جوّا الصندوق..

الدراما العربية سياسيا.. وغياب الأعمال الدرامية عن غزة!

السبت ٠٥ أبريل ٢٠٢٥
٠٤:٤٦ بتوقيت غرينتش
يسلط برنامج"جوا الصندوق" الضوء على الدراما العربية من الناحية السياسية، والتطرق إلى مسلسل"معاوية" الذي أثار جدلاً في العالم العربي بعد أن عرضته منصة شاهد السعودية في شهر رمضان 2025.

العالم - جوّا الصندوق

مع بداية تسعينيات القرن الماضي، ونتيجة لمركزية جهاز التلفزيون في حياة البشر عموماً وحياة العرب خصوصاً، ظهرت ظاهرة جديدة أضيفت إلى طقوس شهر رمضان المبارك، وهي ظاهرة متابعة المسلسلات العربية أو ما يسمى بالإنتاج الدرامي العربي بشكل عام.

بين مسلسلات مصرية وسورية وخليجية، تحول جزء كبير من سكان المنطقة العربية إلى مشاهدين مطلقين لمحتوى مختلف عن المحتوى الإخباري التقليدي، محتوى يُقدَّم على شكل ترفيه وتسلية لكنه يحمل أبعاداً أعمق وأحياناً أخطر بكثير من مجرد التسلية.

وسبب التحدث عن الدراما العربية هو أنه في بيت كل واحد منا، ربما لا يخلو بيت عربي من متابعين لمسلسل أو أكثر، ومن تعلق بشخصيات الممثلين المشاركين في هذه المسلسلات، والأهم تلقي الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي يتم تمريرها في هذه الأعمال.

الدراما التلفزيونية أسهل الطرق لإيصال الرسائل والأفكار للمشاهد

وسبب أهمية هذا الموضوع هو لأن الدراما التلفزيونية هي من أسهل الطرق لإيصال الرسائل والأفكار للمشاهد بصرف النظر عن طبيعة هذه الرسائل. لأنه ببساطة، يستطيع العمل أن يقدم لك صورة عن واقع معين أو عن تاريخ معين وكأن هذه الصورة هي كشف للحقيقة بدون أي مجهود منك كمشاهد. وليس فقط بدون مجهود، بل أيضاً تُقدَّم لك هذه الحقيقة تحت غطاء الترفيه والتسلية، مما يجبر العقل بشكل عام على أن يُعطِّل حس النقد ويُشغِّل حس الاستهلاك مهما كان المحتوى.

خطورة هذا الموضوع تتضاعف عندما نراقب التغييرات التي رافقت شكل ومضمون المحتوى الذي يتابعه جزء كبير من سكان هذه المنطقة، والذي هو بطريقة أو بأخرى انعكاس لواقع سياسي واجتماعي مرتبط مباشرة بحرب الهيمنة على بلادنا وعلى ثرواتها.

شاهد أيضا.. حماس: جرائم الاحتلال ضدّ أطفالنا لا تسقط بالتَّقادم

ليس صدفة أبداً أنه في اليوم التالي لبدء حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة في أكتوبر 2023، كان النظام السعودي يصر على استضافة مهرجان الرياض الترفيهي الذي جمع غالبية الفنانين والممثلين العرب ليحتفلوا بالجوائز والتكريمات والأضواء في نفس الوقت الذي كانت فيه الصواريخ الأمريكية تفتك بأجساد أطفال غزة. هذا المشهد الصادم للكثيرين رأيناه في عام 2023، لكنه نتاج لسنوات من العمل لتحويل الإنتاج الفني العربي عموماً والدراما العربية خصوصاً إلى أداة من أدوات كي الوعي العربي وتأييد الهيمنة على شعوبنا ومنطقتنا وثرواتنا.

أسباب صعود الدراما العربية

صعود الدراما العربية ارتبط بشكل أساسي باسم دولتين عربيتين أساسيتين وهما مصر وسوريا. بشكل عام، الإنتاج الدرامي يحتاج إلى ثلاثة عوامل أساسية: المال للإنتاج، والإبداع للكتابة، والموهبة للتمثيل. في مصر وسوريا، في حقبة التسعينيات وبداية الألفية، كانت هذه العوامل الثلاثة موجودة بقوة تحت سيطرة الدولة المركزية في البلدين.

في تلك الفترة، كان المحتوى الأساسي في الدراما العربية متنوع الأفكار. فكان المشاهد يستطيع متابعة قضايا اجتماعية ومسلسلات تاريخية وأحياناً خليطاً بين الاثنين. وبشكل عام، كانت أفكار مثل الوطن وصراعات تحرر الشعوب ومقاومة المحتل وفلسطين في صلب جزء أساسي من الأعمال الدرامية السورية والمصرية.

في مصر، سنة 2002، قُدِّم مسلسل "فارس بلا جواد" للفنان محمد صبحي، والذي عالج فيه الفكرة الصهيونية وحقبة التمهيد لاحتلال فلسطين. وفي أكثر من عمل درامي مصري، كانت قضية المواجهة مع إسرائيل حاضرة حتى ولو بشكل خافت نتيجة القيود القائمة تحت حكم حسني مبارك. وبدءاً من الثمانينيات، مسلسلات مثل "رأفت الهجان" و"العميل 1001" و"فرقة ناجي عطا الله" كان العدو الإسرائيلي حاضراً فيها كعدو، وكانت القضية العربية وأحداث العالم العربي أيضاً حاضرة بأفكار مقبولة عن ضرورة المواجهة ورفض الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.

بالمقابل، في الوقت الذي كانت فيه الدراما المصرية تتجه نحو القضايا الاجتماعية حصراً، كانت الدراما السورية تصعد لتقدم محتوى يجمع بين الترفيه والتثقيف وتصوير الواقع. المسلسلات المعروفة بأعمال البيئة الشامية كان أغلبها يتمحور حول مقاومة المحتل سواء كان المحتل عثمانياً أو فرنسياً. وفي كثير من هذه الأعمال، كان يتم الإضاءة على الاستعمار ومساوئه ليس فقط في سوريا بل في المنطقة ككل، مع ترسيخ لأفكار حب الوطن ومقاومة المحتل والوحدة الوطنية وغيرها.

مسلسل "التغريبة الفلسطينية"أهم أعمال الدراما السورية التي كانت حاضرة

ومع الوقت، كانت الدراما السورية تتطور وكانت فلسطين حاضرة وتزداد حضوراً على الشاشة العربية. وفي صيف عام 2004، قدمت الدراما السورية واحداً من أهم الأعمال التوثيقية للقضية الفلسطينية وهو مسلسل "التغريبة الفلسطينية". وقبله وبعده، كانت مسلسلات مثل "عائد إلى حيفا" و"الاجتياح" تواكب تطور الأحداث في فلسطين، تحديداً بعد الانتفاضة الثانية واجتياح مخيم جنين، لتقدم للمشاهد العربي صورة إبداعية لواقع قضية العرب الأولى، وتطرح أفكاراً يمكن القول إنها تثقيفية بامتياز. وحتى الأعمال التي كان طابعها اجتماعياً بحتاً كانت قضية فلسطين وأحداثها حاضرة فيها كجزء من تجسيد يوميات المواطن السوري في ذلك الوقت.

شاهد أيضا.. مكانة"فلسطين"في قلب وعقل الشهيد السيد حسن نصر الله

بشكل عام، كان المشاهد العربي يُقدَّم له محتوى دسم بالأفكار والقضايا الهادفة والتي تحفز الفكر، والتي أيضاً تساهم في صناعة صورة حقيقية عن التاريخ والحاضر. لكن ومقابل هذا المسار، شهدت فترة بداية الألفية ووصولاً إلى 2010 صعود مسار مناقض تمثل بدخول المال الخليجي والسعودي بشكل رئيسي على خط الدراما العربية. بدأ الموضوع بالتعاون مع المصريين والسوريين وتقديم المال اللازم للإنتاج مقابل احتفاظ المصريين والسوريين بالكتابة والأفكار، لكن مع مرور الوقت تبين أن دور المال الخليجي كان أكبر بكثير من مجرد الدعم والتعاون.

غياب غزة وحرب الإبادة عن الأعمال الدرامية في 2024 و2025

والمثال الأهم من كل الأمثلة المذكورة هو غياب غزة وحرب الإبادة على الشعب الفلسطيني عن الأعمال الدرامية في 2024 و2025، علماً أن الإبادة لم تتوقف. ويظل هذا الغياب أكبر دليل على التوظيف السياسي للمال الخليجي في الدراما. كما يكشف هذا الغياب أيضاً عن الهدف السياسي الرئيسي للاحتكار الخليجي، والسعودي خاصة، للإنتاج الفني، والذي يتوافق مع كل الأهداف التي ذكرناها سابقاً. هذا الهدف هو تغريب القضية الفلسطينية عن المشاهد العربي وتحويلها إما إلى قضية إنسانية بحتة أو عبق بصري وفكري لا يحتاجك كعربي عاطفي.

في سياق الإبادة، يجب أن نذكر أن المسلسل الوحيد في موسم رمضان 2025 الذي ذكر ولو حدثاً واحداً متعلقاً بالحرب الإسرائيلية الغربية على بلادنا كان المسلسل العراقي "20"، الذي قدم مشهداً معبراً عن ليلة اغتيال السيد حسن نصر الله وأثرها على المواطن العربي.

بعد ذلك، يتحول دورك كمشاهد عربي إلى أن تبتلع وتهضم كل أشكال الاستهلاك والترفيه والإلهاء. من خلالهم، عليك أن تتقبل وتتبنى السرديات التاريخية والسياسية التي تقدمها لك نفس الجهة التي تحدد لك ذائقتك وتسليك وتشكل نظرتك لنفسك وللعالم.

شاهد أيضا.. شاهد..قصة فتاة فلسطينية ناجحة إنقلبت حياتها بعد الـ7 من أكتوبر!

الإفراط في الاستهلاك هو هدف أساسي لأجندة الصناعة الدرامية، والهدف من هذا الإفراط هو انتزاع القيم الفطرية للإنسان العربي وخلق فراغ قيمي يحول الإنسان إلى أداة سهلة التطويع والتسخير، سواء في مشاريع التطبيع والسخرة الاقتصادية أو في المشاريع التكفيرية التقسيمية.

قيم حب الوطن وترسيخ مقاومة الاستعمار وتبني القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل كلها قيم مغيبة بشكل كامل عن المشهد الدرامي. وفي نفس الوقت، تعمل الأجندة الخليجية على استقطاب رموز الفن العربي المصري والسوري تحديداً، وتحويلهم إلى أبواق تمجد النموذج السعودي والإماراتي والقطري مقابل احتقارهم لأوطانهم.

تلقي المشاهد العربي فكرة انتزاع روح الإيمان بالوطن وبالقضية

بهذه الطريقة، يتلقى المشاهد العربي من أبناء بلاد الشام ومصر والدول المستهدفة فكرة خطيرة وهي احتقار الذات وانتزاع روح الإيمان بالوطن وبالقضية، والسعي للنجاح بطابع الاستهلاك والبحث كما يفعل النجم الفلاني والنجمة الفلانية التي يحبها الجمهور.

وهكذا نرى أن الاحتكار الخليجي للإنتاج الدرامي العربي لا يساهم فقط في انحطاط المحتوى الفني والإبداعي العربي (مع بعض الاستثناءات التي تؤكد قاعدة الانحطاط)، بل يستخدم هذا الانحطاط كأداة لتحقيق مكاسب سياسية تخدم أجندة الممول الخليجي وأسياده في الغرب على حساب شعوب المنطقة ومستقبل أجيالها.

التفاصيل في الفيديو المرفق ...

0% ...

آخرالاخبار

دورية للاحتلال تنفذ أعمال تجريف قرب سد بريقة بريف القنيطرة الأوسط


بدء المرحلة الثانية من مناورات القوات البحرية لحرس الثورة الاسلامية


منازل جديدة للفلسطينيين ينسفها الاحتلال في حي الشجاعية


كلمة مرتقبة للشيخ نعيم قاسم مساء اليوم


قتلى بمجزرة للدعم السريع في مدينة كلوقي السودانية


شاهد.. مراسل العالم: الاحتلال يواصل قصفه قطاع غزة


الرئيس الايراني يهنئ ملك ورئيس وزراء تايلاند باليوم الوطني


الادميرال إيراني يشيد بنجاح القوات البحرية في مناورة بريكس الدولية


دول أوروبية تقاطع يوروفيجن احتجاجا على قرار السماح بمشاركة الاحتلال


رسائل التصعيد الإسرائيلي وولادة التسوية اللبنانية داخل لجنة الميكانيزم