بخطى متعجّلة، تسير واشنطن على أرض مفخّخة بالتناقضات، وهي تمهّد الطريق لضيف لم يكن حتى الأمس القريب في قائمة المدعوين إلى البيت الأبيض، بل في قوائم المطلوبين على لوائح الإرهاب. ما بين دمشق وواشنطن، تكتب فصول قصة غير مألوفة/ مجلس الأمن الدولي، الذي طالما رفع عقيرته بالعقوبات، يصوّت هذه المرة لصالح رفعها، لا عن دولة، بل عن رجل كان عنوانا للحظر. قرار أميركي بامتياز، ممهور بتواقيع الدبلوماسية الناعمة التي تخفي خلفها صفقة كبرى، يبدو أنها تجاوزت حدود السياسة إلى إعادة رسم خرائط النفوذ في المنطقة.
الاجراءات الاميركية حول الجولاني وزيارته ارتبطت ايضا ففي الميدان، حيث تتسع الخطى الأميركية/ قواتها تعزّز وجودها، وتتحرّك بخط مواز إلى حدود دمشق. ووفقا للمعطيات ، فإن مطار المزة العسكري سيتحوّل إلى قاعدة أميركية على مرمى حجر من قصر الحكم، فاختيار المزة تحديدا ليس صدفة. إنه إعلان صريح بأن التحالف الجديد يريد أن يضع يده على قلب القرار السوري، لا أطرافه فقط.
وفي واشنطن، يجري إعداد المشهد، فالجولاني الذي سيستقبل الأسبوع المقبل في البيت الأبيض لن يكون ذاك الذي قاتل الجيش الأميركي في العراق، ولا الذي خاصم النظام السوري في إدلب. سيكون رجلا بلا ماض، بعد أن أزيلت عنه وصمة الإرهاب بقرار دولي.
أما الصورة، فستقدّم إلى العالم على أنها تحوّل تاريخي في موقع سوريا السياسي، ولأن لكل شيء في الدنيا ثمنا، فإن الثمن هذه المرة يبدو باهظا، ذاكرة يراد محوها وفي النهاية، سيجلس الجولاني على كرسيّ وثير في البيت الأبيض، وستجلس واشنطن مطمئنة إلى أنها صنعت المشهد على المقاس الأميركي لا على مقاس السوريين.