الزعفران، ليس مجرد توابل، بل هو تاريخ سائل يتسرب من خيوط نسيج الحضارة الإنسانية. يُعرف هذا العبير الملكي علمياً باسم Crocus sativus، وهو النجم المتلألئ بين محاصيل إيران العريقة.
منذ فجر التاريخ، حيث كانت الحضارات القديمة تتبارى في حيازة خيوطه الأرجوانية، وُجد الزعفران كرمز للثراء والنقاء؛ استُخدم كصبغة فخمة، ودواء شافٍ، وعنصر أساسي في طقوس التشريفات. ولاتزال رائحته المميزة، التي تحمل دفء الشمس وقوة الأرض، هي البصمة التي تضفي على المطبخ العالمي عمقاً لا يُضاهى.
ومع إطلالة شهر آبان (أواسط الخريف)، تستيقظ مزارع خراسان، تلك المنطقة التي تُعدّ موطن هذا “الذهب الأحمر”. تتزين الحقول بوشاح أرجواني زاهٍ، معلنةً بدء موسم الحصاد. في هذا الوقت، يعبق الهواء برائحة الأرض الغنية التي تزدهر فيها التجارة، حيث تنتقل هذه الثروة الثمينة عبر البلاد.
إن عملية الحصاد ليست مجرد عمل زراعي؛ إنها رقصة دقيقة وتضحية صامتة. إنها المرحلة الأكثر حساسية وإرهاقاً؛ فبعد أشهر من الانتظار والرعاية، يأتي قطف الزهرة بحذر شديد، تليها عملية الفصل اليدوي الدقيق للخيوط الميسمية الحمراء عن بتلاتها الأرجوانية. كل خيط يتم جمعه هو قطرة عرق وجهد مزارع، وتتجسد فيه قصة وفاء الأرض للإنسان. إن الوقوف في حقل الزعفران الإيراني هو وقوف أمام أقدم وأثمن كنوز الطبيعة.