المعروف ان الاتفاق النووي الإيراني، وضع آلية لـ«حل النزاعات» بين الأطراف المشاركة فيه، عُرفت باسم «آلية الزناد»، وفي حال عدم الالتزام بالاتفاق، يمكن إلغاءه واعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن، شريطة ان يتقدم الاعضاء بشكوى الى مجلس الامن قبل انتهاء مفعول القرار 2231 الذي ينتهي في 18 تشرين الاول اكتوبر القادم.
ايران نفذت على الفور ما عليها من التزامات وفقا للاتفاق، مثل تنفيذ البروتوكول الإضافي والمراقبة الخاصة، وخفض مستوى تخصيب اليورانيوم، والحد من كمية المواد المخصبة، وتقليل عدد أجهزة الطرد المركزي المستخدمة وحصر نوعيتها، جنبا إلى جنب إعادة تصميم مفاعل «أراك» للماء الثقيل، وإغلاق منشأة التخصيب في فوردو.
في المقابل لم تنفذ امريكا تعهداتها فحسب بل انسحبت كليا من الاتفاق عام 2018 ، واعادت فرض عقوبات صارمة من طرف واحد على ايران، شملت كل شيء الا الماء والهواء. لكن رغم ذلك بقيت ايران ملتزمة بتعهداتها واستمر ذلك عاما كاملا بعد انسحاب امريكا، على امل ان تعوض الدول الاوروبية ايران ما تسبب به الانسحاب الامريكي من اضرار اقتصادية لها، الا ان أوروبا لم تفشل فقط في الوفاء بتعهداتها المتعلقة بتطبيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إيران، بل انتهكت الاتفاقية أيضا، وحتى التعهدات الأحد عشر الإضافية التي قطعتها أوروبا على نفسها بعد انسحاب امريكا لم تنفذ ايا منها. كما فشلت في تنفيذ الية " انستكس" لانها ولدت ميتة.
ايران ومن اجل الرد على الانسحاب الامريكي وانتهاك اوروبا لتعهداتها، عملت وفقا لحقها المنصوص عليه بالاتفاق، بتقليص التزاماتها، على امل دفع الطرف الاخر للعودة الى الاتفاق، تنفيذا للقانون الصادر عن البرلماني الايراني، الذي طالب بالدفاع عن حقوق ايران النووية، ورفع الحظر المفروض على الشعب الايراني.
رغم خيبة الامل الايرانية بامريكا والترويكا الاوروبية، اعلنت ايران في ولاية الرئيس الامريكي دونالد ترامب الثانية عن استعدادها للانخراط في مفاوضات جديدة غير مباشرة مع ادارة ترامب، لايجاد حل دبلوماسي لبرنامجها النووي السلمي، و اجرت خمس جولات مفاوضات غير مباشرة في سلطنة عمان واماكن اخرى في اوروبا، وكان مقررا ان يلتقي الوفدان الايراني و الامريكي في الجولة السادسة في حزيران الماضي، ولكن الذي حدث هو ان الكيان الاسرائيلي شن عدوانا غادرا على ايران بضوء اخضر امريكي، ذهب ضحيته الالاف من المدنيين بينهم علماء وعسكريين واطفال ونساء، وقبل نهاية الحرب قامت امريكا وبشكل سافر ووقح بشن عدوان على المنشات النووية الايرانية، دون ادنى مبرر.
اللافت ان الترويكا الاوروبية اعتبرت اعلانها تفعيل الية الزناد محاولة "لتعزيز الدبلوماسية ودفعها قدما". والضغط على ايران للجلوس الى طاولة المفاوضات مع امريكا من اجل التوصل الى حل دبلوماسي للبرنامج النووي الايراني السلمي. متناسية ان ايران ليست بحاجة لتفعيل الية الزناد لدفعها للانخراط في مفاوضات مع امريكا، فهي كانت تتفاوض اصلا مع امريكا الا انه تم الاعتداء عليها. واللافت اكثر ان بيان الترويكا الاوروبية الى مجلس الامن، لم يتضمن اي اشارة الى هذا العدوان الغادر، و انتصرت للجلاد ضد الضحية بشكل مقزز.
الترويكا الاوروبية لم تكتف بهذا الموقف المنافق، لدى اعلانها تفعيل الية الزناد، فقد وقفت إلى جانب امريكا والكيان الاسرائيلي خلال حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة، ولم تقم حتى بإدانة الهجوم الأميركي على منشآت ايران النووية، لذلك يمكن اعتبار الاجراء الاخير للترويكا الاوروبية هو استمرار لحرب الأيام الاثني عشر، وقد اتُخذ بهدف تعويض هزيمة امريكا والكيان الاسرائيلي.
تقديم شكوى من طرف هو المنتهك لمعاهدة ما ضد طرف مازال متمسكا بها هو اجراء غير قانوني وغير اخلاقي، وبما أن أوروبا تواطأت مع امريكا في الانسحاب من الاتفاق النووي، ولم تف بالتزاماتها في الاتفاق فهي ايضا منتهكة للاتفاق، لذلك لا تملك اي صلاحية قانونية او اخلاقية لتقديم شكوى ضد ايران. لهذا يرى اغلب المراقبين السياسيين في هذا الاجراء الاوروبي، بانه محاولة لاثبات دور لاوروبا في الملف النووي الايراني، بعد ان همشتها امريكا، من اي دور، ليس مع ايران فحسب، بل وحتى مع قضية اوكرانيا التي تجري احداثها في القارة الاوروية نفسها.
اخيرا، يتفق المراقبون ايضا ان هناك هدفا اخر تسعى اوروبا لتحقيقه من موقفها الوقح هذا، وهو محاولة احداث بلبلة في الداخل الايراني، بعد ان اظهر الشعب الايراني خلال حرب الـ12 يوما تلاحما وطنيا اذهل الاعداء والاصدقاء، وذلك عبر السعى لالقاء مسؤولية ما يحدث على فريق ايراني دون اخر، وهي لعبة باتت مكشوفة للايرانيين، فالمفاوضات النووية الايرانية كانت ومازالت تجرى في اطار المصلحة الايرانية العليا رغم الحكومات المتعاقبة، فجميع الايرانيين، بمختلف توجهاتهم السياسية، اثبتوا تمسكهم بحقهم في امتلاك برنامج نووي سلمي، وتوحدهم لمواجهة اي عدوان يستهدف ايران، وضرورة الرد عليه بكل ما يملكون من قوة، وهذا الموقف الشعبي الذي التف حول قيادته، هو الذي افشل المخطط الامريكي الاسرائيلي الغربي ضد ايران، وسيفشل كل مخططاتهم في المستقبل ايضا، حتى يرضخوا للحق المشروع لهذا الشعب العريق في امتلاك ناصية العلم، الذي يعتبر شرط كل تنمية.