طائرة شراعية عبرت السماء، نافورة قذائف الهاون — ما هذا المشهد؟ والأرض تزلزلت تحت أقدام جيشك. كان يُقال ما لا يُقال، لكن هذه اللحظة لم تكن عبثية ولا فجائية؛ كانت تتشكّل في صمت منذ سنوات من حصار خانق، ومن اقتحامات متكررة، ومن انقسام، ومن عمليات اغتيال يومية، ومن سجون امتلأت بأحلام الشباب الفلسطيني. كان الانفجار قادمًا، وقد جاء.
نستعرض في هذا الوثائقي كيف أنطلق الطوفان، وكيف غيّر وجه الصراع، وأي أثر عسكري وسياسي واجتماعي خلّفه على الاحتلال، وعلى العالم، وعلى الفلسطينيين أنفسهم.
الحقيقة: لم يُفاجأ الفلسطينيون فعلًا بما جرى في ذلك اليوم، لكن الذي فُوجئ بدرجة أساسية هو مدى غياب العدو أو مدى صدمة العدو مما يجري. هذا يعطي إشارة مهمة إلى أن هذا العدو ليس خارقًا بالقدر الذي كنا نتخيله. أعتقد أن أهم ما نبه إليه الطوفان هو أننا نتعامل مع عدو له نقاط قوة كبيرة جدًا — ونحن لا نقلل من قيمة وأهمية هذه النقاط — لكنه أيضًا لديه نقاط ضعف كبيرة.
من أهم نقاط الضعف ما نشاهده حتى هذه اللحظة بعد عامين من الطوفان: عجزه عن قراءة المجتمع الفلسطيني، وعجزه عن قراءة العقلية والروح الفلسطينية التي برزت في السابع من أكتوبر وما زالت ظاهرة حتى هذه اللحظة في حجم الصمود والإرادة التي يبديها الإنسان الفلسطيني في مواجهة هذا العدو. هذا الجهل الصهيوني هو الذي يدفع هذا العدو؛ فإذا استمر في القتل بهذه الوتيرة قد يجبر الفلسطيني على الانتصار أو على استسلام إرادته أمام المذابح — وهذا ما لا يريده أحد.
طوفان الأقصى شكل صدمة للمؤسسة الأمنية قبل غيرها؛ لقد جاء بينما الكل في غفلة تامة. كانت المفاجأة تكتيكية بامتياز، وليست بالضرورة استراتيجية؛ فالاحتلال كان لديه تقديرات لقوة حركة حماس وللقوى في قطاع غزة، وكانت لديه تقارير استخباراتية ورصد ومعلومات عن التدريبات وحتى عن خطط وصلت إليه.
سُمّيت بعض التحضيرات بـ«أسوار أريحا» في مايو/أيار 2023، وبالتالي كان لدى الاحتلال تصور، لكن حصلت المفاجأة نتيجة فهمٍ خاطئ حقيقي لما هو مرئي أمامه. استطاعت حماس وقدراتها التخطيطية أن تخترق كل التجهيزات الأمنية والتحسينات الدفاعية للعدو، ووصلت إلى الفرقة 43 وإلى معسكرات العدو، ودخلت إلى الداخل وأحدثت اختراقًا كبيرًا في منظومة الاستخبارات العدائية. كانت هناك استعدادات لمواجهة طويلة الأمد؛ المواجهة في ذلك اليوم لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاج تخطيط لسنوات طويلة: إعداد للأنفاق، وبناء القدرات العسكرية، وتجهيز كل الإمكانيات التي مكنت المقاومة من تجاوز التحصينات الإسرائيلية.
من الواضح منذ إعلان عملية «طوفان الأقصى» أنها اختلفت عن كل العمليات السابقة التي شهدتها المقاومة الفلسطينية من حيث طبيعة القوى المشاركة. رأينا تكتيكات جديدة تمامًا، سواء من حيث توحّد فصائل المقاومة في التنفيذ، أو من حيث طبيعة الوحدات المشاركة. شهدنا استخدامات جوية بما هو متاح من قدرات، ورأينا اقتحام الأسوار الدفاعية للعدو، ووصول القوات إلى عدد من المغتصبات، ومشاركة القوة الصاروخية — بمعنى أن هناك تكتيكات مختلفة. من أهم عناصر نجاح عمليات حماس والفصائل الجهادية (الجهاد الإسلامي، وكتيبة القسام) أولًا كان بنك الأهداف الذي لدى حماس: المواقع العسكرية الهامة. استطاعت حماس اختيار أهداف حسّاسة جدًا وضرب العدو الإسرائيلي في العمق.
للمزيد إليكم الفيديو المرفق..