الرقص الأمريكي .. الجزء الأول

تركيا في قلب الصراع: الشارع الواعي والدور الخفي لـ"إسرائيل"

السبت ٢٣ أغسطس ٢٠٢٥
٠٢:٠٦ بتوقيت غرينتش
يسلّط وثائقي"الرقص الأمريكي"الضوء على التناقض بين موقف الشعب التركي الداعم لفلسطين وبين دور دولته في تسهيل الدعم اللوجستي والعلاقات الاقتصادية مع"إسرائيل"، كما يكشف عن البصمة الأمريكية الخفية في هذه العلاقات من خلال قواعد الناتو واستخدامها لصالح تل أبيب.

مفاجأة الخبر وقرار السفر

بينما كنت أستعد للدخول إلى مقر عملي، كان من المفروض أن أعد تقريراً عن آخر تطورات الحرب التي يشنها الكيان الإسرائيلي على شعب قطاع غزة. لكن خلال إعداد التقرير، صادفت خبراً أثار دهشتي. قرأت الخبر بدقة وتمعن أكبر.

الدعم الغربي وبعض الدول الإسلامية لـ"إسرائيل"

ليس من الجديد أن تقوم الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، بدعم الكيان الإسرائيلي في جرائمه بحق أبناء الشعب الفلسطيني، فهي مستمرة بهذا الدعم منذ احتلال فلسطين وحتى يومنا هذا. لكن الجديد والمؤلم هو أن بعض الدول الإسلامية تلعب دوراً في توفير الاحتياجات العسكرية والاقتصادية لهذا الكيان، وهو أمر يصعب تصديقه.

التحقق في تركيا

كان هذا الخبر غريباً ومثيراً للدهشة لدرجة أنه دفعني إلى التحقق من صحته، فاتخذت قراراً بأن أعد برنامجاً وثائقياً بهذا الصدد.
كان البلد الأول الذي ذكر اسمه في هذا الخبر هو تركيا، وبما أنه سبق لي العمل هناك، قررت السفر إلى تركيا للتحقق من الأمر عن كثب.

إسطنبول بين التاريخ والسياسة

ليس من الصعب علي السفر إلى إسطنبول، فهي مدينة زرتها مراراً وتكراراً، ولم تفقد يوماً جاذبيتها بالنسبة لي. لكن الرحلة إليها هذه المرة تحمل معنى مختلفاً.
تتمتع مدينة إسطنبول بتاريخ متشابك ومليء بالأحداث، بدءاً من العصور التي سبقت قيام الدولة العثمانية، مروراً بمرحلة صعود كمال أتاتورك، وحتى السنوات الأخيرة التي شهدت أحداثاً سياسية مهمة، من بينها محاولة الانقلاب التي نفذها العسكر ضد الحكومة.

وعي الشعب التركي بالقضية الفلسطينية

لعبت هذه التطورات والتحولات السياسية المتواصلة دوراً مؤثراً في تشكيل وعي سكان إسطنبول، بحيث أصبح مواطنوها يتسمون بحس سياسي عالٍ. شعب اعتاد على زخم السياسة وتقلباتها، كما اعتاد زخم البحر وتيارات البسفور والدردنيل. لذلك ظلوا دائماً على وعي بمجريات القضية الفلسطينية، خاصة منذ أن بدأت مأساة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، حيث نزلوا مراراً إلى الشوارع معلنين دعمهم للشعب الفلسطيني.

الغموض حول القنصلية والعلاقات الاقتصادية

لكنني ما زلت لا أستطيع أن أفهم كيف لذات الشعب أن يسمح للكيان الإسرائيلي بأن تكون له قنصلية تعمل بحرية في قلب مدينتهم. وما زال من الصعب علي استيعاب كيف يمكن لهذا الشعب أن يغض الطرف عن العلاقات الاقتصادية الواسعة التي تربط دولته بالكيان الصهيوني الغاصب الملطخة أياديه بدماء أطفال فلسطين، فيما يؤمن احتياجاته عبر الأراضي التركية.

شاهد أيضا... الموقف التركي تجاه الكيان الإسرائيلي.. ما بين الشعارات والواقع

الحياة اليومية على حافة البسفور

للإجابة على هذه الأسئلة وإزالة الغموض الذي يهيمن على فكري، كان لا بد من البحث عن ذلك في إسطنبول ومقابلة أولئك الذين لديهم هذه الإجابات.

تبدو الحياة هادئة في ظاهرها على حافة الساحل. يسير الناس في مسارهم اليومي: طفل يلعب بطائرته الورقية، ورجل مسن جالس بهدوء على مصطبة خشبية، بينما يصب بائع الشاي كوباً بعد آخر. أنغام موسيقى كردية تملأ بصوتها الأرجاء، وتنساب بين ضجيج المارة وضحك الأطفال وأحاديث العابرين، وتتداخل مع أمواج البسفور لتخلق لوحة من الحياة الجارية.

الرقصة الأمريكية واستراتيجية التأثير

كان كل شيء يبدو طبيعياً وبلا تعقيد، لكن فجأة، وفي خضم هذا الهدوء، لفت نظري مشهد غريب: شاب غريب المحيا يندمج مع إيقاع الموسيقى ويشق طريقه إلى مركز الميدان. يبتسم ويصافح مجموعة من الشباب وكأنه يطلق إشارة البدء. رقص مفعم بالحيوية وبثقة عالية لا تُصدق، يرقص في الصف الأمامي بحركات مبالغ فيها وكأنه قائد عرض مسرحي يُمثل في الشارع.

لم تكن هذه مجرد رقصة استعراضية في الشارع، بل كانت "رقصة أمريكية" - حركة هادئة ومدروسة واستراتيجية بالكامل. منذ سنوات عديدة، تدخل الولايات المتحدة مختلف المجتمعات كصديقة، لكنها في حقيقة الأمر تحمل معها مخططات سياسية استراتيجية. تدخل بهدوء لزرع بذور الإثارة والحراك، ومن ثم تنسحب بهدوء من المشهد النهائي.

مقابلة المحللين السياسيين

بينما كنت أسعى لإيجاد أجوبة عن التساؤلات التي تشغل ذهني، أدركت أنه يتعين علي مقابلة بعض المحللين السياسيين ذوي الخبرة الطويلة في إسطنبول، أولئك الذين تحدثوا مراراً وتكراراً بصوت عالٍ وجريء عن السياسة الخارجية التركية وعن طبيعة العلاقات بين تركيا والكيان الإسرائيلي.

التاريخ السياسي والاقتصادي لتركيا

وقال داشار كاراداغ وهو باحث ومحلل في الشؤون السياسية :"بعد عامي 1945 و1946، بدأت تركيا بإنشاء علاقات مع الغرب وانضمت إلى حلف الناتو، وأصبحت سياستها الاقتصادية تعتمد على هذا التحالف. كما أقامت علاقات اقتصادية ومالية مع أوروبا وأمريكا، وستستمر هذه العلاقات طالما بقي النظام الحالي قائماً في تركيا.

النفوذ الإسرائيلي والتأثير الغربي

وقال البروفيسور جيحون بوز كورت وهو صحفي المكاتب وباحث ومحدد في قضايا الامن والاستخبارات خاصة قضايا البنى الخفية للسلطة والتهديدات الاقليمية والارهاب الدولي ونفوذ القوى الخارجية في المعادلات الجيوسياسية للشرق الاوسط:"بذلت السياسات الغربية والسياسيون المؤيدون للناتو جهوداً كبيرة للتأثير على علاقات تركيا مع "إسرائيل" وبينما كانت تركيا تسعى إلى إقامة علاقة جيدة مع "إسرائيل"، كان النظام الصهيوني ومن خلال الموساد وعناصره الأخرى يعمل على زيادة نفوذه داخل تركيا.

الأسباب الحقيقية للدعم الأمريكي لـ"إسرائيل"

وقال دوغان آكد نيز وهو أستاذ جامعي وصحفي وكاتب وباحث محلل سياسي بارز:"على مر الزمن، احتلت "إسرائيل" مكانة كبيرة ومهمة في تركيا من الناحية التجارية ومن حيث الوجود الإسرائيلي في تركيا، ولا يمكن إنكار ثقلها وتأثيرها".

في حين قال البروفيسور الدكتور محمد جم أوغولتورك وهو عقيد سابق في الجيش التركي:"عند الحديث عن أسباب غزو الولايات المتحدة للعراق، فالسبب الأول قد يكون السيطرة على النفط والطاقة، والثاني هو ضمان استمرار بقاء "إسرائيل". فمواقف العراق وإيران المعارضة لوجود "إسرائيل" والتهديد المحتمل لبقائها لعبت دوراً كبيراً في ذلك. لهذا تقدم الولايات المتحدة دعماً غير محدود "لإسرائيل"، حيث قامت حتى الآن باستخدام حق النقض ضد ما يقرب من 99% من قرارات الأمم المتحدة الصادرة ضد "إسرائيل". وأحداث غزة الأخيرة أظهرت استمرار الولايات المتحدة في دعم "إسرائيل" بغض النظر عن الوضع، ويمكن اعتبار ضمان بقاء "إسرائيل" سياسة أساسية في الدعم الأمريكي".

الصمت الشعبي وتساؤلات المحلل

بعد أن سمعت حديثهم، تركت كلماتهم أثراً أعمق في نفسي وشغلت بالي أكثر، لكن أصبحت أكثر يقيناً. ظل سؤال يجول في بالي: كيف يمكن لشعب يرفع شعار "الحرية لفلسطين" في الشوارع أن يلتزم الصمت أمام علاقة بلاده بهذا الكيان؟ أم أن صوت غضبهم لا يصل إلى حيث يجب أن يصل؟

وقال البروفيسور جيحون بوز كورت :"نحن لا نتعامل فقط مع أمريكا، فالطرف الحقيقي وراء الكواليس هو أمريكا نفسها. هل يمكن القول أن أمريكا و"إسرائيل" كيان واحد لا يمكن فصلهما؟ بالضبط، الطرف المقابل ليس "إسرائيل" فقط.

وقال البروفيسور الدكتور حسين باريش دوستر:" بالنسبة للولايات المتحدة، تمثل "إسرائيل" أولوية أعلى من جميع دول الناتو".

وقال دوغان آكد نيز :"نعتقد أنه يجب إخلاء هذه القواعد فوراً لأنها تُستخدم لصالح" إسرائيل"، وهذا أمر مرفوض تماماً."

تركيا شريك لوجستي لـ"إسرائيل"

من على تراب تركيا أقلعت طائرات من قاعدة إنجرليك، القلب النابض لحلف الناتو على الأراضي التركية. قاعدة عسكرية بُنيت ظاهرياً لمواجهة ما يُسمى بالإرهاب، لكنها تحولت اليوم إلى حلقة وصل لإمدادات وتوفير الذخائر والأسلحة المتجهة نحو "إسرائيل".

في الوقت نفسه، تواصل قاعدة كوراجيك للرادار - أي أذن أمريكا في المنطقة - مراقبة الأجواء وترصد كل حركة تهدد تل أبيب.

لقد أصبحت تركيا، من دون أن تكون طرفاً مباشراً في الحرب، شريكاً لوجستياً لـ"إسرائيل" - شريكاً في الظل لكن بأيدٍ ملطخة بألسنة النيران.


التفاصيل في الفيديو المرفق..

0% ...

آخرالاخبار

قائد طيران الجيش الايراني: تم احباط مخططات العدو في حرب الـ 12 يومًا


ترامب يتهم الديمقراطيين بتغيير قاعدة 'الفيلبستر' وتدمير المحكمة العليا


احتدام المعارك في كردفان وتحذيرات من تكرار مجازر الفاشر


نداء شعبي لـ"حملة مقاطعة داعمي 'إسرائيل' في لبنان" رفضا للتطبيع


مستشار قائد الثورة مخاطبا الإمارات: لصبرنا حدود


تصعيد إسرائيلي متواصل في الضفة.. شهيد واقتحامات واعتداءات المستوطنين


إنطلاق المرحلة 2 من مناورات القوات البحرية لحرس الثورة الإسلامية


منتخب إيران للتايكواندو یحصد ذهبيتين في بطولة العالم للشباب


اتفاق غزة بين الاعتداءات الإسرائيلية وخطة ترامب


بعد هلاك 'أبو شباب'.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال للاستسلام