة الذي أدى لانخفاض مستوى الاقتصاد السوري وتراجع الصادرات والصناعات بشكل إجمالي والصعوبات التي واجهت المستوردين والأسواق التي تعاملوا معها، فوصلت عام 2015 الى نحو 6.5%، وعاودت ارتفاعها في 2020 مُحقّقةً 10.9%، متجاوزةً بذلك ما حقّقته عام 2010.

لكنّ اللافت هو تراجعها في العام التالي (2021)، الى 8.8%، في حين كان ينتظر تحسّنها على خلفية زيارة وزير الخارجية الصيني إلى دمشق بحسب خبراء اقتصاديين ما بعد القمة السورية الصينية ثمة تساؤلات عدة عن استطاعة البنية الاقتصادية السورية الاستفادة من الاتفاقيات الموقعة مع الصين وترجمتها انتعاشاً يعود بالنفع على السوريين ؟ وهل يمكن أن تكون سورية بيئة جاذبة للاستثمارات الصينية وقادرة على تجاوز تبعات العقوبات؟ وهل بإمكان الصين لعب دور سياسي ينهي حالة الجمود السياسي ويفتح أفاق جديدة لحل سياسي في القريب العاجل أسئلة عدة برسم قادمات الايام...

حسام زيدان